ينظم الفنان حسن بوهية معرضا تشكيليا بقصر المؤتمرات بمدينة العيون من 6 نونبر إلى 20 منه، تحت إشراف ولاية العيون، أعماله تجريدات احتفالية خارج نطاق التطابق، وتسعى إلى خلق بيئة جمالية للسطح التصويري تبدو كما لو أنها فضاءات للهروب مما يرى في وجودنا المهدد.. لوحات وظف فيها خبرته المرجعية المتراكمة في وعيه النقدي الأكاديمي كفنان وكمعماري متملك لأدوات التصميم، وبجعل الخط، الشكل، الفراغ، الضوء، الظل، عناصر مندمجة في البناء الفني. يقول حسن بوهية ل«المساء» «هاجسي ليس البحث عن الجمالية، فالتجريد بالنسبة إلي منفى من نوع آخر لأنه يستحضر الحرية، كما أنه سفر عرفاني يوحد الذات ويجعلها شاعرة بفرادتها، مستأنسة بدواخلها». يهتم بوهية كثيرا في لوحاته بالإيهام بالفضاء والعمق، كطريقة لمعالجة الفضاء المرئي على غرار الفنانين الصينين الذين يفتحون مجال الصورة أمام الرائي، بدلا من سده عن طريق تلاشيه في نقطة بعيدة الخيال. ونرى خطوط المنظور التي يرسمها متجهة نحو الرائي، بالتركيز على وسط اللوحة، ومن داخلها تنبثق الأشكال الأخرى، تتشابه في مجازاتها التعبيرية، وتهيمن عليها المنحنيات الحروفية كطريقة تضمن الحركة وتشد المشاهد بدوره، وتجعله قادرا على الالتفاف أو الدوران، فيمتد بذلك مجال البصر في جملة من المناظر الهندسية المتعددة حتى وإن طبعها التكرار، وفي معالجة الفضاء أيضا. وعلى عكس خلفيته المعمارية التي تجعل الشكل الخارجي للمبني حدودا تحتويه، وتعتبر الحوائط الداخلية تقسيمات يقسم بها، فإنه في أعماله الفنية هاته يعي أن التصميم على مسطح هو شيء آخر، إنه سطح ذو بعدين الطول والعرض، ليختار الطريقة أو الطرق التي استطاع بواسطتها الإيحاء بالعمق أو البعد الثالث في هذا الفضاء، وذلك بوضعه لونا واحدا على سطح القماش، نفى عنه صفة أنه سطح ذو بعدين لأن اللون يتراجع إلى الخلف لكونه من الألوان الباردة. هذا الفضاء التناظري الذي يبدو مدروسا في تصميماته الهندسية ومصمما في مقاساته المتوازنة، يعالج علاقة الكتلة بالفراغ، منسجمة العناصر، مشغولة بإيقاع واحد متواصل حركة وتوليفا، ألوان موحدة مونوكرامية، باهتة، في مؤخرة اللوحة، تنطفىء في خلفية عميقة تسهم في تفجير الأحاسيس، من خلال ضبط إيقاعات الظل وكيفية نمو تدرجات الإضاءة ووقعها، للإيحاء بسكونية الحالة، وجعل مساحة متجعدة التضاريس والنتوءات لها، عبارة عن كتابات رمزية، تختلف في العمق وتذكرنا بتجاعيد الجدران القديمة، واقترح لها كتابة كرافيزمية عبارة عن لغة شاعرية تحمل وجدانا تعبيريا، تعكس جانبا سيكولوجيا يدل على الهدوء، وعلى الرغبة في الحوار والانفتاح. لا تتوقف خاصية التجريد في أعمال حسن بوهية على تهيئة المتلقي لاستقبال اقتراحات أساسية في تصميم الفضاء التصويري وتناقل عناصره التشكيلية الأساسية، وإنما تتعدى ذلك إلى توظيف الخبرة المرجعية المتراكمة في الوعي النقدي الأكاديمي من أجل إعادة الصلة بمحاولات الرسامين التجريديين الرواد، مكرسا فرادته وباصما إياها بمهارة تنم عن حس حداثي، يجعل حضور التصميم وقوته يقود إلى الشعور بأن كل شيء لديه مكرس لصالح جدية العمل ورصانته البصرية. كما أن استخدام قوانين العلم في بعض الأعمال يجعل الرسم يواجه ما ينفيه، ويجعل الأبعاد المجازية هي المسيطرة على الأبعاد التقليدية للابتعاد إلى ما وراء الفكرة المخطط لها، ولإثبات أن المنطق المرئي هو المسيطر في مثل هذه الأعمال، «عبر اللعب بالبصري شكليا والعضوي لونيا»، كما يقول الناقد السوري طلال معلا. يعزف حسن بوهية من خلال لوحاته الزاهية والأنيقة مقامات الوصف المجيد لكونها مقامات بصرية تفسح المجال أمام عين المتلقي وعقله لاكتشاف فتنة المضمون ورشاقة الحبكة الشكلية المتراقصة على أنغام الأشكال الهندسية، وفروسية الكاليغرافية المتعامدة والأفقية في رتابة هندسية مدروسة. وتفتح قدرة الفنان على تملك مساحة الفراغ بحركية الريشة ومساطر الرسم وحبر التلوين، سجل أسراره بما تحمل من خلفيات فكرية مسكونة في أعماق روحه ونبضات قلبه. تقربه من مساحة الوجد والحلم والأمنيات عبر متواليات العناصر ذات المدلول والمعنى شكلياً ومعرفياً، تأخذه غوايته البصرية نحو الخط المنحنى المتصف بالجمال والمعبر عن مشاعر الشخص الذي يرسمه.. إننا نستمتع بالتنوع في الخطوط المتباينة، مابين الخطوط الرفيعة والخطوط السميكة وبين الخطوط المقوسة والمستقيمة.. وفي مهارة هذا اللعب كان حسن بوهية يبتكر الأشكال وينظمها بطريقة معبرة قادرة على تجميع الأشكال مع بعضها بشاعرية مؤثرة فيها الكثير من القيم الفنية... وهي وإن كانت تسعى إلى التخلص من آثار الواقع، فإنها تحاول أن تخلق رموزها المشعة بالمعاني لتقيس الواقع بمعيار الفن، مستندة إلى مفاهيم جمالية فلسفية تسعى إلى تحقيق تواصل واضح في العودة إلى الغريزة الفطرية لطبيعة الإنسان في السعي إلى إعطاء الحياة معنى حضريا متعدد المشارب والتنوع، فبقدر ما تنتمي للصباغة فإن ثراءها ككتل هندسية متقايسة التصاميم لها القوة والفاعلية والقابلية لأن تتحول إلى منحوتات تؤتث فضاءاتنا الموحشة. يشتغل بوهية بوتيرة يومية متى كانت هناك رغبة داخلية، دون أن ينغمس في لوحة واحدة، بل يشتغل على أكثر من لوحة بشكل متواز، وينهل موضوعاته من المتخيل ومن الحياة، مستفيدا من اختصاصه العلمي، مع الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة على مستوى البحث وبحافز الاكتشاف في تغيير الأشكال الهندسية وإيقاعاتها، من خلال تهشيم أبعادها النمطية، كما يمارس، بشغف كبير، فن التصوير الفوتوغرافي في إطار الانفتاح على آفاق بصرية جديدة، يستمد منها نفسا إبداعيا على غرار عناصر الحياة الأخرى.