الزيارة الرسمية التي يقوم بها غدا إلى بلادنا وزير الخارجية الإسباني ألفونسو داستيس تطرح عدة أسئلة بخصوص توقيتها وسياقها السياسي العام وكذا الرهانات التي تطرحها بخصوص آفاق العلاقات المغربية الاسبانية، أسئلة طرحناها على محمد بنعبدالقادر الخبير في مجال التعاون الدولي ومنسق سكرتارية العلاقات الخارجية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية p يقوم وزير خارجية اسبانيا بزيارة للمغرب في بداية هذا الاسبوع، ما هو الإطار الذي تتم فيه هذه الزيارة؟ n الزيارة التي يقوم بها غدا الثلاثاء الى المغرب وزير الخارجية الاسباني السيد ألفونسو داستيس، هي أول زيارة عمل رسمية له الى بلادنا منذ أن تولى الحقيبة الدبلوماسية في المملكة الاسبانية شهر نوفمبر المنصرم، حيث سبق أن رافق رئيس حكومة بلاده السيد ماريانو راخوي الى مراكش للمشاركة في القمة الأممية للمناخ الكوب 22 ، لكن هذه هي أول زيارة عمل رسمية له الى الرباط، تندرج ضمن أجندة العلاقات الثنائية بين البلدين، ولرسم الاطار العام الذي تندرج فيه هذه الزيارة لا بد من التذكير بالعرف الدبلوماسي الاسباني، الذي منذ سنوات جعل من المغرب وجهة أساسية ذات الأسبقية، يقصدها رئيس الحكومة وكبار مسؤولي الدولة مباشرة بعد تنصيب أي حكومة جديدة سواء كانت من اليسار أو من اليمين. المعلوم حسب المصادر الدبلوماسية أن السيد ألفونسو داستيس سيلتقي غدا السيد عبد الاله بن كيران رئيس الحكومة المغربية وسيجري مباحثات مع نظيره المغربي السيد صلاح الدين مزوار، ومما لا شك فيه أن اللقاء سيكون مناسبة لاستعراض مختلف الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك في مجالات التعاون الاقتصادي والأمني والسياسي وفي مجال الهجرة والتبادل الثقافي، وأعتقد أن الجانبين سينطلقان أساسا في محادثتهما من تثمين الحصيلة الممتازة في العلاقات الثنائية بين البلدين منذ الدورة 11 للاجتماع رفيع المستوى الذي انعقد في يونيو 2015 بمدريد، من أجل التوجه بخطوات حازمة نحو دورة مقبلة بالرباط تعزز أكثر المكتسبات المشتركة وتضع أسس جديدة لتعميق التفاهم ، والارتقاء بالعلاقات نحو المستوى المطلوب. p هل يمكن ان نتعرف على السياقات العامة التي تأتي فيها هذه الزيارة والاهمية القصوى التي تكتسيها؟ n تاريخ العلاقات المغربية الاسبانية هو كما تعلم تاريخ حافل بالحروب والصراعات المريرة، وأيضا بكثير من مظاهر سوء الفهم الدفينة، غير أن العداء التاريخي المتبادل بين البلدين تبدد كثيرا في العقود الأخيرة في خضم التغيرات الجيو سياسية في المحيط الإقليمي والدولي، ما فسح المجال لإرساء علاقات التعاون والشراكة للحفاظ على المصالح الكبرى للبلدين في عصر العولمة، واقتصاد السوق الحر. والحقيقة أن البلدين منذ توقيعهما على معاهدة الصداقة وحسن الجوار سنة 1991 في ظل حكومة الزعيم الاشتراكي فيليبي غونثاليث، انخرطا في دينامية جديدة عرفا خلالها كيف يحافظان على الحوار البناء والثقة المتبادلة بالرغم من العوارض السياسية العابرة، وأبرزها الحادثة الاستفزازية لسنة 2002، المتعلقة بجزيرة ليلى، والتي كانت على وشك أن تعصف بالعلاقات السياسية بين البلدين بسبب التصعيد المتهور والسخيف الذي لجأ اليه رئيس الحكومة الاسبانية اليميني خوسي ماريا أثنار الذي يغلبه الحنين الى الماضي الاستعماري والارث الفرنكاوي البائد. اذن يمكن القول بأن أهمية هذه الزيارة تنبع أساسا من سياقها السياسي العام، وهو سياق إيجابي على العموم، يتسم باستقرار العلاقات الثنائية بين البلدين، هذا الاستقرار المتمثل في دورية الاجتماعات المنتظمة والمشاورات المستمرة، والمستوى الممتاز للتعاون المشترك كما صرح بذلك رئيس الحكومة الاسبانية نفسه على هامش مشاركته في الكوب 22 ، حيث أكد خلال ندوة صحفية بمراكش على صبغة الأولوية التي يكتسيها المغرب في السياسة الخارجية للدولة الاسبانية، في ظل هذا الاستقرار في جودة العلاقة بين البلدين، هناك بعض المؤشرات الجديدة التي تكتسي أهمية بالغة في اعتقادي، على اعتبار أنها يمكن أن تفسح المجال لتحول نوعي في التعاطي مع هذا «الجوارالمعقد» كما يحلو للصحافة الاسبانية أن تسميه. p هل يمكن أن تذكر لنا بعض هذه المؤشرات؟ n أولا في مجال التعاون الأمني ومحاربة الإرهاب، يمكن القول أن التنسيق والعمل المشترك بين الأجهزة المعنية في البلدين بلغا درجة رفيعة في الأداء والمردودية، حيث تم تفكيك العديد من الخلايا الجهادية في السنوات الأخيرة ، أثمرت من 2014 الى اليوم تسع عمليات مشتركة وحوالي سبعين معتقلا، أما المؤشرات الأخرى فإنها تتعلق كلها بأم القضايا، أقصد قضية الصحراء المغربية والتي لازالت الدولة الاسبانية تتردد بشأنها في المرور من الحياد السلبي الى الحياد الإيجابي ، فهناك مؤشر مهم جدا يرتبط بالعملية المشتركة بين البحرية الملكية والأرمادا الاسبانية في محاربة تهريب المخدرات ناحية الداخلة، حيث أصدرت وزارة الداخلية الاسبانية بلاغا اخباريا حول العملية يشير بالحرف الى «ضبط مركب صيد في عرض الساحل المغربي للداخلة»، وهو ما اعتبرته الصحافة الاسبانية اعترافا صريحا بمغربية الصحراء، وجعل جبهة البوليساريو تفقد صوابها وتبعث بمذكرات احتجاج يائسة الى الحكومة الاسبانية. في نفس السياق أذكر إشارة أخرى لا تقل رمزيتها أهمية، وتتعلق بإقدام معهد سيرفانتيس على فتح فرع له بمدينة العيون مما جعل ما يسمى بممثلة البوليساريو في اسبانيا المدعوة خيرة بلاهي تسارع الى إيداع شكوى لدى الحكومة الإسبانية تحتج فيها على اتخاذ هذه المبادرة المفاجئة مدعية أنه » من الخطير جدا أن تقبل مؤسسة كبيرة مثل معهد سيرفاتيس على مناورة سياسية يعتزم المغرب من خلالها البحث عن صيغة لكي يضفي الشرعية على احتلاله غير الشرعي للإقليم « .إذا أضفنا هاتين الاشارتين القويتين الى الدعوة التي وجهتها المحكمة الوطنية الاسبانية الى زعيم البوليساريو المدعو إبراهيم غالي من أجل المثول أمامها في شأن دعاوى تخص اتهامه من قبل الضحايا بممارسة التعذيب والاختطاف والاغتصاب، وكذا الطريقة المهنية التي تناولت بها الصحافة الاسبانية هذ الخبر دون أي مزايدات سياسية أو تعتيم اعلامي، فانه يمكننا الجزم بأن السنة المنصرمة كانت شؤما على البوليساريو وكابوسا مزعجا بالنسبة للحلم الانفصالي. p كيف ترون واقع العلاقات المغربية الاسبانية التي تعتبر من أقدم العلاقات في العالم وكيف السبيل لتطويرها وتقويتها خاصة بالنظر للمصالح السياسية والاقتصادية المشتركة بين البلدين؟ n يتعين الإقرار بأن العلاقات المغربية الإسبانية عرفت تحسنًا لافتا وملموسا خلال الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، خاصة في عهد الاشتراكيين، بشكل لم تعرفه أي حقبة سابقة في تاريخ البلدين، ولن أبالغ إذا قلت ان هذه العلاقات شهدت قفزة نوعية في المجالات السياسية والاقتصادية، حيث أضحت اسبانيا تحتل موقع الشريك الأول للمغرب في المجالات الاقتصادية والتجارية بدل فرنسا، لكن هذه العلاقات لا زالت رهينة معادلة جامدة، فهي علاقات تتميز بكونها أكثر تقاربا مما يبدو وأكثر تباعدا مما يجب. p وما الذي يمكن عمله في تقديركم من أجل الخروج من هذه المعادلة والتوجه نحو مستقبل يكون أكثر تحررا من قيود الماضي؟ n لكي ترقى العلاقات المغربية الاسبانية الى المستوى اللائق بالتحديات والمصالح المشتركة بين البلدين، يتعين إعطاء أهمية أكبر للتعاون الثقافي الشامل في ميادين التربية والاعلام والفنون ، والحال أن هذا الجانب يتميز بنوع من التقصير والاختلال، فبالرغم من أن أكبر شبكة مدارس اسبانية في الخارج توجد بالغرب، حيث تضم احدى عشر مؤسسة تعليمية اسبانية ، وبالرغم من أن أكبر شبكة لمعهد سيرفانتس خارج اسبانيا توجد في المغرب بما تشمله من تسعة فروع، فان الحضور الثقافي المغربي في اسباني يظل خافتا وشبه منعدم في بعض الأقاليم، والحقيقية أن المغرب يبذل مجهودا كبيرا في تفعيل مقتضيات معاهدة الصداقة وحسن الجوار التي تنص على أن يلتزم كل طرف في تشجيع لغة وثقافة الطرف الآخر، المغرب يحرص على إعطاء اللغة الاسبانية المكانة التي تستحقها في المنظومة التربوية والخدمة الإعلامية العمومية، بينما اسبانيا لازالت مطالبة بمضاعفة جهودها في هذا الميدان الذي من شأنه أن يشكل رافعة قوية لتعميق التفاهم بين شعبينا و تحسين نظرة كل منا للآخر واجتثاث الأحكام المسبقة تجاه بعضنا البعض . p وهل تعتقدون ان هذا ممكن في المنظور القريب؟ n لربما يكون الاجتماع رفيع المستوى المقبل مناسبة لإعطاء دفعة قوية ونفس جديد لمجال التعاون الثقافي، وذلك بما يجعل البلدين يتجهان نحو شراكة استراتيجية حقيقية، شراكة متعددة الأبعاد، قائمة على مبدأ الثقة المتبادلة، منفتحة على تنوع الفاعلين ومعززة بآليات متجددة. شراكة في مستوى الدور الذي يمكن لإسبانيا والمغرب أن يقوما به في المنطقة الأور ومتوسطية، بحكم موقعهما كنقطة للالتقاء والتكامل في المنطقة، وأعتقد أن الشروط أصبحت ملائمة أكثر من ذي قبل من أجل كسب هذا الرهان الكبير.