تتناثر الأماني وتتناسل الأحلام، وتبقى سماء المستقبل غائمة. في ربيع الخيال، تزهر حديقة المتمنيات وتبهر بجمالها، قبل أن يأتي عليها صيف الواقع بحره فتذبل تاركة ورائها أكواما من قش الأحزان، تنتظر رياح تغيير كي تحملها بعيدا. ويحل الخريف بتعاسته وذبوله، فتسقط أوراق الأمل التي نضجت قبل آوانها وتآكلت في أغصان الصبر والإنتظار. وبدورة فصول الزمن، يأتي شتاء الأحلام مرة أخرى، وبغزارة المتمنيات وخصوبة الخيال، يعود موسم زرع الأمل في النفس القاحلة، وتعيد كذبة الزمن المضحكة المبكية نفسها. تتوالى الأيام والشهور، وتتوارى السنين والأعوام، وتجف ينابيع وأنهار الأحلام، وتنفذ بذور الأمل، وتندر أمطار التمني، يصبح معها الخيال صحراء جرذاء قاحلة، يكسوها سدر اليأس، وتوندرا التعاسة، فهل من واحة؟. حين يتيه الإنسان، وتتقاذفه أمواج الحياة، ويفقد البوصلة والمجاديف، فما السبيل إلى بر الأمان؟. عاصفة تتلو العواصف، مركب مهترئ ثقبته الظروف ولعنة الزمن، صفعات الأمواج تتقاذفه، ومجاذيف فقدت في لحظة تيه وعدم اكتراث. اشتدت الرياح، وتكدست الغيوم في الأفق المفقود، وبعثرت الأوراق والمخطوطات، واختفت بوصلة الإتجاهات، فحار الربان, وتقاعس الأعوان، وها قد آن الأوان، وكما قيل، فليس إلا الصبر والسلوان! تعالى الصياح والهتاف وعمت الفوضى وتشتت الأفكار وتبددت الطموحات، فاختفت مع اختفاء أحلام الطفولة الوردية. تلون الأفق بالسواد، وازدادت حلكة الظلام دكنة، وفقد الإتجاه وسط الأمواج العاتية التي كشرت عن أنيابها، ودست مخالبها في الشراع الممزق أصلا، والمتآكلة أطرافه بأشعة شمس الحياة الحارقة، ولم يصمد أمام زئيرالعاصفة وقوة الرياح. تجربة محفوفة بجميع أنواع مخاطر الفشل، والأحزان، والآلام، مجبرون على خوض غمارها دون تحسب لمصيرها. ومع هامش النجاح، والوميض الذي يلوح في الأفق بين الفينة والأخرى، نستجمع الأنفاس كلما خارت قوانا، وتكسرت آمالنا، ونستمر في السير، تاركين ورائنا أكواما من دخان الأحزان تنفثه قلوبنا، وتستمر الرحلة وتستمر معاناتنا…