هل خذلتنا الأحلام أم أن قدرنا أن نعيش حراسا دائمين لها ولأبواب الانتظار من آت مبهم بلا ملامح ولا تفاصيل؟ من منا لم ترفرف أحلامه، ولو بجناح مكسور، وعلى حافة الضجر؟ كنا نراقبها تكبر بين راحتينا حافية القدمين، شعثاء الخصلات، دافئة مثل حضن أم ينتظر العائدين، فضفاضة مثل بوح جميل.. موغلة في الاطمئنان.. شفيفة مثل مرآة عارية. كان ملمس الحلم نديا مثل زهرة لوتس تشرق صباحا، ضاحكة وهي تقبل أولى حبيبات الندى . الآباء يدقون المسامير في الأرض الصلبة، والأمهات يغزلن خيوط الأحلام.. يرتقن الجروح الغائرة في أمنيات أطفالهن ويرددن كل ليلة على مسامعهم أن الشمس تختبئ خلف الغيمات السوداء. كبر الأطفال وضاقت الأحلام ضيق الأفق الذي يظللها ، ولا قمر في الجيب ولا شموس خلف باب الشتاء. * * * * * * الذين رعوا أسراب الغيوم فوق رؤوسنا منذ أول شتاء يعبر البلاد.. يزرعونها صيفا كي تمطر شتاء، كانوا يبذرون أحلاما تغتسل بين غيمتين في انتظار أن تورق ربيعا. الذين كانوا يزرعون حقول الشمس قمحا لأبناء الفقراء، وينتظرون عند سفحها أن تتدلى عناقيدها لتطفئ سغب البسطاء، لم تكن محاولاتهم في استمطار الضوء غير تمرين لعضلة الحلم على نزال المستحيل كي لا تشيخ وتتخشب مفاصلها من طول الانتظار. الذين رسموا على شرفات العيون، للحلم، شواطئ يستريح على مرافئها حين تشتد العاصفة، لم يدركوا أن المرافئ قد تخون البحّار، وأن الاحلام تتكسر على صخر السياسة حين يعلو موج المساومات. * * * * * * الذين غادروا وبين أهذابهم شتائل النجوم الذين ظلوا ومَلّ خدّهم من انتظار الحياة كتبوا على جدار الشمس: قدر الفقير أن يحلم قدر الشاعر أن ينام ويستفيق على الحلم وقدر السياسي أن تظل الأحلام بلا سقف وقدر الحياة أن تحتمل كل هذا كي لا تصدأ في العيون * * * * * * المطر يغسل تجاعيد النافذة محراث خشبي يجرب فحولته في ذاكرتي المثقلة بالخيبات رائحة الأرض مثل عطر باذخ تثير فيّ شهوة الحلم ثانية. فهل أقترف البنفسج من جديد؟