يمكن تصنيف المشروع التشكيلي لرضوان جوهري صمن سياق دائرة التجريب والبحث عن المغايرة الدائمة على المستوى التيماتيكي واللوني، في أفق بناء منجز إبداعي يستجيب للمقاصد الفنية وللرؤيا الاستيطيقية، بعيدا عن النمطية والتكرار، دون أن يعني ذلك القطيعة بين سلسلة التجارب التي راكمها الفنان عبر مسيرته الفنية والإبداعية، وإن كنا نعتقد جازمين وجود منعطفات مفصلية تجعل المنجزات التشكيلية تبدو منفصلة قي بعدها البصري، لكنها متصلة على المستوى التأويلي والرمزي، فكل مرحلة لاحقة ما هي إلا نتيجة حتمية لأخر سابقة. اجتهادا منا في تقييم مسار التجربة وتقريبها من المتلقي، تجربة انبثقت من رحم سديمي يعكس لحظات الضغط واحتقان الذات وغليانها، ومعاناتها الأسى والمرارة أحاسيس أعلنت عن نفسها عبر سديمية رقع اللوحات، أقصد الأعمال الأولى التي تميزت بكثافة الألوان الترابية الساخنة، خالقة بذلك توترا مرئيا بين اللوحة والمتلقي، هذا الأخير الذي قد تنتابه أحاسيس القلق والتوجس من تكتم اللوحة وصمتها القهري الذي يفضحه طغيان اللون الرمادي. إن كثافة الألوان هي إعلان عن تمرد الذات ورفضها المطلق لولادتها الأولى، الولادة القيصرية التي أتمرت جنينا/ مشوها مليئا بالشروخ. غالبا ما يعترينا الانطباع بذلك التوجه السريالي الذي تكشف عنه فوضوية العناصر والألوان، إنها تجسيد للعب، كما يعترف الفنان نفسه، لكن للعب وظائفه ومقاصده فهو ضرب من التخييل والإبداع، وأنت تتابع تفاصيل اللوحة وتفكك طبيعة ألوانها، يمكنك العيش والانتقال بين الفصول، وأن تقطع كل التضاريس والجغرافيات، إنها لوحات تتسم بالزخم والامتلاء الطافح، الذي يثير الرؤية بشكل مستفز. وتستمد اللوحة كثافة إيحاءاتها من كثافة وحجم عناصرها التي تشبه معجما صوفيا مغرقا في التهويم, يمكن نعت المرحلة الثانية، من مسار التجربة، بالمرحلة الانفجارية، وهي نتيجة حتمية لمرحلة الاحتقان، إذ تحولت الرقعة إلى ما يشبه ساحة «الكوريدا»(حلبة مصارعة الثيران)، إذ تبدو الرقعة كساحة لممارسة لعبة الموت، إنها تجسيد لوحشية الإنسان وفضح لعدوانيته ولنزوعه التدميري، وما يمكن قوله عن اللوحة، والواقع إنها تجربة تعكس ترنيمة الحياة وتشظي الواقع الراهن أن مظاهر التعدد والتشتت قد تحقق انسجامها انطلاقا من وجود نواة ناظمة لتلك للتعددية ومنظمة لمظاهر الاختلاف، الذي يفرض على الذات أن تعيش هي الأخرى على إيقاع التشتت. إن المتأمل لأعمال هذه المرحلة يستشعر حنينا طفوليا ثاويا بين تضاريس الخطوط وزخم الألوان القاتمة، من خلال اشتغال الرسام على تناشير الأطفال، انشغال يعكس في بعده التجريدي والرمزي رغبة لاشعورية في حماية «الذات» وتحصينها عبر العودة إلى حضن الأم وإلى زمن براءة الصبا والأحلام هروبا من سطوة وشروخ الحاضر. ثالث المراحل، نصطلح عليها، بالمتاهة labyrinth، إذ يأخذ فضاء اللوحة بعدا انشطاريا من خلال المرايا الداخلية العاكسة لما يدور داخل نفس اللوحة من مشاهد مرسومة داخل نفس اللوحة، تقنية اعتمدها رامبرانت ومملينع، وتمنح المشاهد انطباعا بالتماثل والتكرار اللانهائي للموضوع، في حين تعبر عن التمزق والانشطار، وتختزل الصورة دلالات الغياب واللا محدودية، لأن الانعكاس ينفي المركز ويطرح جدلية الأصل والفرع، إنها متاهة الإنسان المعاصر المستلب الذي يعيش داخل عالم موبوء منحط القيم، تسوده النمطية والرتابة القاتلة، ويتحول رقعة اللوحة إلى رحم جحيمي ملتهبة ألوانه. ونحن بهذه القراءة البسيطة ننظر إلى المتاهة باعتبارها من أهم لحظات التيه اللانهائي الذي يلغي المسافات الفاصلة بين العمل والمتلقي حيث يتحقق التمازج والتناغم من خلال الأثر الفني والجمالي. قد نخلص في نهاية هذه القراءة إلى انشغال رضوان جوهري بتقديم قراءة انطولوجية لتراجيديا الإنسان المحاصر داخل متاهات جحيمية تجعله يعيش على إيقاع الشتات والتشظي. وإن كانت أعماله الأخيرة تنحو إلى تحويل العتمة إلى بياض يحمل بذور الأمل، لأنها تعبر عن لحظات الانتظار الموسوم بالشك واللايقين. ناقد مغربي