أخذت الحركة من أجل التغيير الملموس وذي مصداقية بالمغرب حجما متزايد الأهمية بفضل ضمها اليوم لكل القوى الحية للبلاد بصرف النظر عن انتماءاتها الحزبية أو الجمعوية. إن الحركة التي تمت المبادرة إلى الدعوة إليها وإنجازها عبر مظاهرات 20 فبراير، قد غيرت المعطيات من الآن، ولا بد، أولا، من تحية خاصة إلى اللواتي والذين أطلقوها، على أمل أن يتحكموا في المحافظة على استقلال هذه الحركة وقيادتها. وأخيرا، فقد أصبحت المطالب الواضحة والصارمة للحركة، بأهدافها المستعجلة والقابلة للتنفيذ، معروفة لدى عموم المغاربة وفي كل العالم. في هذا السياق لابد من تسجيل كون خطاب الملك ليوم 9 مارس 2011، لا يجيب قط عن مطالب المرحلة، أو أنه يجيب من خلال بعض القرارات تروم أحداث تغييرات بسيطة وبدون آجال محددة. هذه المقترحات الواردة في الخطاب الملكي هي في حقيقة الأمر قرارات أحادية تؤكدها المفردات المستعملة في الخطاب ذاته، فضلا عن المسطرة التي اعتمدت في تعيين لجنة خاصة التي من مهامها الاستماع، فقط، للفرقاء الاجتماعيين، إذن إننا لا نزال دائما بعيدين عن المشاركة الديمقراطية والفعلية لهؤلاء الفرقاء بهدف بلورة نص الدستور الجديد والذي سيحكم حياتنا جميعا. إن الدستور هو أولا وقبل كل شيء، ميثاق من أجل تضبيط الحياة السياسية، ودور الخبراء في بلورته يتجلى في إيجاد الصيغ القانونية الملائمة لترجمة المطالب السياسية المشروعة للشعب، غير أننا نواصل في وضع مصيرنا بين أيدي خبراء رهن الأوامر. لا يتعلق الأمر بإقصاء الخبراء، بل بالعكس، ولكن لابد من أن نحدد لهؤلاء المكانة التي تعود إليهم، ذلك أن الاختيارات السياسية الأساسية لا تندرج ضمن اختصاصات الخبراء، وهذا الأمر لا يلغي حق هؤلاء في أن يكون لهم مواقفهم السياسية الخاصة كأفراد، شأنهم في ذلك شأن باقي المواطنين. بالعودة الآن إلى مضمون الخطاب الملكي، نجد أنه يركز الاهتمام بالدرجة الأولى على مشروع الجهوية على خلفية قضية الصحراء، حيث أن نصف الخطاب خصص لهذا الموضوع والباقي الإعلان عن قرارات، وبين هذا وذاك، يتم التذكير مرة أخرى بالثوابت الراسخة للأمة. لابد من الآن أن نقول إن التسلسل المنطقي بات مقلوبا على ما يبدو، لأسباب يصعب حصرها، وذلك أنه حتى الجهوية ينبغي أن تتم في إطار دستور ديمقراطي جديد. بينما النظام يحكمنا منذ أزيد من ثلاثين سنة بقضية الصحراء هذه، ولذلك فقد حان الوقت لنا جميعا للمساهمة الفعلية في تدبير بلادنا ككل وضمنها الصحراء، بحيث أن الشعب، وضمنه كاتب هذه السطور، متشبث بالوحدة الترابية للبلاد، والجيش المغربي يعرف كيف يدافع عن حدودنا، وباختصار، فإن نظاما ديمقراطيا لهو أفضل صيانة للوحدة الترابية، وهو القادر على التفاوض بفعالية للحفاظ على مصالحنا وإرساء جهوية منيعة في الوقت المناسب. الحكومة الديمقراطية من خلال التشريعات والممارسة، هي التي ستمكننا من إرساء هويتنا المتعددة، تحظى فيها الأمازيغية بمكانتها، وستكون تلك الحكومة الديمقراطية أفضل لإقرار حرية المعتقد والحق في الاختلاف في نطاق مناخ وطني جديد ومنفرج. من المؤكد أن الوحدة الوطنية والترابية تشكل تلك القيم التي من أجلها نحيى، ومن أجلها نموت، كلما تطلبت الظروف ذلك، لكن ماذا عن إمارة المؤمنين والقداسة، إن هذه «الإمارة» ليست مرتبطة، بالضرورة، بنظام معين، لقد عمرت في نظام قديم جدا انتهى منذ الخليفة الأول، وضمن نظام سياسي شوري وغير ديمقراطي. وقد كانت موجودة أيضا ضمن أنظمة إمارات تاريخية وملكيات إسلامية مختلفة. ثم إنها كانت موقوفة على طبقة من العلماء الأكفاء في مجال الشريعة بنظرة تحكم الاعتدال والوسطية، ولذلك فالمغاربة اليوم متشبثون بملكيتهم وبالحفاظ على الاحترام الكبير لها كمركز للتوحيد والهوية، لكن هذه القدسية لا أساس لها، على الرغم مما يقال في هذا الشأن. على ضوء الملاحظات السابقة، فإن المنطق يستوجب تغيير المسار المعلن عنه رأسا على عقب، والبدء من البداية: أي تلبية مطالب الحركة ومراجعة الدستور، وللشروع في هذه المراجعة يبدو أن الخطوات التالية لا محيد عنها: - حل البرلمان الحالي وتشكيل حكومة تقنوقراط نزهاء لفترة زمنية محدودة؛ - انتخاب جمعية تأسيسية بشكل شفاف ويعهد إليها بصياغة نص الدستور الجديد وتقديمه بعد ذلك إلى الملك للمصادقة عليه. لقد شكلت الجمعية التأسيسية مطلبا أساسيا للحركة الوطنية. وقد تعرض أصحاب هذا المطلب للقمع، وأدى بعضهم حياته ثمنا لذلك. غير أن هذا المطلب يمكن أن ينبعث من الرماد من جديد. لقد باتت الحلول المبنية على الإجراءات البسيطة والجزئية متجاوزة، وإذ ما تم القبول بها فلن تؤدي إلا إلى تمييع حركة حبلى بالآمال.