إن البنية الشكلانية للأعمال الفنيّة في فنون النحت والحفر والفنون التشكيلية عموما، ومهما كانت مدرستها ورغم رمزيتها أو غموضها في أحيان كثيرة أو سرياليتها في أحيان اخرى إلا أن لها مدلولات فكريّة في علاقة عضوية وطيدة بحاضنتها التاريخية و الحضارية وفي علاقة بما يحمله خالقها / مبدعها من خلفيّات فكرية أو فنيّة أراد من خلال المنجز الإبداعي أن يشكّلها كلوحة أو منحوتة تعبيرية لها دلالاتها العميقة ،لذلك نعتقد أن المنحوتات أو اللوحات التشكيلية لا تحلل مضمونيا ولا تقرأ بمعزل عن خالقها وخلفياته وعن حاضنته الحضارية. النحت أو الحفر بأبعاده الثلاثة يتميز بالعمق الفضائي وهو استنطاق للمواد الجامدة وإبراز لطاقتها. هذا الفعل الابداعي ينمّ عن عشق للخامات وسعي لتحميلها مدلولات فنيّة وهذا ما يمكن ان تستشفّه من جميع منحوتات الفنّان التونسي ضوّ الشهيدي وهو فنان تشكيلي من الجنوب الشرقي نشأ بجزيرة جربة، حيث زاول تعليمه الابتدائي والثانوي ثم ما لبث أن اتجه نحو حرفة التزويق ضمن الفضاءات السياحية، وسرعان ما قادته موهبته في النحت الى توضيب الساحات العامة وتجسيم النصب والاشراف على العديد من المهرجانات الدولية والمحلية.. عمل مع مخرجين كبار ضمن تجسيم الملاحم الفرجوية وتخصص في النحت على جميع المحامل وله الكثير من اللوحات التشكيلية أيضا، يعمل حاليا ضمن توجه الجانب الثقافي المدرسي حيث يقيم ورشا داخل الفضاءات التربوية ساعيا الى إبراز الخامة المحلية ضمن أعماله، والى تقديم الموروث التقليدي ليحمّله دلالات قابلة للقراءات الحديثة والمعاصرة . شارك في العديد من المعارض الجماعية والفردية التي تجاوزت الخمسين معرضا طوال مسيرته الفنيّة التي بلغت عقدها الثالث، وتخرجت علي يديه الكثير من المواهب في اختصاص النحت والحفر، وهو يقيم حاليا ورش تجسيم النصب التذكارية ضمن مشاريع تزيين مداخل المدن وإبراز المعالم والرموز التاريخية للجهات. قد ينتابك الحرج وأنت تحاول استقراء منحوتات أو لوحات ضو الشهيدي بداية لعدم تخصصّك وأيضا جرّاء فتنة الضوء المبهر والمدهش المنبعث منها، هذا الضوء وصرامة الهندسية والاتقان في التشكيل أو النحت والحفر نابع من روح المبدع، فالضوء منبعث من اسمه وروحه والصرامة الهندسية هي نتاج ما يحمله من خلفيات فنيّة مكنّته من أن يكون متقنا لفعله الابداعي. منحوتات ضوء الشهيدي في عمقها الفضائي غنيّة بالرمزية و الدلالة، وتبرز فيها كافة القيم التشكيلية كالخط والنقطة والعلاقة بين الكتل المتراكبة والفراغ على مسطح التكوين، ولكن تغلب عليها الدوائر والمنحنيات، الدوائر ليس لها بداية أو نهاية وتشير الى الأبدية وتشير أيضا الى الشمس والأرض و القمر والأجرام السماوية، والدائرة من الأشكال المألوفة التي ترمز الى الكمال، وتتسم بالرشاقة والحركة الحرة واستدارتها توحي بالانوثة والدافئ وتمنح الإحساس بالعاطفة والحب، ومن جانب آخر توحي الحركة فيها بالطاقة والقوة والوحدة والانسجام وهي بمثابة حد او اطار تحبس ما بداخلها وتبقي الأشياء الأخرى خارجها وتوفر الأمان والتواصل وترمز الى المجتمع في تماسكه. أما المنحنيات التي تميز أعمال ضو الشهيدي، فهي تشعرنا بالتقاطع ونستشف منها العمق والارتفاع ويبرز من خلالها الفراغ ويؤكد هذا الكاتب محمد المحسن حين يقول: «تغلب خصوصية الدائرة والفراغ على معظم القطع المبتكرة لدى الفنان العصامي –ضو الشهيدي- النازع في كثير مما أبدعه إلى فكرة الطيران والنزول بها مجرد خيال إلى واقع حي قابل للتطبيق. فالطيران إن يحدث معنويا في أوقات النشوة والفرح الشديد فهو إذن متحقق على مستوى الخيال، ولا مانع من تصويره ليكون محاكاة خيالية لخيال آخر. ويلعب ضو الشهيدي في محاكاته هذه على الطاقة الافتراضية في الإنسان التي تؤهله للتحليق بعيدا خارج مداره الطبيعي فتصله بالعالم الميتافيزيقي «عالم ما وراء الطبيعة» فيعيش بروحه حيث يشاء بينما يبقى جسده مسجونا في عالمه الأصلي ، وهي سباحة في الخيال أشبه بالسباحة في أحلام اليقظة غير الخاضعة لأي منتهيات». *(شاعر ومدير تحرير موقع أنتلجنسيا للثقافة والفكر الحر)