تواترت في الآونة الأخيرة قضايا الابتزاز عبر شرائط الفيديو الجنسية، ضحاياها نساء ورجال وقعو ضحية مبتزين يمتهنون استدراج ضحاياهم إلى أوضاع مشهدية يحرصون على توثيقها أو تسلم صورها وتسجلاتها، بغاية توظيفها فيما للحصول على مبالغ مالية متفاوتة من ضحاياهم. لقد عرف الابتزاز الجنسي تطورا ملحوظا إثر التطورات المتلاحقة التي شهدتها وسائل الإعلام، وخاصة الهواتف الذكية التي أصبحت بحوزة جميع الفئات العمرية، صغارا وكبارا وشيوخا. ولعل أخر قضية أثيرت على المستوى الوطني هي قضية الطفلة المغتصبة من طرف جارها. ففي فيديو التقطته ناشطة جمعوية كشفت Œآية، بحضور والدتها، عما وقع لها بعدما أشارت الطبيبة إلى أنها ماتزال عذراء، والحال أن الأم يؤكد عملية الاغتصاب التي تعرضت لها ابنتها. تعيش الطفلة آية بحي ويسلان بمدينة مكناس، ومنذ سنوات وهي تنتقل بين منزل والدها ووالدتها بعد طلاقهما، وزواج أمها من رجل ثان. تبلغ من العمر ثمان سنوات، بينما المغتصب يصل عمره إلى 36 سنة. شريط الفيديو الذي يظهر آية ليس هو الوحيد الذي يشير إلى «الفضائح» التي يحملها لنا اليوتوب بلغة الجنس والابتزاز. فخلال سنة 2016، رأينا عشرات الفيديوهات التي يتداولها المغاربة على أوسع نطاق، والتي ترتبط في أغلبها بالجنس، وببيع المتعة، وبتصوير اللحظات الحميمة التي تجمع الإنسان بنفسه أو بشريكه. فمنذ سنوات تحولت عبارة «شاهد الفضيحة الجنسية لفلان» على موقع يوتوب إلى ماركة مسجلة لما يجري في المغرب. كما أن بعض مستخدمي تطبيقات ك»واتس أب» يقومون بترويج الكثير من المقاطع الجنسية، التي تم تسريبها من طرف مجهول. في سنة 2009، مثلا، حلت مصالح الشرطة القضائية بالصويرة بشأن قضية ابتزاز جنسي كانت موضوع شكاية وضعتها سيدة من الصويرة في حق شخص من مدينة سلا تعرفت عليه من خلال مواقع للتعارف على الشبكة العكبوتية، قبل أن تتطور علاقتهما إلى مستوى تبادل الرسائل والصور فيما بينهم. وقد أفادت المشتكية بأن مبتزها قد قام بقرصنة محتويات حاسوبها الذي يحتوي على مجموعة صور حميمية خاصة بها، قبل أن يقوم بتهديدها بنشرها على أحد المواقع الإلكترونية مطالبا إياها بتسليمه مبلغ 2500 درهم على شكل حوالات بريدية. بعثت له حوالة أولى بقيمة 500 درهم، ثم تقدمت بشكاية إلى المصالح الأمنية قصد متابعة المشتكى به من أجل الابتزاز. وقد انكشفت هويته الحقيقية عند تسلمه للحوالة البريدية، لأنها هي المفتاح الوحيد الذي أهدى مصالح الشرطة إليه. وتبقى أبرز قضية أثيرت مؤخرا هي قضية المغني الشعبي سعيد الصنهاجي الذي تم التقاط صور له في وضع حميمي خلال جلسة خاصة مع أصدقاء مقربين له، الشيء الذي جعل هذا الفنان يتوجه إلى جميع المغاربة ليطلب المسامحة من جمهوره ومن عائلته الصغيرة، موضحا أن عدة أشخاص قاموا بابتزازه ودفع لهم مالا مقابل إتلاف الشريط، إلا أنهم استمروا في ابتزازه، وقاموا بتعميم الفيديو على الانترنيت بعد رفضه مدهم بأموال إضافية. ظاهرة الابتزاز الجنسي، حسب أستاذ علم الاجتماع حسن قرنفل، ظاهرة أضحت تعرفها المجتمعات المحافظة الاسلامية التي تعتبر الجنس من المحظورات التي لا ينبغي التحدث بشأنها. ويتم الابتزاز عبر استغلال الصور أو أفلام أو فيديوهات تسرب عن طريق الانترنيت. فالانترنيت، يقول حسن قرنقل، وضع كوني ولا يتضمن أية مراقبة، والضحية هنا يكون مبرمج الفكر وغائرا في ضغط نفسي، كما أنه يكون في حرب مع الزمن لأن التكنولوجيا سريعة جدا، وليس له خيار آخر سوى تسليم المبلغ المالي المتفق عليه مع المبتز، خوفا أو بغية إنقاذ سمعته من التشويه. فحين ينشر الخبر بعنوان عريض في المواقع الالكترونية «شاهد فضيحة فلان (ة)» عندها ينظر الناس إلى الضحية نظرة دونية، يمتزج فيها الاحتقار بالتشفي أو الشفقة، وهي في الغالب نظرة غير موحدة. فبالنسبة للأزواج ستصبح علاقتهم مع الشريك مضطربة». ويضيف حسن قرنفل أن مجتمعنا المغربي يعاقب المرأة بشكل مضاعف إذا كانت هي الضحية، بل يمكن أن تتكسر الأركان الاساسية للعلاقة الزوجية، وبالتالي ينشأ عنها خلاف لا علاج له. أما إذا كان الضحايا هم الابناء، فإن الابن قد يستفيد من الدعم الأسري، أما إذا كان الضحية أنثى فإن عقابها يكون صارما، وبالتالي فالعقاب هو الطرد من البيت، للحفاظ على سمعة الأسرة. وحول الطريقة المثلى التي يمكن لضحايا الابتزاز الجنسي أن يواجهوا بها الوضع قالت عائشة لخماس، المحامية ورئيس اتحاد العمل النسائي، «إذا كنت من الأشخاص الذين تعرضوا للابتزاز الإلكتروني، وقام أحدهم بانتحال شخصية فتاة أو شاب، واتصل بك على تطبيق «سكايب»، مثلا، وقام بعرض لفيديو محتواه جنسي، ليطلب منك أن تفعل ذلك أيضا من خلال الكاميرا، ومن ثم قام بتسجيل فيديو لك تظهر فيه صورتك في وضع غير لائق (ممكن أن تكون عاريا أو..) وهددك بأنه إن لم تدفع له المال سوف ينشر هذا الفيديو على جميع الناس على الأنترنيت، فأنت هنا تتعرض هنا تتعرض لما يسمى «الابتزاز الجنسي الإلكتروني»، أما المجرم المبتز فغايته تكون واضحة، وهي إما الحصول على المال أو الجنس. هذه هي أولوياته. أما إن كان لا يريد ذلك، فهو يبحث عن شيء خاص بك، فإما أنه يبحث عن تخريب حياتك أو عن فصلك عن شريكك أو عن تدمير أعمالك بطرق كثيرة وسهلة. فمن الذي يتعين على الضحية فعله؟ هل يستسلم، أم أن هناك خيارات أخرى يمكنها أن تحد من هذا الابتزاز؟ تجيب عائشة لخماس أن «أول شيء ينبغي القيام به هو عدم التواصل مع الشخص المبتز نهائيا، مهما كان الأمر مزعجا لك. كما سنبغي إغلاق جميع الحسابات التي قدمتها لهذا الشخص أو يعرفها عنك مع إغلاق هاتفك فورا. «ثانيا إخبار الأشخاص الذين تثق بما حدث لك. تسلح بالشجاعة، ولا تخف ولا تستحي إلا إذا كنت ترى أنه غير مجدي إخبارهم. «لا تجاري المجرم لأنه شخص محترف جدا في إحباطك وترهيبك وتخويفك. ابتعد عنه فقط. «لا ترضخ لأي طلب يطلبه منك المبتز، حتى لو هددك بإرسال بياناتك لشخص مثل زوجك أو أحد من أهلك، ولا ترسل له المال نهائيا، لأنه لن يتوقف عن طلب المال مرارا وتكرارا، وبشكل غير نهائي. «أطلب من صديق أو شخص قريب منك تثق فيه ثقة عمياء أن يقدم بلاغا في الموضوع للشرطة مباشرة». وعن تأثير «الابتزاز الجنسي الإلكتروني» على الضحايا، تقول عائشة لخماس، إن الضغط النفسي قد يؤدي أحيانا إلى إصابة الضحية بأمراض نفسية خطيرة، وأحيانا تتطور الحالة إلى التفكير في الإقدام على الانتحار. فالمفروض، تقول الناشطة الجمعوية، «هو التضامن مع الضحية والتقرب منها لمعرفة ما جرى، خصوصا إذا كانت الضحية بنتا أو إمرأة، لأننا نعيش في مجتمع محافظ ولا يرحم. فعقاب المرأة يكون زجريا مقارنة مع عقاب الرجل الذي يستفيد من ظروف التخفيف». وإذا كان رقعة الابتزاز الجنسي تتسع، كما نلاحظ من خلال تسريب الفيديوهات الجنسية على مواقع «اليوتوب» أو «الواتساب»، فإن مواقف وآراء المواطنين ووجهات نظرهم تختلف حسب المرجعيات. تقول (أمينة. ع): «في حالة اكتشاف العائلة لأي نوع من الاستغلال لابنها أو ابنتها عليها التوجه فورا إلى دوائر الشرطة، من أجل وضع حد مباشر لهذا النوع من الاستغلال. كما ينبغي على العائلة أن تتضامن مع فلذة كبدها من أجل تجاوز الأزمة». (أما أسماء. ل)، فتقترح أنه في حالة ما إذا تعرضت امرأة متزوجة لهذا النوع من الابتزاز، يجب على زوجها أن ينصت لها، ويعرف خبايا هذا المشكل ويساندها ويؤزرها، لأنه يمكن أن يقع له الشيء نفسه». بينما يرى (رضوان. ح) «أن من يخلع ملابسة أمام الأغراب لا يعتبر ضحية. فمن يقوم بهذه الأفعال ليس له ضمير ولا يستحق التعاطف. وفي رأيي يجب أن تقع العقوبة على الاثنين: الضحية والمبتز».. ومهما يكن، فإن اتساع رقعة الابتزاز الجنسي الإلكتروني يطرح مجموعة من الإشكالات المرتبطة بفهم المغاربة للجنس، وتعاطيهم معه. كما يطرح مسألة تربوية غاية في الأهمية ترتبط باستعمالنا لوسائل الاتصال الحديثة.. *صحافية متدربة