غادر الباحث إيفجن موروزوف بيلاروسيا سنة 2001 ليلتحق بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا، حيث كانت أبحاثه ومؤلفاته مثار اهتمام الكثيرين في أمريكا. ولقد توج أبحاثه الأخيرة بإصداره شهر يناير الماضي كتابا بعنوان «خدعة الإنترنت: الجانب المظلم لحرية الإنترنت» (The Net Delusion: The Dark Side of Internet Freedom)، والذي انتقد فيه فكرة أن الإنترنت قادر على جلب الديمقراطية للشعوب المقموعة، معتبرا أن الإعلام الغربي بالغ في تضخيم دور الإنترنت خلال الاضطرابات التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن. - يبدو أن الانتفاضات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط تدحض أطروحاتكم، ألا تقرون بدور الإنترنت في قيام الثورات، على الأقل في تونس ومصر؟ - قد يكون الإنترنت وسيلة للتحرر كما قد يكون وسيلة للقمع. أنا أقر تماما بأن الإنترنت لعب دورا تحريريا في تونس ومصر. لكن ما مهد الظروف الحقيقية للثورة هو الانهيار الاقتصادي والبطالة، أما الشبكة العنكبوتية فلم تعمل إلا على مساعدة الشباب على مشاركة مآسيهم. وفي حالات أخرى، باءت الاحتجاجات بالفشل، كما أن الحكومات أضحت تعتمد على الكم الكبير من المعلومات المتوافرة على الإنترنت، وهو ما حدث في إيران بعد مظاهرات سنة 2009، حيث قامت بالحصول على الصور المنشورة على موقع «فليكر» ووضعتها في مواقع رسمية موجهة الدعوة للتعرف على مختلف المتظاهرين الذين يظهرون فيها. - وهل يلعب الإنترنت دورا في ليبيا في الوقت الراهن؟ - لا يبدو أن الإنترنت يُستخدم على نطاق واسع في ليبيا. فثمة كم قليل من المعلومات ذات المصداقية حول ليبيا على موقع «تويتر»، ومع ذلك، فقد انتشر ت الثورة، مما يدفع إلى القول بان الشبكة العنكبوتية ليست وسيلة كافية ولا ضرورية لقيام الثورات حتى في أيامنا هاته. كما أن الثورات قامت قبل ظهور الإنترنت، وانتقلت من بلد إلى آخر دون أن يكون هناك شيء يسمى «فيسبوك». أنا لا أقول هذا لأقلل من حجمه، لكن لا بد من الخروج بخلاصات أكثر شمولية بخصوص دور الإنترنت في الانتفاضات الراهنة. - أتكون الثورات التونسية والمصرية في مقدمة الثورات التي تعتمد بشكل أساسي على الإنترنت؟ ج: ثمة نماذج سابقة للتعبئة الواسعة عبر الإنترنت. فقد نزل ملايين المحتجين إلى شوارع كولومبيا شهر فبراير 2008 للتظاهر ضد القوات المسلحة الثورية بعد أن تم توجيه نداء في ذلك الشأن عبر الإنترنت. لكن هذا لا يحول دون القول إن تونس ومصر يظلان النموذجان الأولان لثورات لعب فيها الإنترنت دورا كبيرا. وقد يكونان في نفس الوقت آخر نموذجين. فالأنظمة المستبدة ستستخلص الدروس مما حدث. وإذا كان الرئيسان التونسي والمصري قد سقطا، فلأنهما لم يعملا على تحييد الشبكة العنكبوتية كما تفعل روسيا، الصين أو إيران. ولقد كانت مصر تحتاج إلى ستة أشهر أو سبعة قبل أن تعتقل الناشط الإلكتروني وائل غنيم. في المرة القادمة، الأمر لن يتطلب سوى ست ساعات، لأن الأنظمة المستبدة تتعلم بسرعة. - ماذا عن «ثورة تويتر» سنة 2009 بإيران؟ - لا أعتقد أن موقع تويتر لعب دورا مهما في تلك الحركة الاحتجاجية سنة 2009، فجل مستخدمي الموقع كانوا من الإيرانيين الذين يعيشون في المنفى. لكن الإعلام الغربي بالغ كثيرا في الحديث عن دور تويتر. ومنذ ذلك الحين، اتخذ النظام مجموعة من الإجراءات من أجل التحكم بشكل أفضل في وسائل الإعلام الجديدة، إذ تم تخصيص العديد من وحدات الأمن لذلك الغرض، كما أصبحت للحكومة شبكتها الاجتماعية الخاصة، وكون النظام مدونين محافظين أو دينيين، كما بدأ يقوم بشن هجمات إلكترونية، كما حدث مؤخرا مع موقع إذاعة «صوت أمريكا». - هل يمكن القول إن «فيسبوك» أصبح حليفا للديكتاتوريين؟ - أجل، ولقد بدأ هذا فعلا. فقد عملت الاستخبارات السرية في السودان على توجيه نداءات عبر الإنترنت بشأن قيام مظاهرات مزيفة، حيث كان الهدف من ذلك التعرف على الأشخاص الذين سينزلون إلى الشارع واعتقالهم. وما يزال الفيسبوك وتويتر يرفضان السماح للمنشقين باستخدام أسماء مستعارة من اجل حماية أنفسهم من الأنظمة المستبدة. وفي الصين، أقدم موقع فيسبوك على تجميد حساب المنشق مايكل أنتي [جينغ زاو] بعد أن أدرك المسؤولون عن الموقع أنه ليس اسمه الحقيقي.. - ما هي البلدان التي تستخدم بشكل أفضل الإنترنت لأغراض قمعية؟ - روسيا، الصين، إيران أو بيلاروسيا... هذه البلدان لا تقوم فقط بفرض الرقابة على المواقع الإلكترونية، بل تعمل أيضا على شن هجمات إلكترونية أو نشر الدعايات على الإنترنت. ففي روسيا، يتعرض موقع صحيفة المعارضة ‹نوفايا كازيتا» بشكل متكرر لهجمات إلكترونية، مما يتطلب من المعارضين وقتا طويلا لإصلاح الخسائر، كما يفرض عليهم مراجعة عقودهم مع الشركات التي تستضيف موقعهم. - ألا تتطلب مراقبة الشبكة العنكبوتية موارد ضخمة؟ - لا، إن الاعتقاد بأن شبكة الإنترنت واسعة جدا لدرجة يصعب التحكم فيها مجرد وهم. وبإمكان الحكومات أيضا فرض الرقابة على الشركات المحلية. وهكذا، فإن السلطات الصينية تطلب من الشركات التي تستضيف المواقع بفرض الرقابة على المحتويات المعادية للحكومة. كما تقوم الصين وروسيا بنشر الدعايات على الإنترنت والتي تكون في بعض الأحيان أكثر فاعلية من الرقابة نفسها. فإذا قام مدون باتهام مسؤول بلدي بالفساد، فإن ذلك سيكون أفضل من حذف ما نشره ذلك المسؤول، وأضحى بإمكان الحكومة تعبئة مدونين مؤيدين للحكومة، فيقومون بنزع المصداقية عن أي معارض والقول إن ما يريده يخدم مصلحة الاستخبارات المركزية الأمريكية والغرب والموساد. تتوفر الصين على جيش من المدونين الذين كونتهم الحكومة. وفي روسيا، قامت بعض الشخصيات المقربة من السلطة، من قبيل كونستانتين روكوف، الذي تم حاليا انتخابه عضو بالدوما، بتكوين امبراطورية حقيقية للإعلام الجديد. وثمة أسئلة حول مصدر أموالهم. هاته الأنظمة لن تسمح بالتأكيد بمفاجآت الفيسبوك كما وقع لحسني مبارك. - تريدون القول إن التكنولوجيا الحديثة قد تساهم في تمديد حياة بعض الأنظمة الديكتاتورية؟ - الإنترنت لن يخفي المشاكل العميقة، أو البطالة أو الأزمة الاقتصادية. ورغم أن الحكومة التونسية كانت تتوفر على كل الخبرات الصينية لمراقبة الإنترنت، لكن ذلك لم يغير من الواقع الذي يقول إن ساكنة البلد شابة ومنزعجة جدا. كان على تونس أن تتعلم أيضا من الصين كيف تطور اقتصادها الوطني. ويحظى النظامان الروسي والصيني بالشعبية لأنهما يضمنان التطور الاقتصادي وحياة أفضل على الأقل لجزء من الساكنة. والإنترنت ليس سوى وسيلة لتضخيم سلطتهم. - ما الذي يجعل كل هذه الشكوك تراودكم؟ - عندما انضممت إلى منظمة «ترانزيشن أونلاين»، كنت أعتقد أن الإنترنت قد يكون قوة للتغيير السياسي. كنا سذجا. وحتى الأموال التي استثمرها الغرب في بيلاروسيا من أجل تطوير وسائل الإعلام الجديدة أضحى لها تأثير سلبي. عملت المنظمة غير الحكومية الغربية على توظيف أفضل النشطاء وقدمت لهم تعويضات مريحة مما شكل عائقا أمام إبداعهم. أنا لا أقول إنهم لا ينبغي تقديم الدعم لوسائل الإعلام الجديدة في هذه البلدان، لكن لا يجب الاعتقاد بأن الإنترنت قد يكون كافيا للسير نحو الديمقراطية. ولقد سمحت الصين لشعبها بالولوج أكثر فأكثر إلى الإنترنت ولم يغير هذا شيئا في القيادة السياسية. كم من المدونين المناضلين الذين ينبغي التوفر عليهم من أجل إدخال تغيير في البلد. اما في روسيا، فقد عرفت الفترة الممتدة من 2003 إلى 2010 قفزة كبيرة على مستوى الولوج إلى الإنترنت، لكن الديمقراطية لم تزدد إلا تراجعا. قد يحدث تغيير بعد خمسين عاما، لكن ذلك لم يتحقق الآن، عكس ما كان متوقعا في السابق. - ألا تعتقدون أن الإيمان في الغرب بقيم التحرر في عالم الإنترنت يمثل في نفس الآن طريقة للاستمرار، بحسن نية، في دعم الأنظمة الديكتاتورية؟ - بطبيعة الحال، فالغرب كان يدعم المدونين في مصر، ويعمل في نفس الآن على تزويد شرطة البلد بقنابل الغاز. الولاياتالمتحدة تتهم الصينيين بالتضييق على حرية التعبير وتبيع لهم في نفس الوقت التكنولوجيا المتقدمة كبرنامج «ناروس» الذي يسمح بفرض الرقابة على شبكة الإنترنت، أو تهاجم موقع ويكيليكس عندما أقدم على نشر وثائق كانت تريد أن تجعلها مخفية. - حذرتم أيضا من «الأفيوم الإلكتروني»، هل سيكون الإنترنت أفيوم الشعوب؟ - أنا لا أقول إن الإنترنت سيحل محل الدين، لكنني أرفض الفكرة التي ترسخت لدى الكثيرين في الغرب والتي تقول إنه يكفي أن يرتبط الروس والصينيون والإيرانيون بالإنترنت ليتم كشف انتهاكات حكوماتهم والاعتماد على تقارير منظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية. هذا لا يحدث كما أن الإنترنت قد يساهم، على عكس ما هو منتظر، في إبعاد الناس عن السياسة. والوسائل المقاومة للرقابة، والتي تحاول أمريكا تشجيعها، قد تساعد أيضا على الولوج إلى المواقع الإيباحية أو لقرصنة أفلام هوليود. عن ليبراسيون الفرنسية