يخلد الشعب المغربي، ذكرى وثيقة المطالبة بالاستقلال، ذكرى 11 يناير 1944، التي انتقلت فيها الحركة الوطنية إلى مرحلة جديدة في تاريخها الكفاحي، من المطالبة بالاصلاحات كما تنص على ذلك معاهدة الحماية الاستعمارية، الى المطالبة بالاستقلال. وقد كانت للفقيد السي عبد الرحيم بوعبيد, أحد الموقعين على الوثيقة، قراءة يشرح فيها، كيف تم إعداد هذه الوثيقة، وماهو محتواها ومضمونها، وكيف تم تقديمها لجلالة الملك السلطان محمد بن يوسف ... يقول عبد الرحيم «اختيار تاريخ 11 يناير 1944، لم يكن على الاطلاق يرتبط بحدث تاريخي من الماضي، بل إن الاختيار بررته بالاساس التحضيرات، والمناقشات والاستشارات التي تطلبت عدة شهور. وهكذا تم تقديم العريضة - رسميا - إلى جلالة الملك، وإلى الاقامة العامة بالرباط، والى الممثلين القنصليين لكل من الولاياتالمتحدةالامريكية والمملكة المتحدة، بمجرد ما تم تحديد الصيغة النهائية للعريضة، والموافقة عليها من طرف جميع الموقعين، الذين كانوا يمثلون آنذاك مختلف اتجاهات الرأي العام المغربي، باستثناء ممثل الحركة القومية السيد محمد بلحسن الوزاني، الذي كان في ذلك الوقت تحت الاقامة الاجبارية ب «ايتزن» ,هؤلاء اعتبروا أن المناخ السياسي الوطني او الدولي، لم يكن مناسبا بما فيه الكفاية للاقدام على مثل هذا العمل? اما علال الفاسي ، زعيم الحزب الوطني، الذي كان في المنفى بالغابون منذ سنة 1937، فلم يكن من الممكن عمليا اشراكه ولا حتى استشارته، ومع ذلك فإن رفاقه القدامى، قد ضمنوا سياسيا، وبدون ادنى تحفظ، موافقته على العمل الذي كنا مقبلين عليه. لقد تمت الاستشارات الاولى في سرية تامة، بين الملك وقادة الحزب الوطني منذ بداية سنة 1942، أي قبل نزول قوات الحلفاء في المغرب، في نونبر 1942. ففكرة تحديد هدف واضح كفيل بتعبئة مجموع الرأي العام الشعبي، وتعريف الرأي العام الدولي بحقيقة نضالنا، تم تحديدها إذن، باتفاق كامل مع العاهل، فهذا الاخير، باعتباره المؤتمن على السيادة الوطنية والمعترف به من طرف المعاهدات، بما فيها معاهدة الحماية، سيأخذ قيادة المعركة، من خلال تجميع كل القوى الحية في الأمة، ومن كل الاتجاهات، اذا أمكن? وكان احمد بلا فريج، والحاج عمر بنعبد الجليل، ومحمد اليزيدي، ومحمد غازي، واحيانا الاستاذ محمد الفاسي، يعقدون جلسات عمل، تحت رئاسة محمد الخامس، في وقت متأخر من الليل، كل اسبوع تقريبا، وبطبيعة الحال في سرية تامة, وكانت الاستدعاءات والرسائل تنقل بواسطة بن داوود، وهو احد خلصاء الملك? وكانت اللقاءات تتم اما في احدى مرائب القصر الملكي بالرباط، او في أحد الملحقات الاخرى، وفي بعض الاحيان، كانت الاستدعاءات تقتصر على احمد بلافريج ومحمد غازي. وقد تبين انه لم يعد من الممكن اعادة طرح مطالب «برنامج الاصلاحات» لسنوات 1934 - 1936، حتى ولو تم تجديدها, لأنها اصبحت متجاوزة .. لقد تبين اذن، من خلال التحليل، ومن خلال المعطيات المختصرة المذكورة اعلاه، ان الرغبة بالاحرى في «إصلاح» الحماية، في الاطار القانوني لنفس هذه الحماية، يشكل وهما خطيرا، وموقفا لا واقعيا. فالطريق الأسلم، من أجل حماية سيادة المغرب، في وحدته وتمامية اراضيه، الطريق الاكثر واقعية كان يفرض دخول الحركة الوطنية في المعركة من أجل إلغاء معاهدة فاس، واعلان الاستقلال الوطني ... لقد كان نص عريضة 11 يناير في نهاية الأمر، وبالصيغة التي نشر بها، تسوية تمخضت عن مختلف المفاوضات التي جرت بين قيادة الحزب الوطني والشخصيات المستقلة? كان هناك في البداية مشروعان أو ثلاثة مشاريع، حرصت على إبراز الكيان المغربي، باعتباره دولة ذات سيادة، معترف بها من طرف مجموع المجتمع الدولي? ثم التحريف التي تعرضت له معاهدة 1912 في التطبيق، الشيء الذي مكن الادارة الفرنسية من الحكم، بدلا من المؤسسات الوطنية، وقد خصص حيز واسع في هذه المشاريع للمقاومة المسلحة للتغلغل الاستعماري، منذ 1912 الى 1934 إلخ... وفي الأخير تمت المصادقة على نص مختصر، ومكثف? وهذا النص، كما يمكن ان نتبين، يحمل من الناحية الشكلية، بل وحتى من ناحية المضمون، طابع التصور الذي يغلب عليه الطابع القانوني? فهو أشبه بنوع من المحاكمة، أو الحكم الصادر عن هيئة قضائية، ب «حيثياته»، ومنطوقه? ولم تكن العريضة، في نظر العديد من المناضلين، تحفة رائعة في الوضوح. [..] متطلبات السرية، دفعت زعماء الحزب إلى تفويض تحرير البيان إلى مجموعة جد محدودة. بمجرد افتتاح القصر، كان وفد برئاسة أحمد بلافريج في قاعة الانتظار، كما تقرر وفي هذه الأثناء جاء مستشار الحكومة الشريفة لمقابلته الأسبوعية المعتادة، ففوجىء برؤية أحمد بلافريج ورفاقه في الانتظار. بعد فترة وجيزة، قامت إدارة البروتوكول بإدخال وفد الوطنيين الى قاعة الاستقبال? وبقي المستشار في قاعة الانتظار، إلى نهاية المقابلة التي خصصها العاهل، قبل أي شيء آخر، للوفد المغربي. كان جلالة الملك هادئا، هدوءا تواصليا، كان يشعر به كل عضو من أعضاء الوفد. كل قواعد البروتوكول الصارمة تجووزت? فقام أحمد بلافريج، وقد تملكه التأثر الشديد، وسلم لجلالة الملك ملف الوثيقة وقال: «جلالة الملك، لنا عظيم الشرف، أن نقدم لجلالتكم وثيقة صادرة عن حزب الاستقلال الذي يجمع كل الإرادات الوطنية بالبلاد. خلال قرون عاشت بلادنا في كرامة، بفضل معارك تاريخية، بدون انقطاع, وقد فرضت علينا الحماية بالقوة، ضد إرادتكم. «إننا مقتنعون أشد الاقتناع بأن الله يأمرنا باستئناف المعركة من أجل استرجاع سيادتنا الكاملة، تحت قيادة جلالتكم...». وقد رد العاهل على كلمة الناطق باسم الوفد قائلا: «إن هذا اليوم سيبقى في تاريخ بلادنا، يوما مجيدا وباعتباري عاهلا للبلاد، فإنني واع تماما بالمهمة التي أوكلها الله إلي, وسأقوم بواجبي كسلطان منذ الغد، بعد دراسة الوثيقة التي قدمتموها إليّ، وسأستدعي المخزن والسلطات العليا لهذه البلاد، لاتخاذ القرار في إطار الإيمان والوفاق، للقيام بكل المجهودات وبذل كل التضحيات من أجل استرجاع سيادتنا التامة وكرامتنا الكاملة كأمة اسلامية، مخلصة للمبادىء الخالدة لديننا الحنيف...» وقد استمرت المقابلة حوالي الساعة، كل موظفي المخزن الذين يتربعون عادة خلف قمطراتهم، مثل نساخ القرون الوسطى، كانوا في حالة اضطراب محموم, كانوا ينتقلون من مكتب الى آخر، ومن مجموعة إلى أخرى، بحثا عن خبر اليوم عن الحدث? ولم يتأخر الذين كانوا من بينهم، معروفين بانخراطهم في الحركة الوطنية والذين كانوا محاطين أكثر من أي وقت مضى في الإعلان بصوت مرتفع: «المغرب يطالب باستقلاله!». كان البروتوكول ينص على القيام، بعد المقابلة الملكية، بزيارة الصدر الأعظم، وقد استقبل المقرى إذن، الوفد بالابتسامة، وبالكثير من اللباقة، المحسوبة بدهاء، فهذا الرجل الذي كان يقارب المائة من عمره، كان شاهدا وصانعا للعديد من التقلبات? وقد استطاع الاستمرار، شأنه في ذلك شأن العديد من (Tallu round)، بتجديد قسم الولاء، كلما اقتضى الأمر ذلك، بل انه نجح في الاحتفاظ بسحنة وردية، وابتسامة متشككة، وجلد أملس تقريبا.. كان اللقاء إذن تافها جدا، حرص الوفد خلاله على تجنب أي إشارة إلى الهدف من الاستقبال الملكي. في نفس صباح هذا اليوم (11 يناير)، استقبل وفد آخر يقوده أحد المستقلين، وهو امحمد الزغاري من طرف الوزير المطلق الصلاحية المفوض لدى الإقامة العامة السيد مارشال (Marshall) هذا الأخير كان معروفا بكونه أحد الرجال الأكثر تفتحا لنوع من التطور للعلاقات الفرنسية المغربية. وبعد اطلاعه على نص البيان، أعلن دون أن يتخلى عن هدوئه بأن العلاقات بين فرنسا والمغرب ينتظرها مستقبل زاهر، نظرا للصلات والروابط التاريخية التي تجمع بين البلدين! وفد ثالث، برئاسة المهدي بن بركة استقبل من طرف قنصل انجلترا، ووفد رابع من طرف قنصل الولاياتالمتحدةالأمريكيةبالرباط . وقد قبل القنصلان بعد تردد، تسلم نص البيان، على سبيل الاطلاع، لأن المفوضيتين على حد قولهما، لم تكن لهما علاقات رسمية إلا مع سلطات الإقامة. في منتصف النهار تقريبا، كانت المرحلة الرسمية قد أنجزت، كما كان متوقعا، وقد انتشر الخبر بسرعة البرق: ففي مدن الرباط ثم سلا والقنيطرة، شرع الناس في تبادل التهاني والقبل، وأصبح الحماس يغمر المشاعر، وكان الجميع يبحث عمن يقدم أكثر التفاصيل عن مقابلة القصر الملكي والإقامة العامة أو لقاءات القنصليتين الأمريكية والانجليزية. وفي فترة ما بعد الظهر، كان نص البيان الذي وزع بأعداد من طرف المناضلين، ينقل في عدة نسخ ويوزع من حي الى حي، ومن مجموعة الى أخرى، ويقرأ بصوت مرتفع في الساحات العمومية، وفي الأسواق وفي المساجد, وفي فاس ومكناس ومراكش والدار البيضاء وتطوان وطنجة، وفي الأطلس وسوس والمغرب الشرقي، كان الاستقبال الشعبي جنونيا: فرح، وهتافات وتصفيقات ودعوات. لم تكن المطالبة بالاستقلال الوطني مفاجأة: بل كانت بالأحرى تأكيدا لرغبة دفينة في قلوب مجموع الشعب. وكان الحدث الحقيقي هو تولي جلالة الملك محمد الخامس قيادة الحركة الوطنية، هو عقد الثقة وتجلي الإرادة الإلهية وتحدي عشرات السنين من السيطرة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, كان ذلك ضمانة للانتصار، على قوى الشر الاستعمارية وعلى الاستعباد. في اليوم التالي، 12 يناير انعقد مجلس وزراء المخزن، بمشاركة باشا مراكش الحاج التهامي الكلاوي والقايد العيادي تحت رئاسة جلالة الملك. وكانت النقطة الوحيدة في جدول الأعمال التي تناولها السلطان هي: عريضة الاستقلال التي سلمت في اليوم السابق من طرف وفد عن حزب الاستقلال «إنني أوافق يقول محمد الخامس على مضمون وعبارات هذه الوثيقة كعاهل للبلاد, وقد جمعتكم اليوم في هذه الجلسة الرسمية والتاريخية، لكي نتحمل جميعا مسؤولياتنا أمام الله وأمام الأمة المغربية. أنتم نظريا، الحكومة الشرعية لهذا البلد، ولكنكم وهذا ما تعرفونه أكثر من أي مواطن آخر، جردتم منذ فرض الحماية من كل اختصاصات السلطة, وأصبحتم مجرد صور صامتة، لا تحصلون على أبسط المعلومات حول ما يجري، وما يقرر في غيابكم, لقد فرض نظام الحماية على بلادنا بالقوة، والاحتلال العسكري? وهذا النظام نفسه لم يحترم الالتزامات التي تنص عليها المعاهدة..». إن الظروف الدولية ومرحلة 1912/1900، لم تعد هي نفسها اليوم? فالحلفاء الذين حاربنا إلى جانبهم، ومازال يبشرون بقدوم عهد الحرية، بالنسبة لكل الشعوب الكبيرة والصغيرة...» «إن ماضينا العريق كدولة مستقلة، وواجبنا أمام الله والشعب، يفرضان علينا إعلان إرادتنا الجماعية في استرجاع المكانة التي نستحقها بين الأممالاسلامية الحرة...». ظل الصدر الأعظم صامتا، مطأطىء الرأس.. فأخذ محمد بن العربي العلوي، وزير العدل الكلمة مباشرة ليقول بصوت جد متأثر: «أشكر الله، يا صاحب الجلالة الذي أمد في عمري لكي أشارك في هذه المناقشة التاريخية.. إنكم تجسدون الاستمرارية التاريخية لهذه الأمة الاسلامية العظيمة، وتجسدون سيادتها وتطلعاتها الأكثر نبلا... وقد اختاركم الله للقيام بهذه الرسالة، رسالة الكرامة، والحق، والعدل, كل الأمة معكم فقل لنا ما ينبغي علينا أن نفعله، ونحن نعتبر أنفسنا منذ اليوم تحت قيادتكم، في طليعة المعركة المجيدة التي تقومون بها, والله سيساعدكم، لأن قضيتنا قضيتكم يا صاحب الجلالة، عادلة...». امحمد بوستة ووصية علال الاتحاد، الاستقلال، الصحراء .. والملكية عاد السي امحمد بوستة الى اللحظة الحاسمة من تاريخ حزب الاستقلال، عندما فقد راعيها الاول وزعيمها الدائم علال الفاسي. ليكشف عن وصية «الزعيم علال » ، كما سماه ويسميه المغاربة. ولم تكن العودة مشروطة فقط، فيما نعتقد بواجب الذاكرة، وهو يشارك في الملف التكريمي لرفيقه وصديقه عبد الرحيم بوعبيد ، بل نفترض أن هناك من التداعي العفوي ما يسند الرسالة السياسية. فقد ذكر السي امحمد بوستة وصية الزعيم، في لحظة وفاته برومانيا بمكتب تشاوسيسكو ببوخاريست يوم 13 ماي 1974. وقال الامين العام السابق أن علال الفاسي « قبل وفاته بساعتين كان ببيت الضيافة الذي وضعه تشاوسيسكو رهن إشارة سي علال و كنت إلى جانبه أنا و سي حفيظ القادري . استقبل شخصيات فلسطينية من ضمنهم هاني الحسن الذي مازال على قيد الحياة . و طلبوا منه أن يتوسط لدى تشاوسيسكو قصد السماح بفتح أول مكتب للفلسطينيين بأروبا, وعدهم بذلك . و أثناء انتظارنا للسيارة التي ستقلنا , قال لنا سي علال أوصيكم بشيئين اساسيين . الأول هو ألا تتركوا الملك لوحده مع الجماعة التي تحيط به, لأنهم كوارث حقيقية فقد جعلوه يسلم في ثلاث أرباع المغرب في معاهدة إفران ومعاهدة تلمسان ، و كانوا سيقومون بكارثة أسوأ بمحاولة اغتياله ، لأنه لوتم ذلك لدخلنا في متاهات مماثلة لتلك التي وقعت في الشرق ، فذلك لم يكن ثورة و إنما إجهاضا للثورة, لأن الثورة الحقيقية هي الحرية و الديمقراطية . و ثانيا و هذا ما يهمني هنا و يهم إخواننا في الاتحاد الاشتراكي بصفة عامة ,هو أن العمل الوطني لن يتم بجدوى و بنتيجة إيجابية إلا باتفاقنا مع الإخوان الذين انفصلوا عن الحزب, فهم الوطنيون الحقيقيون». وما تبع ذلك اصبح بالفعل من حوليات السياسة المغربية، وورد في الاحاديث أو في المقالات الجدية التي تتابع الحياة السياسية الوطنية. ولكن المهم أن الترجمة العملية لذلك كانت «مذكرة مساندة للملك في قضية الصحراء والاتصال بعبد الرحيم»، ويضيف بوستة قائلا قلت له هذه وصية سي علال الفاسي . وعقدنا ندوة صحفية مشهورة في ذلك الوقت أعلنا فيها عزمنا على العمل المشترك . و كان عبد الرحيم و هذه شهادة لابد أن أدلي بها كلما أقدم على خطوة مثل هذه,سواء مع الملك أو مع حزب الاستقلال الذي تربطه به روابط متينة لأنه من مؤسسيه ، كان يفكردائما في رد فعل إخوانه بالخارج . و كان من حسن حظي أن يشركني معه في اسراره المتعلقة بهذا الباب . و هذا ماجعلني فيما بعد أقوم بالاتصال بهم بالخارج و عقد اجتماع معهم ببيت امبارك بودرقة و القيام بالعمل الذي تم إنجازه . لأن اعتبار آراء الإخوان بالخارج كان مسألة أساسية لدى عبد الرحيم مهما بلغت حدة اختلافهم معه . و كانت هذه إحدى مزاياه الكبرى» . ما نفهمه من كلام السي امحمد بوستة أن القادة السياسيين الذين ناضلوا ودبروا المراحل العصيبة، كانوا يتكلمون بصراحة حول الهرم السياسي للدولة المغربية. وكانت عبارة بوستة حول وصية علال بخصوص العلاقة مع الملك- وليس - مع الملكية، ومع محيط الملك دالة بشكل كبير. وايضا ذا حمولة لا تخفى قوتها في السياق السياسي لتلك الفترة والذي اتسم بالصراع وبالعنف من طرف الدولة اساسا. وكنا على ابواب مرحلة حاسمة، وهي مرحلة استقلال الصحراء المغربية. وفي هذا الباب ؛كانت العلاقة مع الاتحاد الاشتراكي ذات تأثير استراتيجي وقوي .تاثير ظهر في تزامن مع العلاقة مع الملك المرحوم الحسن الثاني. إن التذكير بذلك في فترة التخليد الرسمي والشعبي لذكري 11 يناير يكتسي اهمية معنوية وسياسية تربوية لا تخفى على احد، لأنها تتناول الفترة المفارقة في تاريخ المغرب. فهو تذكير يعيد اللحظة السبعينية الى اصلها الوطني، اي لحظة تأسيس العمل الوطني لاستقلال المغرب، ثم يعطي الدلالة العملية لتوافق الملك والشعب، القيادة الوطنية والمؤسسة الملكية ، ضمن السياق الذي وردت فيه. وبمعنى آخر فقد كانت السبعينيات سؤالا جديدا على المغرب، لكنه استطاع أن يستحضر المشترك الوطني القديم ? أي فترة الكفاح- لكي يقدم الجواب الجديد. وهو ما قد يتكرر اذا ما استطاعت القوى الفعلية، الي جانب المؤسسة الملكية أن تجد الصياغة العملية والواقعية لما تواجهه ، مع ادراج ما يستجد من اسئلة ومعطيات، حتى لا يعود السقف الوطني مبررا ومسوغا للجمود والحنين الطهراني الى لحظة منفلتة من الزمن. الكتلة والتحرر في 11 يناير شق لا بد من أن يحظى بهكذا قراءة ، دينامية ومتحركة. وهو الشق المتعلق ببناء الدولة الديموقراطية. وعوض الحركة الوطنية، جاءت اشكال التكتل الوطني عبر تاريخ المغرب الحديث. وهو مسار كان الوعي به، وهذا امر لم يلق بعد الكثير من التمحيص من لدن الدارسين، وحتى بعض المناضلين من اطراف الكتلة، مباشرة بعد الافتراق والتأسيس, حيث كانت هناك سوابق في الستينيات لإيجاد صياغة للتكتل، وهي فترة ايضا أليمة في تاريخ المغرب. وفي ذلك يروي السي محمد بوستة أنه كان لدينا سوابق في هذا الموضوع مع الأسف فشلت أو أعطت نتائج جزئية . الأولى كانت في 1963 وهو ما يجهله الكثير من الناس . ففي انتخابات هذه السنة و باقتراح مزدوج من سي علال و سي المهدي رحمهما الله. شكلنا لجنة لإفراز مرشح مشترك . و كانت اللجنة تضم من جهة حزب الاستقلال و باقتراح من علال الفاسي الطاهر غلاب و عبد ربه, ومن جهة الاتحاد المهدي و سي منصور . اتفقنا على أنه حتى إذا لم نتمكن من إفراز مرشح مشترك على الأقل أن نتفادى منافسة بعضنا. أعطى ذلك نتيجة لم تكن تامة, و لكن تمكن الحزبان معا من حصد ما يقارب نصف مقاعد النواب رغم التزوير الفظيع الذي هيمن على عملية الانتخاب . و المهم في الأمر هو أن هذا الاتفاق و المواقف التي اتخذها الحزبان بشكل مشترك بالبرلمان و تقديمهما لملتمس الرقابة و الخطابين الشهيرين لعبد اللطيف بن جلون والطريس كل ذلك أثمر نتيجة عظيمة بالنسبة للرأي العام. تلك الفترة انتصرت فيها قوى القمع والمحافظة والتأويل اللصيق والحانق للسلطة الملكية، وادت الى جراح كبيرة سميناها جراح زمن الرصاص. ومع توالي الصراع اشتدت مظاهر التوتر ، وتم تأسيس الكتلة الوطنية في 1970 أقلقت المخزن في ذلك الوقت لكنها فشلت «لأسباب داخلية.» ولم يكن ذلك هو المصير المنتظر لتجارب وحدوية أخرى مثل المذكرة المشتركة.المذكرة التي قدمتها أنا و عبد الرحيم، وكان دوره ودوري وكل رفاقنا أن نطلب نظاما أساسيا، وهو أن تتغير الكيفية التي يسير عليها المغرب، وكانت لدينا اتصالات مع المرحوم الحسن الثاني، ولكن عبد الرحيم كان دائما واضحا، فهو ليس ضد النظام, لكنه يريد نظاما قائما على أسس سليمة، وكانت لديه رؤية بالخصوص فيما يتعلق بالإصلاح الدستوري، بحيث يتم توضيح الدور الرئيسي لرئاسة الحكومة، وعملية تكوين الحكومة، والكيفية التي يجب أن تتشكل عليها، وأن يُعطى دور أساسي لمجلس النواب. عندها كنا نتحدث عن غرفة واحدة فقط ، بأنه لا يجب أن تخضع الحكومة لإرادة الملك فقط، ولكن كذلك أن تخضع للناس الذين يمثلون الشعب، أي البرلمان، وإذا رفضوا، فطبعا للملك الحق أن يغير ويسمي وزيرا آخر، وهذا حق معطى لكل رؤساء الدول، ولكن أن تكون المراقبة و حق الفيتو في رفض المجلس قضية أساسية، كان عبد الرحيم يوضح هذه الأشياء، وهذا هو ما كتب في المذكرة، أنا لم أحفظ المذكرة بالحرف ولكن ما أعرفه أن في روحها كان عبد الرحيم يسعى أن تتغير الكيفية التي يمشي عليها المخزن بالمغرب، ليس هو ضد النظام لقلبه أو شيء من هذا القبيل، لكنه يريد أن يكون نظاما سليما وقويا، معتمدا على الديمقراطية الحقيقية». ومازالت تحمل الكثير من القيم الوحيدة الكفيلة بالرفع من التعبئة وحظوظ النجاح.