هي لحظة تاريخية كبرى ومفصلية، لحظة يثبت فيها المغرب طاقته العالية في صناعة المستقبل والتجاوب مع المنعطفات التاريخية الكبرى، بحكمة وتبصر وشجاعة أدبية وسياسية لا تقارن. فقد جاء الخطاب التاريخي لجلالة الملك أول أمس، ليعيد الى المغرب إحدى اللحظات القوية في مساره، ويعيد إرساء المغرب على السكة السليمة للتطور السياسي. لهذا نشعر في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قيادة وقواعد، أننا نجد أنفسنا، وتاريخ نضالنا وأفق انتظاراتنا في الخطاب الملكي السامي، وبلا أدنى تردد أو تحفظ نجد أنفسنا بالفعل بشكل كامل في منطوق وفي معنى الخطاب وما يترتب عنه من إصلاح دستوري وسياسي شامل وجد متقدم . إننا في حقيقة الأمر نعيش، ابتداء من يوم الخطاب، ميلادا وتجسيدا للمشروع المجتمعي الحداثي، والديموقراطي الذي أعلن عنه ملك البلاد، وهو يطرح على الأمة ثورة هادئة، عميقة ومستقبلية. وهي ثورة نشعر في الاتحاد الاشتراكي أنها لا تقل أهمية وقوة عن ثورة الملك والشعب، وإذا كانت ثورة المغفور له محمد الخامس وشعبه قد قادت البلاد الى الحرية، فإن ثورة محمد السادس وشعبه اليوم تقودنا الى المجتمع الديموقرطي، وتقودنا، الى تحقيق الشروط الفعلية، الثابتة للحداثة السياسية بكل معانيها. لا يشك الديموقراطيون والوطنيون والتقدميون أن تحقيق وتفعيل مضامين ما أعلن عنه عاهل البلاد سيدفع ببلادنا الى منتدى الدول التي تدخل التاريخ رافعة رأسها وواثقة الخطوات، بثقة شديدة في أنها تصنع قدرها بأيديها، وتلتحق بروح ومضامين القرن الواحد والعشرين قرن القيم الكونية، والروح الانسانية والسمو بالإنسان الى مراتب عليا. إنها أولا ثورة في الشكل والاطار، حيث اختار ملك البلاد المنهجية التي تتماشى مع متطلبات الانخراط في مجموعة الدول التي تستحق القرن الواحد والعشرين، فكرس مبدأ الشفافية في التداول حول مقتضيات دستور مغرب محمد السادس، ومغرب المستقبل. وهي المرة الأولى في تاريخنا الحديث التي يتم فيها فتح حوار وطني من أجل استشارات واسعة مع كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، حوار شفاف وواسع لا شك أنه سيخلص الى دستور وطني يحقق الإجماع حوله كنص مؤسس للدولة المغربية الحديثة القابلة للتطور، ومواكبة لمتطلبات وقيم العصر الحديث.شكل يعطي القوة الاخلاقية والسياسية للمضمون، لأنه يستند الى قيم الشفافية والحوار والاستشارة الواسعة للأمة لكي تصنع روحها الجماعية معا .. لقد وجدنا في الاتحاد الاشتراكي أن كل المطالب والخطوات التي نراها كفيلة بالارتقاء ببلادنا الى مراتب عالية قد تم التجاوب معها . إنها ثورة في المضمون أيضا وردت في خطاب الثورة الثانية للملك والشعب. ذلك لأن الخطاب الملكي ركز على مبادئ نعتبرها ضرورية ولا مناص منها لأجل تطور مؤسساتنا وتقدم بلادنا، سواء من حيث التخليق ، والذي أصبح معيارا لقياس جدية الدول وقدرتها على الانخراط في المستقبل أو تعلق الامر بباقي النقط السبع ، التي تعد سقفا إصلاحيا لا نبالغ إذا قلنا إنه يضع بلادنا في صدارة الامم في الدائرة العربية الاسلامية والافريقية، وحتى في مناطق اخرى من العالم. لقد استجاب الخطاب الملكي لحاجة تاريخية ووطنية كبرى، وهو بذلك يملك القدرة التعبوية اللازمة لتحريك الدينامية السياسية والمجتمعية، ولا شك أن الشعب المغربي يلتقط هذه اللحظة ويدرك معناها، هو الذي طالب دوما بإصلاحات شاملة وعميقة ويتعبأ حول المضامين الجديدة. والشعب المغربي وقواه الحية على تمام الادراك بأن المشروع المعروض اليوم للنقاش العمومي مشروع تحكمه استراتيجية جماعية ومشتركة، فلا هو بالمشروع الفئوي ولا بالمشروع القطاعي، ولا يمس فئة عمرية محددة أو طبقة اجتماعية بعينها. إنه مشروع لبناء الذات الجماعية في جو من الهدوء والتفاؤل والامل في المستقبل.وهو ايضا مدخل لتسريع وتفعيل برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية بهدف تحقيق انتظارات مواطنينا ومواطناتنا وتطلعاتهم من اجل الكرامة والعدالة الاجتماعية. والاتحاد الذي سبق أن عبر عن كل هذه المطالب في بياناته، سواء في المؤتمر الثامن أو في المجلس الوطني الاخير، يشعر أنه معبأ بكامل الثقة والحماس لخدمة الاهداف النبيلة المعلن عنها في ثورة الملك والشعب الثانية، ويشعر الاتحاد الاشتراكي أنه معبأ للمساهمة في تفعيل الاصلاح المجتمعي الكبير، كما سبق له أن ساهم عندما عرض على أنظار ملك البلاد رؤيته للاصلاحات في ماي 2009، برفع المذكرة الى جلالته تتضمن المقتضيات التي تجاوبت معها إرادة ملك البلاد. والاتحاد الذي ينحني اليوم أمام أرواح كل مناضليه وقادته ويحيي الذين ناضلوا بإيمان في المستقبل وباختيار السبل الديمقراطية والخيارات السلمية، من أجل مشروع الديموقراطية والحداثة، يعتز بوعي مناضليه والتقاطهم للحظة التاريخية، ويثمن عاليا الاستجابة الملكية السامية ويضع نفسه ومناضليه رهن إشارة المشروع المغربي الحديث.