1 فسيح مجراك أيُّها الوادي ... فسيح في أخاديدك التي تحفرها في الأديم ... من صلب الغسق و ترائبه تخرج أيها الوادي . تتنفس بهديرك الصامت الكتوم ، تمخر العُباب و تملأ الدنيا وجَلا .عبر الأبواب والطاقات تتسلل متجبرا و خِلسة إلى منازلَِ واطئة، يستلذ أهلها السِّنة . عند الفجر لا يُسمع لك إلا الصياحُ والبكاءُ و العويل. نساء مذعورات ... يرمين ما بظهورهن يشبه لون الصَّبايا . ورجال يتعاثرون واثبين على ما تحمله من أشلاء وأشياء. فعلتها أيُّها الوادي . فأنت و الريح سيان . تنحت ممرك القديم . تعيد بناء أسطورتك الماجدة السرمدية . يعجبني استصغارك للطنجاوي أو الطنجيسي ، عندما فَتَحَ الباب وراء غبش يلف عيونه ، فوجد مويجاتِك تترقرق بالطين المبلل على أعتاب الدار. لف مسرعا أرجاء البيت. واقفا. واجما . مقمطرا . ممتقعا ؛ فاقْتَحَمْتَه دون استئذان. فغنى صاحب الرَّباب : كن متجبرا ، كن رحيما ، كن ابن من شئت ؛ فالوادي سيُكسبك الأدبا. 2 ونحن صغار ... كان يبدو لنا هذا الطنجاوي يصَّعَّد في السماء كبالونات يوم العيد . أََ أ الطنجاوي أقوى أم ريح النحور العاتية؟ الطنجاوي يأكل الكروفيت و الكافيار؛ الطنجاوي يصطاد السمك بماكينة سِلْفيا؛ الطنجاوي يحتسي التينتو؛ الطنجاوي يسوق بست فورد؛ الطنجاوي ملأ الدنيا وشغل الناس. كم أنت جميل أيُّها الوادي ! عندما كسَّرتَ شوكة هذا الطنجاوي . شُوهد وهو يبكي حظه العاثر، عندما حملتَ منه شبكة الصيد الكبيرة ذات العيون الدقيقة ، التي لا تفرق بين الحِجْر والقِشْر . وأغرقتَ له سيارة الفولزفاكن المسجلة بلوحة إطار إسبانية ، وطوَّحت بها بعيدا في قلب البحر المائج . اقتحمتَ عليه الخزائن و حرَّرْتَ الرخويات ، والقشريات والمفصليات والرمليات . شوهدت في غسق الفجر الداجي دامعة ، و هي عائدة إلى مكانها القديم . تتسلل عبر الشقوق و ثُلم الحيطان المتصدعة من وجَلك أيُّها الوادي ، عبر النوافذ المفتوحة ، عبر الأبواب المنخورة بصدأ الانتظار . من بعيد يطوح عرينه ، يشق به عنان السماء ، متسللا عبر مويجات الطين ... بين الظلام والماء. في قلبك أيها الوادي ... لا يُسمع إلا ماذا سأقول . ماذا سأقول . وحزم رأسه المبلل براحتيه ، بعدما تحلق حوله نفر، من الطين المغسول بصدأ الوجع و الأنين لُفظوا .وظل على لازمته الأولى ؛ ماذا سأقول؛ فخرجت كلمة « لخورخي لويس خورخي» تستشيط دما قانِيا من عسر الولادة . قَانَيْت، أيها الطنجاوي، بين الأمل و الألم . 3. سكن هذا الاسم ، خورخي لويس خورخي، أفئدتنا الصغيرة ؛ رجل رَبْعة ، رأسه أشيب ، دائم الأنشوطة و الغليون مقيم بين شفتيه كالسِّيخ . لا حديث ولا محادثة إلا مع الطنجاوي. وحتى يخفف من عجرفته وهُونه ، يشير إلينا ، نحن الصبية ، بإشارات لا تستبين ، تخرج من أصابعه ذهبا . كنا نهابه كثيرا ، خصوصا عندما صفع بائعة المحَّار ، لمَّا رفضت أن تبيع له حصتها من القشريات. كم أنت مِجواف ، يا خورخي ! لا يسعك البحر أبدا ، ونحن بعيون صغيرة ؛ لا تكبر أبدا .