ربطت سيرة النضال والاستقلال، حياة عبد الواحد الراضي بالمسار الاستثنائي للمهدي بن بركة. وقد قُدِّر للكاتب الأول السابق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن حظي برفقة الشهيد المهدي، وعاشره عن قرب، بل إن عبد الواحد الراضي يقول باستمرار بأنه مدين للشهيد المهدي بأول مسؤولياته داخل الاتحاد الوطني..وفي مهام بناء الاستقلال.. ومن المؤسف حقا أن الشهيد المهدي يتعرض، في الآونة الأخيرة، لتحامل فظيع يسقط عنه كل ميزاته النضالية والإنسانية، ويريد البعض أن يقدمه بشكل غير الشكل الحقيقي الذي عاش به. لهذا كان اللقاء مع عبد الواحد الراضي، لوضع الأشياء في نطاقها...تقديم شهادة حول خصاله الإنسانية،والفكرية وميزاته الأخلاقية..والعلائقية. كان المهدي بن بركة يتمتع بجسد سليم وقدرة خارقة على المقاومة . كانت له قدرة مذهلة على استرجاع قوته، و قدرة هائلة على العمل، وذاكرة قوية،كان يفهم بسرعة مايسمع أو مايقرأه ، لا تضاهيها سوى قدرة كبيرة على التحليل والاستنتاج.. كما كان يمتلك غنى لغويا كبيرا ودقة في اختيار الكلمات ليفهمه المتلقي . المهدي كان متشبعا بالثقافة العربية الكلاسيكية الأدبية والدينية ،وفي نفس الوقت يلم إلماما عميقا بالثقافة الشعبية التقليدية - بما فيها جوانبها الخرافية – إضافة إلى الثقافة الكونية بعقلانيتها وقيمها السياسية والأخلاقية والاجتماعية . لم يكن فقط على دراية بالعقلية المغربية ،بل فكر فيها كثيرا من أجل تطويرها . المهدي كان رب أسرة جيدا، كانت أسرته من ضمن أولوياته إلى جانب البلد والحزب . كان شديد الاهتمام بأبنائه ، بتربيتهم وتكوينهم وقد نجح في ذلك ... خلال مقامه في الخارج، وتوفره على متسع أكثر من الوقت ، كان يذهب إلى المسرح والسينما ويزور المتاحف ويقوم بأنشطة ثقافية أخرى . بالرباط خلال لحظات استراحته كان هادئا، عفويا، ذواقا يعشق كل الأنواع الموسيقية الكلاسيكية والمنوعات العربية والدولية . كان المهدي قارئا نهما لكل الإصدارات السياسية والاقتصادية والأدبية الجديدة، ناهيك عن الصحافة اليومية والدورية . كان حريصا على الاطلاع على كل جديد . المهدي كان في العمق مربيا كبيرا داخل عائلته، كان يحب تعليم الآخرين وتلقينهم معرفته . كان بيداغوجيا في وظيفته كمدرس وفي الحزب وفي المجتمع .كان يمتلك فن تبسيط المواضيع المعقدة من أجل شرحها .كان قادرا على التجاوب والتعامل مع أبسط مواطن.. كان مقنعا لأنه كان دائما صادقا ومحط ثقة . كان جذابا بأسلوبه وبأفكاره وحججه ومحتوى خطابه ودعابته .. كان يحب التأطير وتكوين الشباب ودعمهم وتشجيعهم وإعدادهم لمهامهم المستقبلية . وطريق الوحدة كانت بالنسبة له إنجازا تربويا، سياسيا ومدنيا أكثر منه بناء ماديا لطريق للتنقل .كان شعار ذلك العمل هو : «نحن نبني الطريق، والطريق تبنينا « المهدي كان إنسانيا، كان يحب الإنسان ويثق فيه .بالنسبة له الإنسان يجب أن يكون غاية كل عمل سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي وبالتالي من حقه أن يكون سعيدا، محترما،حرا وكريما . كان متعاطفا وحساسا تجاه معاناة الآخرين، كانت له القدرة على أن يضع نفسه مكان الآخرين ويحس بما يحسون . كان يحترم من لم يكونوا على دينه أو لا يتقاسمون معه قناعاته السياسية . كانت له قدرة هائلة على الإنصات . المهدي كان متفائلا له القدرة على نقل تفاؤله للآخرين. كان موقظا للوعي، زارعا للأمل وللأفكار الجديدة والمبادىء والقيم العالية . كانت له تلك القدرة على تحريك الآخرين ودفعهم إلى إعطاء أفضل ما لديهم وإشراكهم في عمله وإدماجهم في مشاريعه . كان يجر الجميع إلى الأعلى . المهدي كان سخيا بوقته، بعلمه، بطاقته .. لم يكن يعيش لأجل ذاته، بل أساسا لأجل الآخرين، عائلته الصغيرة والكبيرة ومواطنيه والبشرية جمعاء..لقد كان مثالا في التفاني .. لم يكن يلهث وراء المنافع أو المواقع أو الملذات ..والمتعة الوحيدة التي كان يسمح بها لنفسه هي الأناقة في اللباس والحرص الدائم على المظهر المحترم حتى خارج المناسبات الرسمية والبروتوكولية .كان متعففا بسيطا ليست له متطلبات شخصية كبيرة لم يكن يبحث عن البذخ، كان يتحرك في سيارة «كوكسينيل» بسيطة كما يعرف الجميع . كان يمقت الرداءة والسوقية ..كان شديد اللياقة واللباقة تشع منه جاذبية وسلطة طبيعية وكان يعرف استعمال قدرته على الإغراء عند الضرورة . المهدي كان رجلا جذابا، دائم الابتسامة لا يقطب حاجبيه إلا عندما يكون مستغرقا في التفكيرأو التأمل . كانت له قدرة كبيرة على الاستباق : مستبصر متقدم كثيرا على زمانه . كان رجلا فريدا من نوعه . كانت له نظرة سامية عن السياسة وكان يمارسها بنوع من الأناقة. المهدي أسس مؤسسات وبنيات سياسية واجتماعية وثقافية لا تزال قائمة إلى الآن بشكل أو بآخر : الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الشبيبة الاستقلالية، الطفولة الشعبية، الجمعية المغربية لتربية الشبيبة، طريق الوحدة .مثله مثل عبد الرحيم بوعبيد الذي وضع أسس المؤسسات المالية والاقتصادية كالأبناك وبنك المغرب ولاسمير وصوماكا وجنرال تاير... رجلان بصما، كل في مجاله، مغرب ما بعد الاستقلال رغم الفترة القصيرة التي قضياها في السلطة . واليوم لا نقدر عملهما حق قدره .