بعد أن كان المغفور له محمد الخامس قد صادر العهد الملكي في 8 ماي 1958، لإعلان المبدأ المؤسس لطبيعة الدولة، عين في 1960 أول مجلس دستوري ضم الاحزاب السياسية آنذاك, باستثناء الحزب الشيوعي المغربي والاتحاد الوطني,غير أن تعيين علال الفاسي ، زعيم حزب الاستقلال والوجه الوطني البارز دفع بأحزاب مشاركة من قبيل الحركة الشعبية وحزب الاحرار لاحمد اكديرة الى الانسحاب منه. وبعد تولي الحسن الثاني الحكم قدم مشروع دستور بعين فردية، تم رفصه من طرف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. ومن تمة بدأت عبارة الدستور الممنوح ، أي الدستور الذي لم يشارك الشعب في صياغته عبر المجلس التأسيسي كما كان الاتحاد يدافع عن ذلك. وكانت فترة تو لي الحسن الثاني قد شهدت أطوارا متعددة الابعاد في علاقة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية انذاك [ الاتحاد الاشتراكي حاليا ] مع الملك الجديد. وفي هذا السياق قليل من الناس اليوم يعرفون الرسالة الشديدة اللهجة التي وجهها عبد الرحمان اليوسفي ، باسم الكتابة الوطنية للاتحاد الوطني ، إلى ملك البلاد وقتها، والذي كان قد أجرى مقابلة مع صحافي بلجيكي اتهم خلالها بكون المعارضة لا تملك رؤيا للاصلاحات السياسية والدستورية. وقد رد عبد الرحمان اليوسفي على صفحات المحرر ، في رسالة منشورة في بداية فبراير جاء فيها ««أجرى أحد مراسلي التلفزيون البليجكي يوم الجمعة الأخير، استجوابا مع رئæيس الدولة, وقد تناول الاستجواب عدة قضايا مختلفة, وكان من بين الأسئلة التي طرحها الصحافي البلجيكي على رئيس الدولة، سؤال يتعلق بمطالب المعارضة في المغرب. وقد أجاب رئيس الدولة على سؤال مراسل التلفزيون البلجيكي بما يلي «»ليس بإمكاني الجواب، فالمعارضة حتى الآن إما لم تحسن التعبير عن مطالبها، أو لم تعبر عنها بالمرة«.» ويذكر الرأي العام أن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية منذ تأسيسه، وكلما اتخذت مجالسه الوطنية قرارا، الا وبلغ الى رئيس الدولة عن طريق وفد منبثق عن لجنته الإدارية الوطنية. ثم انه حينما اراد المغفور له محمد الخامس تشكيل الحكومة الملكية الأولى، وحينما اراد تعيين اعضاء مجلس الدستور المعين، عبر له ممثلو الاتحاد الوطني عن وجهة نظر منظمتهم، وشرحوا له الأسباب التي تمنعهم من المشاركة في الحكومة أولا، و في مجلس الدستور المعين ثانيا. وحينما توفى محمد الخامس، واستدعى الملك الحسن الثاني ممثلي الهيئات السياسية ليستمع الى آرائها حول الوضع الجديد الذي ترتب عن وفاة محمد الخامس، أوفد الاتحاد الوطني وفدا مكونا من الاخوان: عبد الرحيم بوعبيد، ومحمد البصري، عبد الرحمن اليوسفي الدكتور بلمختار، فشرحوا له نظرية الاتحاد أثناء المقابلة التي أجروها معه يوم 8 مارس 1961، تلك المقابلة التي طالب رئيس الدولة خلالها من مخاطبيه أن يرفعوا له مذكرة رسمية تسجل ما بلغوه إياه. وقد رفعت هذه المذكرة بتاريخ 13 مارس من السنة الفارطة» وقد نشرت المحرر نص المذكرة التي رفعتها الكتابة العامة للاتحاد إلى المرحوم الحسن الثاني. وتزامن هذا مع الاحتقان السياسي ، وطريقة المؤامرات والمحاكمات الكبرى ، التي طبعت الستينيات، كما وصلت الازمة على اشدها في يوليوز63 ومحاكمة الاتحاد وقيادته ضمن ما عرف بمؤامرة ضد القصر، وبعد ذلك اندلعت احداث الدارالبيضاء في 23 مارس 1965 وتم تعطيل الحياة السياسية ، واغتيال الشهيد المهدي بن بركة. وفي خضم هذا الغليان, طرح الحسن الثاني في 1970 مشروعا دستوريا جديدا قاطعته الاحزاب الوطنية، وكانت الاجابة في اطار الكتلة الوطنية .. وقد ورد في الوثيقة التأسيسية: « «قرر حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية تأسيس كتلة وطنية للعمل المشترك بين هيئتيهما في اطار الميثاق الوطني. - للعمل من اجل اقرار ديموقراطية سياسية واقتصادية واجتماعية، يتمكن الشعب فيها من ممارسة سيادته عن طريق سلطة منبثقة مباشرة منه««. وجرت مراسلات أخرى بين قيادة الاتحاد وبين القصر الملكي بخصوص خلق شروط انفراج حقيقية تمارس فيها المسؤولية بناء على تعهدات واضحة. وفي هذا السياق، وبعيد الانقلابين اللذين هزا اركان الدولة و؛كادا أن يعصفا بمكوناتها، وجه الحسن الثاني رسالة الى عبد الرحيم بوعبيد موقعة بتاريخ 14 شعبان 1392 موافق 23 شتنبر 1972. وقد وجهها الملك الراحل عن طريق .... عمالة الرباط. وتتناول الرسالة عرضا لتشكيل حكومة وحدة وطنية بدليل حديث الملك الراحل « لقد أعربنا غير ما مرة عن رغبتنا الاكيدة في ان تتضافر جميع العناصر الوطنية الحية من شعبنا المتحلية بمزايا الإرادة الحسنة والكفاية والاقتدار والتجرد والنزاهة، المدركة لواقع مملكتنا، والنافذة بحكم التجربة المكتسبة والمعرفة الشاملة بمختلف الشؤون الى صميم حاجات البلاد ومتطلباتها مثلما صرحنا بجدوى تآزر جهود المخلصين للأمة الاوفياء لمثلها العليا» «مع خلاصة تقول ««تجسم رغبتنا هذه في ان تتوافر لدينا الاداة الحكومية المعبرة عن اجتماع الكلمة الكفيلة ببلوغ اسمى ما تسمو إليه المهمة ويتطلع إليه الحرص الجميل» ». وبعد اسبوعين تقريبا جاء جواب عبد الرحيم على الملك.» «إن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إذ يسجل، ببالغ الاهتمام والتقدير، هذه المبادرة السامية، فإنه عازم على عرضها خلال الأيام المقبلة، على أنظار الهيئات المسؤولة على الصعيد الوطني، لتكون موضوع دراسة عميقة، رائده تخدم في ذلك الصالح العام والمصلحة العليا للوطن، وإبراز الحلول الجذرية التي تكون كفيلة، في نظرنا، بإنقاذ البلاد من الأزمة الخطيرة التي تواجهها»». وقد عقد المجلس الوطني للاتحاد لقاء على ضوء هذه الرسالة ، وكان رد اللجنة الادارية ، وبتوقيع بوعبيد في 14 اكتوبر من نفس السنة . ومما ورد في الرسالة إعادة التأكيد على المجلس التأسيسي لصياغة الدستور« إن توجيها سياسيا جديدا يختلف جذريا عن توجيه الماضي هو وحده الكفيل بجعل الشعب المغربي يستعيد الثقة ويقبل على المستقبل. وأكثر من هذا، فإن هذا التوجيه الجديد يجب ان تواكبه تدابير مسبقة ملموسة لإحداث الرجة السيكولوجية التي تتطلبها الظروف. وهذا الإجراء السياسي هو الاعلان رسميا أن الشعب المغربي سيدعى في تاريخ محدد لانتخاب مجلس وطني تأسيسي وتشريعي على أساس الاقتراع السري العام المباشر. ويأبى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلا ان يؤكد ان اقتراحه لا يصدر عن أي تمسك دوغماتيقي بمبدأ المجلس التأسيسي، بل ان اقتراحه يتجه الى إبراز مغزى سياسي بديهي. وهو ان عهد الحكم المطلق، أو الانتخابات المزيفة قد ولى. وان الحكم بهذا الاجراء السياسي يود إتاحة الفرصة لممثلي الشعب ان يقرروا بكامل السيادة في المصير الجماعي للأمة، وذلك في إطار دستوري قبلته الامة بحرية ووعي. ومن الناحية العملية، فإن المجلس الوطني المنتخب سوف يضطلع بمهمتين. 1 مهمة ذات طابع دستوري, إذ سيكون على المجلس بادئ ذي بدء أن يبت في مختلف بنود دستور 1972 وخاصة فيما يتعلق منه بميادين التشريع والتنظيم، وفيما يخص العلاقات بين مختلف السلطات. 2 مهمة تشريعية عادية. فإذا قبل هذا الاقتراح في مبدئه, فإن النقط القانونية التي تبدو ضرورية لتنفيذه سوف تدرس فيما بعد. وحتى يمكن لهذا المفهوم الجديد للحكم ان يحدث الاثر المرجو منه ,فإن إجراءات مسبقة يتحتم اتخاذها في العاجل، ويمكن ذكر بعضها على سبيل المثال فيما يلي: تطهير الجو السياسي بإصدار نصوص تشريعية تقرر العفو العام الذي يشمل الجميع بدون استثناء. إلغاء النصوص التشريعية والتنظيمية التي تحد من ممارسة الحريات العامة والخاصة. وفي هذا الاتجاه، فإن القرارات الادارية التي تقيد وتقمع حرية التعبير بإقامتها لرقابة مسبقة، يتحتم إلغاؤها. إلغاء الظهائر والقرارات القمعية التي أصدرت أيام الحماية وبقي العمل جاريا بها. إيقاف العمل بالنصوص التشريعية التي اتخذت بعد سنة 1962 والتي تعدل القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية. وعندما تتخذ هذه التدابير يمكن تكوين حكومة تتمتع بالثقة الشعبية لمدة معينة وبمهام محددة. تكون مهمتها الاولى السهر على نزاهة انتخابات المجلس الوطني وسيكون عليها أن تضع قانونا انتخابيا يعكس الارادة الوطنية بدون تحديد أو تزوير. وستمارس السلطة التنظيمية التي تستمدها من الدستور ويتعين عليها خاصة اتخاذ كل الاجراءات لوضع حد للرشوة واستغلال النفوذ وانعدام الكفاية في التسيير. ويجب ان تصبح الادارات المركزية والمحلية مصالح عمومية في خدمة المواطنين. 36. وأثناء هذه الفترة الانتقالية، وفي انتظار المصادقة النهائية على الدستور، فإن النصوص التشريعية ستتخذ في المجلس الوزاري باقتراع الوزير المعني بالامر. مواجهة الاجراءات الاكثر استعجالا في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلخ... ومن البديهي ان مثل هذه الحكومة المدعوة أساسا الى ترجمة التوجيه السياسي الجديد الى الواقع هي حكومة ذات طابع انتقالي. [ عبد الله ابراهيم ، في رسالة مؤرخة ب18 اكتوبر 1972 تكلم باسم اطارات الاتحاد. ووجه ردا في 18 اكتوبر ، اي بعد اربعة ايام.] وكل المساعي السياسية لم تنتج سوى دستور كانت القوى الوطنية لا ترى فيه ما يجعلها تقبل به. وهو دستور مارس 1972 ، وقد تحدث الاستاذ احمد عصمان ذات مرة عن المجهودات الفكرية والسياسية التي قامت بها الشخصيات الوطنية، وكان منها عبد الرحيم رحمه الله وعصمان نفسه من أجل دستور متوافق عليه. غير أنه لم يكن في المستوى المطلوب ، الشيئ الذي اجابت عنه الكتلة الوطنية بالمقاطعة في استفتاء 10 مارس من نفس السنة.وظل الفراغ سائدا طيلة ثلاثة عقود الى حين تأسيس الكتلة الديموقراطية من جديد وبدء مشاورات التعديل الدستوري في سنة 1992 ، وبعده دستور 1996. وكانت الظروف التي عاشها العالم وقتها، ابتداء من 1989 وانهيار عالم الحرب الباردة ونهاية الانظمة الشمولية والمطلقة للحزب الواحد, أثر في الحياة الوطنية، واطلقت مسارا نضاليا افضى الى التعديلات السياسية واقتناع الفرقاء السياسيين بضرورة الخروج من الاختناق السياسي والمؤسساتي والشروع في عملية بناء أخرى غير التي كانت ترعاها الاجهزة المغلقة في البلاد.