نشرت صحيفة «البيريوديكو» الإسبانية تقريرا، تحدثت فيه عن ظاهرة الاتجار بالبشر، التي تحولت إلى تجارة مربحة في ليبيا، في ظل الفوضى والأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ سنة 2011. وقالت الصحيفة، في تقريرها إن الحرب التي أطاحت بالديكتاتور معمر القذافي غيرت حياة الأفارقة، الذين اختاروا الهروب من المجاعة والفقر عبر البحر الأبيض المتوسط مرورا بليبيا، كما غذّت حركة الهجرة السرية بدرجة أولى، خزينة المافيا في هذا القطر المضطرب. وذكرت الصحيفة أن الجميع يسعى إلى اللجوء في إحدى الدول الأوروبية. ونتيجة لحالة اليأس التي سيطرت على الأفارقة، فقد ازدهرت شبكات الاتجار بالأشخاص في ليبيا، وتحول هذا البلد إلى طريق رئيسية للاتجار بالأشخاص، ما جعله في أقل من خمسة سنوات مركزا لتجارة تدر على شبكات المافيا ملايين الدولارات. وأوردت الصحيفة أن المهاجرين على الشواطئ الليبية يدفعون تقريبا كل ما يملكون للانطلاق في هذه الرحلة نحو أوروبا، وقد تصل هذه المبالغ أحيانا إلى حدود أربعة آلاف يورو. لكن رحلة المهاجرين في القوارب المزدحمة هي بمثابة دعوة صريحة إلى الموت؛ فالمافيات التي تجني الكثير من المال لا تكترث بمصير هؤلاء الأشخاص اليائسين على شواطئ البحر الأبيض المتوسط. وأوضحت الصحيفة أن شبكات الاتجار بالأشخاص، التي توسعت نحو ليبيا في السنوات الأخيرة، تعمل انطلاقا من السودان ونيجيريا وغينيا، ثم تتوسع نحو مناطق أخرى، مثل أغاديس في شمال النيجر أو سبها في أقصى الجنوب الليبي. ونقلت الصحيفة شهادة أحد المهاجرين من الكاميرون، يدعى كوني، أكد فيها أنه دفع لعناصر المافيا الغينيّة أكثر من ألفي يورو خلال الرحلة التي نظمتها «الشبكة المعقدة للهجرة» غير الشرعية. وكان معه في رحلته الخطيرة 24 شابا من غينيا، أرسلهم أشخاص يعملون بالتنسيق مع أطراف ليبية ضمن شبكات معقدة من المافيا السرية، تقوم بتأمين ما تبقى من رحلة الهجرة. وذكر كوني للصحيفة أنه أمضى ستة أيام وحيدا في كوخ، لكن البعض الآخر قد يمضي أسابيع أو أشهر هناك دون أن يرى النور. وأضاف أن أسوأ ما صادفه كان مقتل أحد الشبان على أيدي بعض المسلحين. إلا أن النساء عرفن النصيب الأكبر من المعاناة، فقد يتعرضن للاغتصاب من طرف أي شخص، بما في ذلك رجال الشرطة. وأضافت الصحيفة أن المهاجرين المتعطشين للوصول إلى أوروبا يواجهون خطر التعرض لإطلاق النار، والابتزاز، والتهديد، الأمر الذي جعل هذه الشبكات الإجرامية أكثر خطورة. وتستفيد شبكة الاتجار بالأشخاص من تعاون السكان المحليين في العديد من المدن الساحلية الليبية، مثل زوارة وصبراته؛ حيث يأوي بعض المهاجرون إلى منازلهم، مقابل مبالغ باهظة. وبيّنت الصحيفة أن المهاجرين الذين لا يتمكنون من دفع القسط الأخير لعبور السواحل الليبية نحو أوروبا، ينتهي بهم الأمر كمجرد عمال في ليبيا، خاصة في مجالات البناء والزراعة، أو ضمن تجارة العبيد. ويواصلون العمل في هذه القطاعات؛ من أجل تحصيل المبلغ الكافي لمواصلة طريق الهجرة. وفي هذا السياق، يقول الشاب النيجيري سيلفستر، إنّ «العامل لا يتلقى في بعض الأحيان أجره، وهو ما حدث معي خلال عملي في ورشة بناء لمدة شهرين، تعرضت خلالهما لسوء المعاملة». ونقلت الصحيفة عن أحمد، وهو أحد الصيادين الليبيين، قوله إن «الناس في صبراته يعيشون على الأموال المتأتية من حركات الهجرة؛ لأنه ليست هناك وظائف أخرى أو أموالا كافية في البنوك». وأشارت الصحيفة إلى الشكوك التي تحوم حول تواطؤ الصيادين الليبيين في تسهيل حركات الهجرة غير الشرعية، ونشاطات أخرى تقوم بها بعض القوارب خارج المياه الإقليمية الليبية. وقالت الصحيفة إن القارب الواحد من قوارب الهجرة غير الشرعية يمكن أن يتسع لحوالي 130 شخصا. وتتميز عملية الهجرة غير الشرعية بالتعقيد، حيث يقوم أصحاب القوارب والشاحنات بنقل المهاجرين، بينما يتكفل حراس المعسكرات بتأمينها، بانتظار القوارب في رحلة الموت.