(...) لقد كان السؤال الذي يطرحه المغاربة والملاحظون هو التالي: «هل سيتمكن التوافق من تجاوز ذاته من خلال انتخابات 27 شتنبر. بعبارة أخرى، هل سينتقل المغرب بالفعل من تناوب توافقي إلى تناوب ديمقراطي؟» لم يكن من السهل الإجابة عن هذا السؤال قبل إجراء الانتخابات، ليس فقط لكون الجواب سوف يرتبط بدرجة الشفافية التي ستميز الانتخابات، وإنما أيضا من أجل فهم عمق هذا التعقيد. ينبغي العودة إلى الوراء، إلى مسلسل التطورات التي توجت بتجربة التناوب التي تحمل مسؤوليتها حزبنا طيلة خمس سنوات السابقة على الانتخابات. بتاريخ 15 أبريل 1958، قدم وزراء الاستقلال إلى المغفور له الملك محمد الخامس استقالتهم من الحكومة، وهي الحكومة الثانية في ظرف سنتين من استقلال البلاد، وكان ترأس هذه الحكومة، مثل سابقتها، شخصية سياسية مستقلة هو امبارك البكاي، فحين كانت الحكومة الفرنسية تريد التفاوض مع المغرب بشأن عودة محمد الخامس من المنفى وحصول البلاد على الاستقلال، بضغط من المقاومة وجيش التحرير، كانت ترغب في أن تكون على رأس حكومة التفاوض شخصية مستقلة، لقد كان الهدف واضحا هو ضرب وحدة المعسكر الوطني الذي تشكل منذ الثلاثينيات، وهو الجناح المكون من الحركة الوطنية (الاستقلال) ومؤسسة العرش (الممثلة في شخص محمد الخامس)، وذلك من أجل الحيلولة ضد أي استقلال حقيقي للبلاد وتأخير جلاء القوات العسكرية للاحتلال (القوات الفرنسية والأمريكية والإسبانية)، وكذا ابطاء عملية بناء المغرب العربي ودعم الثورة الجزائرية وعرقلة بناء اقتصاد وطني حر، وخلق حياة ديمقراطية يساهم فيها بفعالية المناضلون المنتمون إلى الحركة الوطنية والشرائح الشعبية بقطع الطريق على ذيول الاستعمار والانتهازيين والخونة. تلكم هي الأهداف التي ما انفك يعلنها ويشرحها الزعماء الوطنيون الذين برز على رأسهم علال الفاسي والمهدي بنبركة منذ الشروع في المفاوضات الفرنسية المغربية. لقد كان تعيين/فرض شخصية مستقلة على رأس الحكومة يهدف في الواقع إلى خلق «قوة ثالثة». ومن المعلوم أن قضية خلق «قوة ثالثة» قد ترددت في مجموعة من البلدان، إما لدوافع استعمارية جديدة أو لضرورات ترتبط بالحرب الباردة. وهكذا أفضت عملية إنشاء «قوة ثالثة»، بالمغرب إلى جعل «الانتقال الديمقراطي» أصعب على الرغم من أن الحركة الوطنية انخرطت في هذا الانتقال منذ تقديمها لوثيقة الاستقلال في 11 يناير 1944، بموافقة ومباركة المغفور له محمد الخامس. لهذا السبب كانت إقامة الديمقراطية بالمغرب غداة الاستقلال ترتبط بإبعاد «القوة الثالثة» من مراكز القرار، ووضع حد لهيمنتها. ومن أجل تحقيق ذلك، لم يكن أمام الحركة الوطنية سوى أحد اختيارين: إما الابتعاد عن اللعبة السياسية ومواصلة النضال من أجل التحرر، ومع ما يستتبع هذا الاختيار من أثمان باهظة ومفاجآت وخيمة، وإما العمل على الحد من سلطات حكومة «القوة الثالثة» إلى أقصى حد ممكن، وذلك من خلال إسناد مجموع السلطة التشريعية وأهم الاختصاصات التنفيذية للملك محمد الخامس باعتباره ملكا وطنيا وشرعيا يرتبط برباط مقدس مع الحركة الوطنية وأهدافها. هذا الاختيار الثاني هو الذي اعتمدته مجموع مكونات الحركة الوطنية، حزب الاستقلال، أعضاء المقاومة وجيش التحرير ونقابات العمال. وهكذا تميزت التجربة المغربية بكون المغرب هو البلد الوحيد في العالم الثالث الذي لم تتحمل فيه قوات حركة التحرير الوطني مسؤولية السلطة بعد حصول البلاد على الاستقلال، وكانت بضعة شهور كافية للوقوف على خطورة الخطأ في هذا الاختيار. لقد بدأت «القوة الثالثة «في شغل جميع المناصب والوظائف حتى داخل القصر وفي كل دواليب الدولة، وهو الأمر الذي أدى إلى حدوث أزمة سياسية في البلاد فاقم من خطورتها بعض الأحداث المسلحة التي اندلعت هنا وهناك. كل هذا جعل محمد الخامس يفهم أن تجربة «القوة الثالثة «لم يكن بإمكانها أن تؤدي سوى الى المزيد من تفاقم الأوضاع العامة وتدهورها. وبالتالي قرر إسناد رئاسة الحكومة إلى شخصية تنتمي إلى التيار التقدمي للاستقلال هو عبد الله إبراهيم، ووزارة الاقتصاد والمالية إلى عبد الرحيم بوعبيد، كان الأمر يتعلق، إذن، ب «تناوب» آخر اهتمت خلاله الحكومة بتحرير الاقتصاد المغربي، الشيء الذي جر عليها حقد وكراهية الأوساط المعارضة لهذه السياسة، وبالتالي لم تدخر هذه الأوساط جهدا في شن حملة واسعة وقوية ضد الحكومة، ومارست ضغوطا على محمد الخامس لوضع حد لمهمة هذه الحكومة التي لم تعمر أكثر من 18 شهرا قامت خلالها بتحقيق إنجازات اقتصادية واجتماعية كبرى، فضلا عن الإعداد للانتخابات المحلية التي ستجرى بعد حلها في ماي 1960. انطلاقا من هذه اللحظة، وخصوصا بعد وفاة محمد الخامس، دخل المغرب في نظام حكم أحادي مدعوم بحكومات ناتجة عن انتخابات مفبركة ومزورة. ...قد يبدو من خلال ما سبق، أن تجربة «التناوب» التي عرفها المغرب في السنوات الخمس الأخيرة، ليست سوى تكرار وإعادة للتجارب السابقة، من جهة، المعسكر الذي كان يعطي الوزراء طيلة حوالي أربعين سنة دفع به إلى المعارضة، بينما المعسكر الذي سبقه في سنوات 1960/1958، تم استدعاؤه إلى تحمل المسؤولية في الحكومة بعد 40 سنة. لكن ينبغي التأكيد على أن المرحلة المنصرمة بين التناوب المفروض فرضا سنة 1960، والتناوب الناتج عن اتفاق سنة 1998 لم تكن أبدا تعتبر مرحلة انتظار «النوبة»، بل العكس هو الصحيح، لقد عرفت هذه الفترة صراعات ونضالات بقيادة حزبنا، حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على مختلف الجبهات أدى فيها مناضلونا الثمن غاليا. وخلال هذه المرحلة كذلك عاشت بلادنا بعض التطورات التي تخللتها من حين لآخر مشاريع لتحقيق التناوب وتسعى دائما إلى إشراك حزبنا في الحكومة، هكذا عمد القصر، سنة 1965، بعد الانفجار الشعبي الذي عرفته مدينة الدارالبيضاء، إلى اجراء مشاورات قصد تشكيل حكومة جديدة يشارك فيها الاتحاد الاشتراكي. وفي هذا السياق حدث اتصال بقائدنا المهدي بنبركة الذي كان يقيم بالخارج مضطرا، وكان مناضلا داخل المنظمات الدولية غير الحكومية المساندة لحركات التحرر، حدث ذلك الاتصال من طرف القصر الملكي في أفق عودته الى البلاد واحتمال المشاركة في الحكومة، وفي الوقت الذي كان يستعد فيه للدخول، بعد مؤتمر القارات الثلاث بهافانا، امتدت إليه أياد مجرمة واختطفته من قلب مدينة باريس يوم 92 أكتوبر 1965، لتعمل على اغتياله دون أن نعرف إلى اليوم ظروف هذا الاغتيال ومكان دفن جثته. فيما بعد، عرف المغرب في 1971 و 1972 محاولتين انقلابيتين تم إجهاضهما بفضل العناية الإلهية، وبعد سنة أعلنت إسبانيا عن رغبتها في اعطاء استقلال مزعوم لمواطني المناطق الصحراوية المغربية التي كانت تحتلها. أمام هذا التهديد الخطير الذي يتهدد السيادة الوطنية، اتصل المرحوم الملك الحسن الثاني برفيقنا عبد الرحيم بوعبيد واستشار مع باقي الأحزاب السياسية بهدف تحقيق الإجماع الوطني حول قضية الصحراء من جهة، وسعيا إلى العودة إلى مشروع التناوب من جهة أخرى، وذلك في أفق تدشين مسلسل ديمقراطي حقيقي. ومرة أخرى يقرر حزبنا خوض تجربة أخرى بالمشاركة في الانتخابات المحلية (1976) والتشريعية (1977)، غير أن أشكال التزوير المألوفة أجهضت المشروع، ومنذئذ دخلت العلاقة بين القصر الملكي والاتحاد الاشتراكي مد وجزر ولكن دون قطيعة. وعندما توفي عبد الرحيم بوعبيد سنة1992 انتخبت خلفا له على رأس الاتحاد الاشتراكي واستمرت «شعرة معاوية «بين القصر والاتحاد في تماوج الى أن تأكدت اصابة المغرب الراحل بالمرض، وعندها قرر المرحوم تدشين مرحلة جديدة من التناوب وكان مفهوما أنها ستكون من خلال حكومة يكون وزيرها الاول هو الكاتب الاول لحزبنا لم يكن سهلا بالنسبة لحزبنا، وأن الذي أوضحنا علاقاته مع القصر بأن يقبل بفكرة التناوب، كما طرحها الحسن الثاني في 1997، لكن بالرغم من ذلك خاطرنا بقبولها وبتحمل المسؤولية في إنجازها. لقد وجدنا أنفسنا امام خيارين لا ثالث لهما :الاول تمليه المصلحة الوطنية والثاني يميل الى الاعتبارات السياسية والحزبية، فكان علينا إذن ان نختار بين المشاركة في الحكومة في الوقت الذي كنا نعرف فيه أن الحالة الصحية لعاهلنا مثيرة للقلق وأن المغرب من جراء ذلك سيواجه موعدا عصيبا أو ننتظر تولي عاهلنا الجديد العرش من أجل التفاوض معه حول إجراءات وطرائق مشاركتنا ،فاخترنا تحمل مسؤوليتنا الوطنية وفضلنا مصلحة البلاد من أجل المشاركة في انتقال هاديء و التجاوب في نهاية الامر مع نداء ملكنا الذي كان يدعونا -نحن المغاربة قاطبة-الى انقاذ البلاد من السكتة القلبية التي تتهددها بالنظر الى الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة. لقد اخترنا إذن الاختيار الوطني وفضلناه على الحسابات السياسية ،يشجعنا على ذلك قبول الملك لمطالبنا التي كررتها مرارا في تصريحاتي الصحفية والمتمثلة في الثقة الملكية والاغلبية البرلمانية المريحة والسند الشعبي وهي المطالب التي عززها الاداء المشترك لليمين والعهد. لقد تم الاعلان عن الثقة الملكية من طرف جلالة الملك خلال الخطاب الافتتاحي للدورة البرلمانية في اكتوبر 1997 عندما قال جلالته أن المغرب تتهدده «السكتة القلبية « وأن جلالته سيعين بعد تشكيل البرلمان الوزير الاول حسب ما يمليه عليه ضميره. وقد فهم الرأي العام منذئذ أن الامر يتعلق بالكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ،الحزب الذي ظل خارج الحكومة يناضل من أجل الديموقراطية طوال 40 سنة والذي اكتسب المصداقية الضرورية للعب الدور الضروري في اللحظات العصيبة. كما تمت تلبية الطلب الثاني أيضا بعد القيام بمشاورات واسعة مع التنظيمات السياسية و النقابية ،الصديقة منها والمناوئة بما فيها التنظيمات المنحدرة من القوة الثالثة .هذه المشاورات افضت الى تكوين اغلبية مريحة مكونة من نواب الكتلة الديموقراطية والوسط ومن المجموعة الاسلامية نفسها التي اعلنت عن مساندتها دون المشاركة في الحكومة. وقد فهم الجميع أن هذه الاغلبية ما كان لها أن تتشكل دون الضوء الاخضر ممن يهمه الامر. أما المطلب الثالث والمتعلق بالسند الشعبي، فيمكننا القول أنها المرة الاولى في المغرب التي شرع فيها المواطنون ابتداء من الشهر الثاني من تكوين الحكومة في طرح السؤال التالي :» لقد عقدنا آمالا كبيرة على هذه الحكومة ،فماذا تراها حققت لنا ؟»? إن دلالة هذا السؤال لا تكمن في شكله أو صياغته بل في معطى طرحه وحده لأنه لم يسبق ابدا طيلة 40 سنة أن طرح مثل هذا السؤال ، وذلك منذ الحكومات الاولى التي تشكلت من اعضاء الحركة الوطنية تحت اشراف محمد الخامس .وهذا معناه ،أن لا أحد كان ينتظر طيلة الاربعين سنة الماضية أن تأتي حكومة ما بشيء جديد ،في حين أن حكومة التناوب استرعت انتباه مجموع الشعب المغربي منذ تنصيبها، ولا أحد بمقدوره أن ينكر بانها تمتعت بتجاوب كل مكونات الشعب المغربي من مقاولين وتجار وجماهير شعبية في المدن والقرى .وقد كان هناك وعي عميق بان هذه الحكومة اذا لم تفلح في تحقيق برنامجها، فان ذلك سيكون بسبب عراقيل أخرى غير العراقيل الادارية أي بمعنى انها لم تتوفر على كل الوسائل التي تسمح لها بالعمل. إلى جانب هذه المساندة الشعبية العفوية ، تمتعت الحكومة بترحيب دولي غير مسبوق، اذ لأول مرة عبرت دول غربية مهتمة بالمغرب مثل فرنسااسبانيا ،البرتغال ،بلجيكا ،ايطاليا هولاندا ،الملكة المتحدة ،اليونان و الولاياتالمتحدة عن ترحيبها وسرورها ازاء التغير الحاصل في المغرب المتمثل في تعيين وزير اول من المعارضة. وقد بينت الوعود بتقديم المساعدات والاستثمارات في شكلها عن تشجيع التوجه الذي اتخذه المغرب.كل هذا تم إبان تشكيل الحكومة .واليوم ،بعد أن انهت ولايتها القانونية في الوقت الذي لم يكن أحد ينتظر أن تدوم كل هذه المدة التي توجتها بتنظيم انتخابات تشريعية استقبلت باحتفاء في الداخل والخارج باعتبارها انتخابات نزيهة وشفافة ، واليوم إذن ما ذا يمكننا تسجيله كنتائج وكآفاق؟ ...إن العرض الذي قدمناه حول مشكلة التناوب منذ استقلال المغرب سنة 1956 الى حدود أيامنا هذه يوضح بجلاء أن المشكل يتعلق في الحقيقة بالتحدي المطروح على اغلبية دول العالم الثالث أي مشكل «التناوب الديموقراطي» .وهذه التجربة تعني انتقال السلطة من ايدي مالكها الى ايدي قوة اخرى يفرزها التعبير الديموقراطي الحر ، وهو ما يعني ضرورة التمييز بين شيئين اثنين في الديموقراطية : 1) المعني الحرفي اي « حكم الشعب للشعب» وهو ما يعني في وقتنا الحاضر حكم الشعب لنفسه بواسطة اولئك الذين ينتدبهم لهذا الغرض عبر انتخابات حرة ونزيهة.وهذا ما كان يعنيه الفاعلون السياسيون مدة السنوات الخمس المنصرمة بقولة «التناوب الديموقراطي» 2) الحريات الديموقراطية مثل حرية التعبير وحريات تأسيس الجمعيات واحترام حقوق الانسان..الخ وهذا الطابع الثاني من الديموقراطية يوجد اليوم في المغرب بشكل معقول.وقد كان له دائما وجود في المغرب منذ الاستقلال بدرجات متفاوتة اللهم في فترات القمع. وقد انكبت حكومة التناوب على توسيع هذه الحريات وممارستها وجعلها واقعا ملموسا. ويبقى الجانب الاول الذي يشكل نسغ ومادة الديموقراطية والمتمثل في التناوب على السلطة الحكومية بين القوى التي تفرزها الانتخابات الحرة والنزيهة ،وهذا الجانب من الامور لم يسبق له أن وجد في أية فترة من الفترات ، وقد حصل اتفاق عام في المغرب خلال السنوات الخمس المنصرمة على كون التناوب التوافقي بإنجازاته وثغراته ليس الا مرحلة انتقالية تنتهي مع انتخابات 27 شتنبر 2002 من اجل الانتقال الى التناوب الديموقراطي. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو كالتالي: هل تحقق الانتقال الديموقراطي؟ إن الجواب الذي يفرض نفسه ،مع الاخذ بعين الاعتبار لكل ما قدمناه حول التجربة الديموقراطية المغربية هو أن الانتقال الى «التناوب الديموقراطي» يتأسس على ثلاثة شروط: 1)تنظيم انتخابات في جو تطبعه الشفافية والنزاهة -وهذا ما تم يوم 27 شتنبر الماضي 2) تطبيق المنهجية الديموقراطية في تشكيل الحكومة وذلك بإسناد مهمة الوزير الاول الى الحزب الذي حصل على أكبر عد من المقاعد في البرلمان الجديد 3)تطبيق بنود الدستور في اتجاه نقل أكبر عدد من الصلاحيات التنفيذية الى الوزير الاول والحكومة التي يرأسها. وأول ما يجب في هذا الصدد هو عدم التمسك بمفهوم «وزراء السيادة « غير المنصوص عليه في الدستور وبالتالي اسناد كل الحقائب الوزارية بدون استثناء الى الاحزاب المؤهلة للمشاركة في الانتخابات ، الشئ الذي لن يضر بأي شكل من الاشكال بالتوافق بين الوزير الاول الذي يقترح اسماء الوزراء على جلالة الملك وبين جلالته الذي يعود اليه قرار تعيينهم تطبيقا للمقتضيات الدستورية. والسؤال المطروح والذي يتعلق بالمستقبل هو : هل تم تطبيق هذه الشروط ،شروط الانتقال الى التناوب الديموقراطي؟ قبل الاجابة عن هذا السؤال لا بد من إبداء الملاحظات التالية : 1- لم تبد الاوساط الشعبية الحماس الكافي إزاء هذه الانتخابات ،وربما حدث أن نصف المغاربة البالغين سن التصويت من بين ناخبينا المعتادين قد عبروا بواسطة امتناعهم عن المشاركة في التصويت عن خيبة أملهم إزاء التناوب التوافقي ،إذ أن تجربة السنوات الخمس المنصرمة افهمتهم أن الحكومة لا تتوفر على السلطة الكافية من أجل القيام بمسؤولياتها و أنها كانت مقيدة بتقاليد عتيقة. 2- المسطرة الانتخابية تم تبنيها في اطار التوافق مع جميع الاطراف مما جعلها مسطرة معقدة لا تتلاءم مع توجه الرأي العام 3- لا بد من أن نسجل أن نتائج هذه الانتخابات قد تأثرت سلبا بالأزمات الداخلية التي تعرفها كل الاحزاب ،فقد بلغ عددها 26 حزبا ،اربعة منها فقط كان لها حضور اثناء الانتخابات الاولى سنة 1960 (المحلية) وسنة 1963 (التشريعية) أما الاحزاب ال22 الاخرى فقد خرجت كلها من رحم الاحزاب الاربعة القديمة عن طريق الانشقاقات والتشتت ، ولم تحتج الادارة الى خلق احزاب جديدة كما كان عليه الحال طيلة الاربعين سنة الماضية. 4-اغلبية المقاعد حصلت عليها الاحزاب الاربعة القديمة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاستقلال والتجمع الوطني للاحرار والحركة الشعبية بفرعيها ....لقد كانت المرحلة التي اعقبت انتخابات 27 شتنبر 2002 خصبة بالمفاجآت والتغييرات في العلاقات بين الاحزاب. ففي الوقت الذي كنا ننتظر الانتقال من « التناوب التوافقي « الى «التناوب الديموقراطي» اعلن بلاغ صادر عن الديوان الملكي يوم 9 اكتوبر 2002 أن السيد ادريس جطو ، وزير الداخلية في الحكومة السابقة ،قد عُيِّن من طرف جلالة الملك وزيرا اول. والسيد جطو هو الذي اشرف على انتخابات 27 شتنبر 2002 التي تم الاجماع على التنويه بها في الداخل والخارج والسيد جطو لم يتقدم لهذه الانتخابات كما أنه لا ينتمي لأي حزب من الاحزاب? كان على حزبنا أن يتخذ موقفا من هذا القرار وإزاءه، وقد اصدر المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بلاغا يعلن فيه أن تعيين وزير اول من خارج الاحزاب السياسية التي شاركت في الانتخابات والحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد لا يتماشى والمنهجية الديمقراطية. * فقرات من العرض الذي كان قد ألقاه الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي ببروكسيل يوم ... بدعوة من منتدى الحوار الثقافي والسياسي ببلجيكا .