جون لوي كومولي مخرج و منظر سينمائي..سبق له أن شغل رئيس تحرير مجلة «دفاتر السينما» من سنة 1968 إلى سنة 1971. يعطينا كومولي، الغني بمساره الخصب و المتعدد، تحليلا ساخنا لأفلام البروباغندا الداعشية. عبر تصوير الرعب و نشره بوسائل الغرب، هذا الغرب الذي ما فتئت داعش تصرح برغبتها في تدميره، عبر ذلك تقوم داعش بنشر و تعميم الهلع و الرعب في كل مكان من عالمنا. لكن عوض الاستسلام لهذا السلوك المتمثل في هذا النشر الهمجي للرعب، من الأجدر أن يقوم كل واحد منا بالتصدي لهذه الظاهرة انطلاقا من تجربته الخاصة. هذا ما يقوم به جون لوي كومولي في كتابه بعنوان «داعش، السينما و الموت» الصادر خلال شهر غشت المنصرم عن منشورات فيرنيي الفرنسية. كانت السينما منذ بداياتها الأولى تفلِم (تصور) الحياة. تعيد السينما خلق الحياة. تتابع الصور الثابتة يقدم لنا الحركة، والحركة تقول أو تعبر عن الحياة (ص 52). كانت السينما في البداية باللونين الأبيض والأسود كما هو معلوم. و مع ذلك كان أوائل المتفرجين يرون فيها الحياة. إن السينما، شأنها في ذلك شأن المسرح، هي شكل من اللعب: إننا نتظاهر...إذا كان هناك موتي، فإن الأحياء هم الذين يحاكونهم..و عندما ينتهي التصوير ينهضون و يذهبون لحال سبيلهم..من جانب آخر، يمكننا أن نشاهد ممثلين موتى يؤدون أدوارا بعد موتهم بوقت طويل، لكن بطراوة كبيرة...هكذا إذن تتقدم السينما، بشكل ما، بهاتين الصيغتين، كما لو كانت تهكما من الموت. أما تصوير الموت أو القتل واقعيا فهو نوع من عدم احترام السينما.. نموذج رمزي لعدم احترام داعش للحياة ككل... إن الإطار حسب كومولي هو السينما(ص 11). يدل الإطار على إرادة القول و على إرادة جعل الآخر يحس بما نقوم به. بهذا المعنى فإن داعش تنجز السينما بشكل جيد..تتوفر داعش على شركة إنتاج ALHAYAT MEDIA CENTER التي تعني الحياة باللغة العربية (ص 15). في هذا السياق، يضع المؤلف مجموعة من الملاحظات الأساسية: لا تتوفر أفلام داعش على حواشي مكتوبة، بما يعني أنها موجهة أكثر إلى المسلمين العرب، مع أنها موجهة إلى جميع الناس. و هي أشرطة بورنوغرافية، بمعنى أنها تقوم بإقصاء خارج الحقل. و بالفعل، فإن السينما، من حيث هي بالضرورة ذات إطار، فإنها تخفي بنفس القدر الذي تظهر: هنا، كما في السينما البورنوغرافية، لا شيء يتوارى عن الأنظار. يتم إظهار تفاصيل الفعل خارج السياق. هناك أسلوب سينمائي معين، يحظى فيه خارج الحقل تقريبا بنفس أهمية ما نشاهده على الشاشة. و هناك سينما ما يهم فيها بالأخص، أو بصفة استثنائية، هو ما يظهر على الشاشة، و هو ما يجب أن يشتمل فورا على انتصارات، و أفعال سريعة، و مؤثرات خاصة. داعش و هوليود تشتركان في الانتماء إلى سينما المضامين، بينما الأسلوب الآخر المتميز هو سينما الشكل. (ص94). سينما داعش عبارة عن إنتاج مشترك، يرتكز بالأساس على لا إنسانية الإنسان. إن رؤية الرعب تحمل خاصية شبق العيون (ص46)، التي سبق للقديس أوغسطين (354-430) أن تحدث عنها، والتي تتصل بإيروتيكية الأجساد. من خلال الإقدام على القتل ثم التصوير الفيلمي لهذا القتل، و عبر النشر الفوري الآني لمشاهد القتل المرعبة تلك، تنتصر داعش للسينما الرقمية. نسجل أن بعض القتلة يحملون كاميرات من نوع Go Pro. يوجد هنا نوع من الانتصار للسينما الرقمية. انتصار نظام شامل، كلي، لا نستطيع التمييز بداخله بين الصحيح و الخطأ («الخدع» الرقمية هي خدع سهلة و غير قابلة للاستعادة). كانت الإيديولوجيات المسلحة السابقة، التي نعرف مدى كراهيتها للآخرين (النازية مضت إلى أبعد حد في هذا الاتجاه) كانت هذه الإيديولوجيات مع ذلك تخفي جرائمها، أو في جميع الأحوال، كانت تسعى إلى مراقبة انتشار الصور. هاهنا يكون التشدد في الموقف إزاء الآخر، الكافر، المرتد، الجنسيون المثليون، النساء...يصل درجاته القصوى. داعش تؤسس خطابها التبريري من خلال تقديم نفسها في دور السادة و الأشرار في الوقت ذاته. تقدم داعش نفسها كقوة كلية شاملة..كل شيء ينطلق منهم، لا شيء يعود إليهم، يبلغون جميع الناس، و يحتكرون كل شيء و كل الناس، و لا شيء يصلهم بالمقابل (ص109). يقدم جون لوي كومولي بهذا العمل أشكالا من التفكير بشكل موثق، مستحضرا مشاهد قتل ممثلة، و افلاما، و مؤلفين، رولان باث مثلا...و ذلك لكي يقترح رؤية أنثروبولوجية شاملة لوضعية عامة، تعتبر داعش و أفلامها تحقيقا متطرفا لها. عن «أفورافوكس» الإلكترونية