يعتبر ديفيد لينش وبشهادة جميع المراجع السينمائية من بين أكثر المخرجين إثارة، غرابة و تفردا، حيث استطاع بجدارة نحت اسمه في تاريخ السينما. ابتدأ ديفيد لينش مسيرته الفنية في سن مبكرة نسبيا، حيث التحق سنة 1964 بمعهد «متحف بوستن» للفنون لدراسة الفن. في نفس السنة سوف ينقطع عن الدراسة بسبب رحلة قصيرة ،كان من المفترض أن تدوم ثلاث سنوات، مع الفنان جاك فيسك إلى أوروبا. سيعود على إثرها ديفيد لينش هذه المرة إلى الولاياتالمتحدة ليلتحق بأكاديمية بنسلفينا للفنون الجميلة. لكن سرعان ما سينتقل من مجال الرسم إلى عالم السينما، حيث سيقوم أثناء دراسته بالمعهد بإخراج فيلمين قصيرين: «الحروف الأبجدية»والجدة وهما الفيلمين الذين يصفهما لينش ب «اللوحات الفنية». ويعود السبب وراء تفضيل لينش للسينما عن الرسم، وبالتالي عن باقي الأشكال الفنية الأخرى، إلى أن «السينما نفسها تحتوي على فكرة الزمن والسرد والحوار والموسيقى والمؤثرات الصوتية، وهذه الأشياء تتيح له أن يعبر عن أفكاره وأحاسيسه التي لا يمكن التعبير عنها باستخدام أي وسيط فني آخر». في سنة 1977 ستكون الانطلاقة الحقيقية لديفيد لينش في مجال السينما، حيث سوف يقوم بإخراج أول فيلم مطول له بعنوان «رأس الممحاة». حيث استطاع الفيلم، منذ أول عرض له، جلب انتباه النقاد والمهتمين بالسينما نظرا للأسلوب السينمائي الفريد الذي يتميز به، والذي يصنفه النقاد بالسريالي، حيث يمزج فيه المخرج الأمريكي بين عناصر مختلفة : الواقع والأحلام، الوعي واللاوعي والغرابة والغموض والاستفزاز. وهي نفس العناصر التي تميز باقي أفلامه. إن الدرس السينمائي الذي نقترحه على القارئ في هذا الأسبوع يشكل حلقة من سلسلة من الدروس السينمائية التي قام بجمعها المخرج والسيناريست والناقد السينمائي الفرنسي لوران تيرارد في كتاب صادر سنة 2004. لم يسبق أن طلب مني أحد قط تدريس الإخراج، ولا اعتقد بصراحة أنني سأكون جيدا في ذلك على أي حال. طوال حياتي، لم آخذ سوى دورة تدريبية (course) واحدة حول الفيلم مع مدرس يدعى فرانك دانيال. كانت حصة حول التحليل الفيلمي، بحيث كان الأستاذ يطلب من الطلاب مشاهدة أفلام ويتم التركيز فقط على عنصر معين من الفيلم: الصورة، الصوت، الموسيقى، التمثيل ... بعد ذلك يقوم الجميع في القسم بمقارنة ملاحظاتهم. الأشياء التي كنا نكتشفها كانت فعلا مدهشة. لقد كان درسا رائعا، ولكن الشيء الذي جعله فعلا ينجح هو دانيال الذي كانت لديه، مثل جميع الأساتذة، القدرة على إلهام وتحفيز الطلاب. لا اعتقد أن لدي هذه القدرة، وتلك المعرفة الموسوعية حول تاريخ السينما، ولست جيدا في إعطاء المحاضرات، أيضا، لذلك أنا لا أدري ما يمكن أن اقوله للطلاب، باستثناء شيء واحد: خذ الكاميرا واذهب لصنع فيلم. على أي حال هذه هي الطريقة التي تعلمت بها، في البداية كنت أريد أن أكون رساما. لكن بعد فترة، عندما كنت أدرس الفنون الجميلة، قمت بتصوير فيلم رسوم متحركة الذي قمت بعرضه، على شكل حلقة، فوق شاشة منحوتة. لقد كان مشروعا تجريبيا. كانت الفكرة هو جعل الفيلم يبدو مثل ‘'لوحة حية''. لقد شاهد رجل هذا الفيلم فأعجب به كثيرا. عرض علي هذا الرجل قدرا من المال مقابل أن أصنع له فيلما آخر. لقد حاولت، ولكن بطريقة ما، لم أنجح. فقال لي ‘'لا عليك احتفظ بالمال واصنع به ما تشاء''. قمت بعدها بإنجاز فيلم قصير، الذي حصلت بفضله على جائزة، وعلى التمويل، لإنجاز Eraserhead. هكذا كانت البداية بالنسبة لي. مراجعي لو اضطررت لاختيار مجموعة من الأفلام التي تمثل بالنسبة لي نماذج مثالية في الإخراج، اعتقد أنه يمكنني أن أحصرها في أربعة أفلام. الأول سيكون فيلم 81⁄2 نظرا للطريقة الفريدة التي تمكن بها فيديريكو فلليني Federico Fillini من إنجاز هذا الفيلم وهو ما يسميه جل الرسامين التجريدين – ايصال شعور بدون أن تقول أو تظهر أي شيء بطريقة مباشرة، وبدون شرح أي شيء، عن طريق نوع من السحر المحض. لأسباب مماثلة، سوف أختار فيلم شارع الغروب Sunset Boulevard، على الرغم من أن أسلوب بيلي وايلدر Billy Wilder مختلف كثيرا عن أسلوب فيليني، إلا أن وايلدر تمكن من خلق نفس الجو التجريدي بمختلف الحيل الأسلوبية stylistic والتقنية. إن هوليود التي يصفها في هذا الفيلم لم يكن لها ربما أي وجود، ولكن المخرج يجعلنا نعتقد أنها حقا موجودة ويجعلنا ننغمس فيها مثلما نفعل في الأفلام. بعد ذلك،سأختار فيلم عطلة السيد هيلو Les Vacances de Monsieur Hulot نظرا لوجهة النظر المدهشة التي يرسمها جاك تاتي Jacques Tati حول المجتمع عبر شخصية السيد هيلو. عندما نشاهد أفلامه ندرك حجم معرفة المخرج – وحبه – للطبيعة الإنسانية، ولا يمكن لهذا إلا أن يكون مصدر إلهام لك لفعل نفس الشيء. وأخيرا هناك فيلم النافذة الخلفية Rear Window، نظرا للطريقة الذكية التي تمكن بها ألفريد هيتشكوك Alfred Hitchcock من خلق - أو بالأحرى إعادة خلق – عالم كامل داخل مساحة ضيقة. جيمس ستيوارت James Steward لم يغادر قط كرسيه المتحرك طوال الفيلم، ومع ذلك، من خلال وجهة نظره نتابع مخطط عملية قتل معقدة جدا. نجح هيتشكوك في هذا الفيلم في أخذ شيء ضخم ثم قام بتركيزه في شيء صغير جدا. ولقد تم تحقيق ذلك عبر تحكم كامل في تقنية الإخراج. إبق وفيا للفكرة الأصلية في بداية كل فيلم، هناك فكرة، قد تأتي هذه الفكرة في أي وقت ومن أي مصدر. قد تأتيك من خلال مشاهدتك للناس في الشارع، أو في أي لحظة تفكير وأنت جالس وحدك في المكتب. يمكن للفكرة أن تستغرق سنوات حتى تأتي أيضا. لقد عرفت مثل هذه الفترات العجاف. ومن يدري، فقد تمر خمس سنوات أخرى حتى تأتيني فكرة تعجبني من أجل الفيلم. ما تحتاجه هو إيجاد فكرة فريدة ملهمة، بمجرد أن تحصل على ذلك، مثلما يحصل في الصيد: تستعمل هذه الفكرة مثل الطعم الذي سوف يجذب كل شيء آخر. ولكن كمخرج، تظل أولويتك الأساسية هي البقاء وفيا للفكرة الأصلية. سوف تواجه عدة عقبات، ويمكن للوقت أن يمحو الكثير من الأشياء من عقلك. ولكن لا يمكن القول إنك انتهيت من الفيلم حتى لا يبقى لك أي لقطة يجب توضيبها أو أي صوت يجب مزجه. كل قرار مهم مهما كان حجمه. ويمكن لكل عنصر إما أن يدفع بك إلى الأمام أو إلى الخلف. يجب عليك أن تكون منفتحا على الآراء الجديدة، ولكن في نفس الوقت يجب عليك دائما أن تكون مركزا على الفكرة الأصلية. إنه نوع من المعايير الذي يمكنك إستخدامه من أجل تقييم صحة كل إقتراح جديد. الحاجة للتجريب experiment يحتاج المخرج إلى أن يفكر بعقله وقلبه. يجب عليه الربط باستمرار بين العقل والعواطف في عملية اتخاذ القرارات. إن الحكي شيء أساسي. أنواع القصص التي أحبها هي التي تحتوي على نسبة معينة من التجريد، والتي تعتمد أكثر على الفهم الفطري عوض الفهم المنطقي. بالنسبة لي إن قوة الفيلم تكمن في تجاوز المهمة البسيطة لسرد قصة ما. فالأهم هو الطريقة التي نسرد بها القصة وكيف تتمكن من خلق عالمك الخاص. الفيلم لديه القدرة على تصوير الأشياء الغير مرئية. مثل النافذة التي من خلالها يمكنك الولوج إلى عالم مختلف، شيء أقرب الى الحلم. أعتقد أن الفيلم لديه هذه القدرة لأنه، على خلاف باقي الأشكال الفنية، يستعمل الزمن كجزء من سيرورته. الموسيقى لديها أيضا شيء من هذا القبيل. تبدأ في مكان ما، وبعد ذلك، نوتة بعد نوتة تقوم ببناء شيء تدريجيا حتى تصل إلى نوتة معينة، التي تخلق لديك شعورا قويا. ولكن هذا الأمر ينجح فقط بفضل النوتات السابقة وبطريقة توظيفها. المشكل في هذا، بالطبع، أنه بعد فترة حتى القواعد الأساسية يمكن ألا تعمل بشكل جيد. سيضيع عندئذ عنصر المفاجأة. لهذا أعتقد أن التجريب أمر أساسي. لقد قمت بالتجريب في جميع أفلامي، وأحيانا أرتكب بعض الأخطاء. إذا كنت محظوظا، أدرك ذلك في الوقت المناسب، وأقوم بالتغييرات المناسبة قبل الانتهاء من الفيلم. وإلا سيكون ذلك الخطأ درسا لي في الفيلم المقبل. لكن في بعض الأحيان، يتيح لي التجريب اكتشاف شيء رائع لم أتخيله أو أخطط له. وما من شيء يمكنه مكافئتك بهذا الشكل مثل هذا. قوة الصوت لقد اكتشفت قوة الصوت منذ البداية. عندما قمت بإنجاز تلك «اللوحة الحية» عبر جهاز العرضprojector و الشاشة المنحوتة، كان هناك أيضا صوت صفارات إنذار يصاحب الصورة. منذ ذلك الوقت، لطالما اعتقدت أن الصوت يشكل نصف مكونات الفيلم. لديك الصورة من جهة، والصوت من جهة أخرى. وإذا كنت تعرف كيف تربط بينهما بشكل صحيح، عندئذ الكل سوف يكون أقوى من نتاج جميع الأجزاء. تتكون الصورة من أجزاء مختلفة، معظمها يصعب التحكم فيه بطريقة جيدة: الضوء، التأطير frame، التمثيل، إلخ. الصوت - وأضم الموسيقى الى هذه الفئة- هو وحدة ملموسة وقوية تسكن جسد الفيلم. بطبيعة الحال، يجب عليك إيجاد الصوت الصحيح، الشيء الذي يحتاج الكثير من النقاش والكثير من الاختبارات. هناك عدد قليل من المخرجين القادرين على استخدام الصوت بطريقة تتجاوز الجانب الوظيفي المحض. والسبب في ذلك، هو اهتمام المخرجين بالصوت فقط بعد مرحلة التصوير. ومع ذلك، غالبا ما تكون الجدولة الزمنية لمرحلة ما بعد الإنتاج ضيقة بحث لا يكون لدى المخرجين الوقت الكافي لإيجاد أي شيء مثير للإهتمام، سواء مع مصمم الصوت أو مع الملحن. لهذا في السنوات القليلة الأخيرة- أعتقد منذ فيلم Blue Velvet- حاولت العمل على جل الموسيقى قبل التصوير. أناقش القصة مع المؤلف الموسيقي Angelo Badalamenti وأقوم بتسجيل كل أنواع الموسيقى التي استمعت لها أثناء تصوير الفيلم، سواء عبر السماعات headphones خلال المشاهد الحوارية أو عبر مكبرات الصوت loudspeakers بحيث يحصل الطاقم بأكمله على المزاج الصحيح. إنها وسيلة رائعة. إنها مثل البوصلة تساعدك على إيجاد الاتجاه الصحيح. أشتغل بنفس الطريقة على الأغاني. عندما أستمع الى أغنية أحبها، أسجلها ثم أقوم بحفظها في مكان ما حتى أجد الفيلم المناسب لأستخدمها فيه. على سبيل المثال، كانت هناك أغنية ل Mortal Coil بعنوان Song to the Siren التي طالما أحببتها. حاولت استخدامها في فيلم Blue Velvet لكنها لم تكن مناسبة للفيلم. لذلك انتظرت. وعندما بدأت بالعمل على فيلم Lost Highway شعرت هذه المرة أنني أستطيع استعمال هذه الأغنية. هناك الكثير من الأغاني الأخرى التي تعني لي الكثير وأنا ما زلت أنتظر الوقت المناسب لاستخدامها في أفلامي القادمة. الممثلون مثل الآلات الموسيقية إن العثور على ممثل قادر على لعب دور محدد ليس بالأمر الصعب. ولكن ما هو أصعب من ذلك هو العثور على الممثل المناسب. ما أعني هو أنه لكل دور يوجد ستة أو سبعة ممثلين يمكنهم إعطاءك آداء جيدا. لكن جميعهم سوف يلعبون بطريقة مختلفة. الأمر شبيه بالموسيقى. يمكنك عزف نفس المقطوعة الموسيقية بالبوق trumpet أو بالناي، فكلاهما يمكن أن يعطيك شيئا رائعا، ولكن في اتجاهين مختلفين. عليك فقط أن تقرر ما هو الاختيار الأفضل. بمجرد اختيارك للممثلين، بعد ذلك أعتقد أن السر للحصول على أفضل أداء هو خلق جو مريح داخل موقع التصوير. يجب عليك إعطاء الممثلين كل شيء يحتاجونه. ففي نهاية المطاف، إنهم الوحيدون الذين يقومون بأكبر التضحيات. هم الذين يقفون أمام الكاميرا. إنهم الأشخاص الذين لديهم الكثير ليخسرونه. وعلى الرغم من أنهم يستمتعون بعملهم، إلا أنهم يظلون خائفين مما ستؤول إليه نتيجة الفيلم. لهذا يجب عليهم الشعور بالأمان قدر الإمكان. لا أحاول أبدا أن أتحايل أو أعذب الممثلين. لا أصرخ أبدا.. حسنا، في الواقع أفعل ذلك أحيانا. ولكن دائما ما يكون ذلك بسبب الإحباط وليس لأني أعتقد أن الصراخ سوف يساعد المشهد. عليك التحدث كثيرا مع الممثلين حتى تتأكد من أنك تسير على طول الدرب نفسه. وبمجرد تعود الجميع، عند كل كلمة، عند كل حركة يقوم بها الممثلون سوف يتم إتقانها بشكل طبيعي. يمكن للبروفات أن تساعد في إيجاد النبرة الصحيحة. ولكن يجب عليك أن تكون حذرا. شخصيا، أخاف دائما من فقدان عفوية المشهد بسبب كثرة التمرن عليه. أنا لا أريد أن أخسر السحر magic الذي يمكن أن يحصل أحيانا في المحاولة الأولى. تقبل هواجسك الناس لا يحبون الرتابة. لا أحد يحب أن يفعل نفس الشيء مرارا وتكرارا. في نفس الوقت، الجميع عبيد بطريقة ما، ولو قليلا، لأذواقه الخاصة. هذا الشيء يجب عليك تقبله بدون الحاجة للوقوع في فخ ذلك. كل مخرج في تطور، ولكنها عملية بطيئة،وليس هناك سبب يدفعك لمحاولة تسريع ذلك. من الواضح أنني أفضل نوعا معينا من القصص، ونوعا معينا من الشخصيات. هناك تفاصيل تعود بشكل متكرر في كل أفلامي، مثل الهواجس. على سبيل المثال، أنا مهووس بالملمس texture- أحب هذه الكلمة- وهو شيء يلعب دورا كبيرا في أفلامي. ولكنه ليس على الإطلاق بقرار واع. غالبا ما أدرك ذلك فيما بعد، وليس قبل. ولا أعتقد أن الأمر يستحق التفكير لأنه في النهاية، لا يوجد شيء يمكنك فعله حيال هواجسك. يمكنك التحدث فقط عن الأشياء التي تفتنك. يمكنك خلق قصص وشخصيات فقط إذا كنت تحبها. الأمر شبيه بالنساء: البعض من الرجال يحب فقط الشقراوات، وبوعي أو بغير وعي، لن يكون لهم أي علاقة غرامية مع امرأة سمراء، إلى حين ربما في يوم من الأيام يلتقون بسمراء تكون فريدة من نوعها بحيث تغير كل شيء. نفس الشيء مع الأفلام. اختيارات المخرج تعمل على نفس مستوى الهواجس. وهو ليس بالشيء الذي يجب عليك تجنبه. بل على العكس، عليك تقبله، وربما حتى اكتشافه. سري وراء حركة الدولي (Dolly) كل مخرج لديه بعض الخدع التقنية. على سبيل المثال، أنا أحب أن ألعب بالتعاكس contrast. أحب استعمال العدسات التي تعطي عمقا أكثر للحقل field، كما أحب اللقطات المقربة closeups، مثل المباراة الشهيرة التي تم تصويرها في فيلم Wild at Heart لكن لا شيء من هذا منهجي. وومع ذلك لدي طريقة خاصة جدا لتحريك العربة Dolly. وهو الشيء الذي قمت بتجريبه في فيلمي Eraser-head. ومنذ ذلك الحين وأنا أستعملها. لجعل الطريقة تنجح، تقوم بتحميل العربة Dolly بمجموعة من أكياس الرمل حتى تصبح ثقيلة بحيث يبدو الأمر بأنها لن تتحرك. يتطلب دفع العربة عدة رجال، تبدأ بالتحرك بوتيرة بطيئة جدا، مثل محرك القطار القديم. بعد فترة من الوقت، على الرغم من أن الأمر يستغرق الكثير من الزخم لأن الرجال الذين كانوا يدفعون يجب عليهم البدء بالسحب لجر العربة إلى الوراء. يجب عليهم السحب بكل ما أوتوا من قوة، إنها عملية مرهقة، ولكن النتيجة تظهر على الفيلم بشكل سلس ورشيق لا يصدق. أعتقد أن أفضل حركة للكاميرا قمت بها في أفلامي هي مشهد من فيلمي The Elephant man عندما اكتشفت الشخصية، التي يلعبها الممثل Anthony Hopkins، الرجل الفيل لأول مرة. تتحرك الكاميرا ببطء للاقتراب من وجه الشخصية مظهرة ردة الفعل على وجه هوبكنز. من الناحية التقنية، الحركة كانت جد جيدة، ولكن أيضا، فقط عندما توقفت الكاميرا أمام وجه أنتوني هوبكنز، حيث تظهر دمعة على وجهه. هذا الشيء لم يكن مخططا له على الإطلاق. إنها فقط واحدة من تلك الأشياء السحرية التي تحدث أثناء التصوير. وعلى الرغم من أنها كانت اللقطة الأولى، عندما رأيت ذلك، قررت أنه لا داعي لتجريب محاولة أخرى. أنت هو سيد فيلمك بما أن أفلامي تحاول إما أن تفاجئ أو تصدم الناس، غالبا ما يطرح على السؤال إن كان من الخطأ محاولة إرضاء الجمهور. الحقيقة هي، أنني لا أعتقد أن هذا شيء سيء، طالما أن هذا لا يتعارض مع متعتك الخاصة ورؤيتك الخاصة للقيام بذلك. على أي حال، من المستحيل إرضاء الجميع. ف»ستيفن سبيلبرغ» StevenSpielberg مخرج محظوظ، لأن الجمهور يحب أفلامه، ومن الواضح أنه سعيد بإرضائهم. إذا حاولت إرضاء الجمهور، ومن من أجل تحقيق ذلك، قمت بصنع فيلم ربما لن تريد مشاهدته بنفسك، ستجد نفسك متجها نحو الكارثة. لهذا أجد أنه من العبث لكل مخرج يحترم نفسه أن يصنع فيلما بدون التحكم في القرار. هناك عدة قرارت يجب اتخاذها، والمخرج هو الذي يجب عليه الحسم فيها- وليس مجموعة من الناس الذين ليس لديهم أي استثمار عاطفي في الفيلم. لذلك نصيحتي لكل المخرجين الشباب هي التالية: اِبق مسيطرا على فيلمك من البداية إلى النهاية. من الأحسن عدم صنع فيلم على الإطلاق على التخلي عن سلطة إتخاد القرار الأخير. لأنه إذا قمت بذلك سوف تعاني كثيرا. وأنا أعرف ذلك انطلاقا من التجربة. لقد قمت بتصوير فيلم Dune بدون سلطة القرار النهائي، ولفقد انهرت بسبب النتيجة التي استغرقت مني ثلاث سنوات قبل أن أقوم بفيلم آخر. ما زلت غير قادر على تجاوز ذالك إلى اليوم. إنه جرح لا يندمل. 10 دروس حول الإخراج لديفيد لينش 1- يكمن التشويق في البحث عن فكرة جيدة « الأفكار مثل الأسماك، إذا كنت ترغب في صيد سمكة صغيرة يمكنك الإكتفاء بالبقاء في المياه الضحله. ولكن إذا كنت تريد اصطياد سمكة كبيرة عليك الذهاب عميقا. ففي الأعماق توجد الأسماك الأكثر قوة والأكثر نقاوة. فهي ضخمة، مجردة وجميلة جدا». نحن لا نعرف الفكرة حتى تدخل إلى عقلنا الواعي. الأفكار يجب أن تسافرعبر سبل مختلفة حتى تصل الى عقلنا الواعي. لذلك عبر التجاوز، تبدأ مرحلة توسيع هذا الوعي وجعل اللاوعي واعيا. يمكن أن تجد الأفكار في مستوى أعمق، حيث تجد معلومات أكثر وتشويقا أكثر. تكمن السعادة في الفعل، فهو الشيء الوحيد الذي يعطيني متعة أكثر. الحصول على مزيد من الافكار يصبح بعدهاأسهل، جنبا الى جنب مع نوع من الشعور بالامان الداخلي الذاتي. في الماضي، لم يكن لدي الكثير مثل هذاالشعوربالأمان الذاتي. 2- القوة الداخلية هي المفتاح للعمل في مجال الترفيه «الكثير من الفنانين يظنون أنهم يريدون الغضب، ولكن غالبا مايتملكهم غضب حقيقي، قوي ومرير يستحوذ على عقلهم، مما لا يدع مجالا للإبداع» في هذا العمل، أو في أي عمل، يمكن تحطيمك بسهولة إذا لم يكن لديك هذه القوة الداخلية. فكلما كانت لديك السعادة، كلما اصبحت الحياة مجرد لعبة بدل معاناة. وهكذا تنظر إلى الناس الذين يسببون لك التوتر. ويمكن أن يحدث أن تكون قد وضعت للتو بذراعك من حولهم وتقول «دعنا نذهب لنتناول القهوة»، كل شيء يبدو أكثر سعادة. لطالما تساءلت إذا كان التأمل التجاوزي من شأنه أن يجعل المرء أكثر هدوءا بحيث لا يريد فعل أي شيء. أن تصبح مجرد شخص لطيف يريد فقط أن يستمتع بأكل المكسرات والزبيب. ولكن الأمور ليست على هذا النحو. يمكنك الحصول على المزيد من الطاقة. هذا هو مجال الطاقة الغير المحدود داخل كل إنسان. هذا الجانبالمرتبط بالسعادة جد مهم بالنسبة للعمل. من المهم جدا أن تكون سعيدا وأنت تقوم بذلك. 3- الإيجابية شيء أساسي في العملية الإبداعية «هناك الكثير من المشاكل في العالم، الكثير من السلبية. لا تقلق بشأن الظلام، قم بإشعال الأضواء، و سيتلاشى الظلام تلقائيا». إن القصة غالبا ما تحمل بداخلها صراعات وتناقضات، أوقات شدة و رخاء، وضعيات حياة وموت. ويمكن أن يكون هناك الكثير من المعاناة في القصص. ولكن نقول الآن ليس من الضروري أن يعاني الفنان حتى يظهر المعاناة. يجب عليك فقط أن تفهم الوضع الإنساني،أنتفهم المعاناة. هناك الكثير من الفنانين يقولون إن الغضب، وحتى تجربة الخوف أو شيئا من هذا القبيل، يغدي العمل. لذلك إن الفنان الذي يعاني هو مفهوم رومانسي. ولكن إذا كنت تفكر بذلك إنها رومانسية للجميع باستثناء الفنان. إذا كان الفنان يعاني حقا، إن الأفكار لن تنساب بشكل جيد ،وإذا كان حقا يعاني لن يستطيع حتى العمل. أقول إن السلبية هي عدو الإبداع. 4- كل شيء يجب أن يخدم الدفع بالفكرة إلى الأمام «أنا لا أفكر في التقنية.الأفكار تملي على كل شيء. يجب عليك أن تكون وفيا لذلك، وإلا لا محالة أنت ميت.» بالنسبة لي هناك دائما حبكة، هناك قصة منطقية. ولكن في هذه القصة هناك أشياء أكثر تجريدا مثل المشاعر. السينما قادرة على تجسيد هذه المشاعر والأفكار المجردة. يمكن للسينما أنتعود بالزمن الىالوراء أو الى الأمام، وهو الشيء الذي يجعل منها فنا ساحرا. يمكنك أن تقوم بذلك لتحقيق الأفكار التي تغرم بها. الأفكار مثل الهدايا، هدايا جميلة. وأنا دائما ممتن جدا عندما أحصل على فكرة أقع في حبها. إنه يوم جميل عندما تحصل على فكرة تحبها. ما نحتاج إليه فعلا هو الأفكار. هذا هو الشيء الوحيد الذي نحتاج بالفعل. 5- لا تتسرع! الفكرة تأتي دائما في المرتبة الأولى ليس لدي أي مشكلة في الحصول على التمويل. لدي مشكلة في الحصول على الأفكار التي أقع في حبها، والتي تكون فيها ميزة العمل المقبل» لا تفكرأبدا في المال أو فيما سيحدث بعد الانتهاء من الفيلم. أول شيء تحتاجه هو فكرة تقع في حبها. هذه الفكرة هي التي تملي عليك كل شيء: المزاج الذي تختاره للشخصيات، طريقة تحدثها، تقول لك القصة، تظهرلك كل التفاصيل. لذلك، كل ما عليك القيام به هو البقاء وفيالهذه الفكرة وأنت تصورفيلمك. حتى مع وجود كمية قليلة من المال فمن الممكن دائما إيجاد طريقة لإنجاز الأشياء. لذلك اِبق وفيا للفكرة ولا تدع أي أحد يتدخل فيها. بما في ذلك كل القواعد التي تضمن لك الكلمة الفصل والحرية الإبداعية. إذا لم يكن لديك الكلمة الفصلأ وحرية الإبداع فما جدوى فعل أي شي؟ 6- يجب على الجميع أن ينخرط في فكرتك «أسمح دائما للممثلين بالتمرن على أفكارهم قبل التصوير، وبعد ذلك أخبرهم بالمواقف التي أريد. إذا كان المشهد غير صادق، فغالبا ما يظهر ذلك بشكل جلي.» هنا تكمن الخدعة في جعل الجميع يعمل معك للذهاب في نفس الطريق و بناءا على نفس الأفكار. ويمكنك القيام بذلك عن طريق الكلام. في قسم الدعم مثلا، يمكن للمسؤول عن هذا القسم جلب أشياء لي. و يمكن أن تكون هذه الأشياء جيدة جدا و لكنها لا تتوافق مع الفكرة. لذلك يمكنك أن تخبر هذا المسؤول بطريقة مباشرة و صريحة بالسبب وراء عدم توافق هذه الأشياء مع الفكرة والبحث عن أشياء أخرى بديلة. و في المرة المقبلة التي يأتي فيها ، ستكون هذه الأشياء أقرب الى الفكرة. وفي أحد الأيام، سيأتي المسؤول بالأشياء المناسبة لأنه قد إستوعب هذه المرة الفكرة. أنهج نفس الطريقة مع الممثلين . مع البروفات، تقترب أكثر فأكثر الى الفكرة عن طريق التحدث إلى الممثلين مرارا وتكرار. أقول دائما، يمكن للممثلين إستيعاب الفكرة: في الطريقة التي يتحدثون بها، في الطريقة التي يفكرون بها، في الطريقة التي يتحركون بها. أتبع دائما نفس النهج مع جميع الأقسام الي تقدم لي العون. 7- إبحث دائما عن الأشياء التي تلهمك، لا عن الأشياء التي تؤثر عليك. «أحب أن أتذكر الأشياء على طريقتي الخاصة، ولكن ليس من الضروري أن أتذكرها بنفس الطريقة التي وقعت بها» هناك فرق كبير بين التأثير والإلهام. لم يكن لي دائما معرفة كبيرة بالسينما. ولم أكن في حقيقة الأمر مهتما بتاريخ الفن عندما كنت رساما. بالنسبة لي، كنت دائما أقول إن مدينة فيلاديلفيا هي من بين أكثرالأشياء التي كان لها تأثير كبير علي. إن مزاج هذا المكان عندما كنت أعيش هناك ، الشعور في الهواء، الهندسة المعمارية للمدينة، الجنون، الفساد، والخوف من السباحة في تلك المدينة هي الأشياء التي رأيتها في الأفلام. لا يهمني حقا ما يجري في العالم أو ما يجري في عالم السينما. ومع ذلك، يمكنك أحيانا مشاهدة فيلم فتجد فيه حقا شيئا عظيما. أو يمكن أن ترى بعض اللوحات الجديدة وتقول: «هذا الشخص لديه حقا شيئا رائعا»، إن الإلهام هو الشيء الذي يدفع بك الى الأمام. 8- لا تتجاهل الانتقالات «أعتقد أن الإعلانات التجارية يمكن أن تفسد الأغنية.أنت تعرف أن الشخص يبيع الأغنية مقابل صفقة جيدة، و لكنها في حقيقة الأمر صفقة غير مربحة. يمكن المزاوجة بين الموسيقى والصورة بشكل جميل والعكس صحيح أيضا» إن السينما قريبة جدا من الموسيقى. فهذه الأخيرة تتميزفي كثير من الأوقات بوجود أقسام مختلفة : أصوات عالية و منخفضة، تقنية سريعة وأخرى بطيئة. فكل شيء يتتحرك الى الأمام بوتيرة معينة. الجميع يعرف أن قطعة موسيقية مكتوبة على ورقة، و أن مسيرا مع أوركسترا معينة يمكنه الحصول على شيء يفوق بشكل عميق قدرة الآخرين. إنه حقا لشيء ساحر. السينما تتحرك عبر الزمن مثل الموسيقى. تتحرك من مشهد الى آخر. من بين الأشياء المهمة في العملية توجد مسألة الانتقالات من شيء الى آخر. الانسياب السلس من شيء لآخر. 9- السينما لا تحتاج الى إعطاء بيانات شاملة حول المجتمع « الحياة معقدة جدا، و كذلك يجب أن تكون الأفلام» في كثير من الأوقات عندما ينتهي شخص ما من تصوير الفيلم و داخل هذا الفيلم يوجد رجل أو إمرأة، عندئذ شيء ما يحدث. سيقول الصحفيون «أوه هل هذا يعني أنك تشعر بهذه الطريقة تجاه النساء و الرجال بشكل عام». هذه المرأة لا تمثل جميع النساء، وهذا أمر مهم جدا. 10- سليلويد (الشريط السينمائي) أم التكنلوجيا الرقمية؟،هناك مجال لكليهما «الفيديو الرقمي جميل جدا، إنه خفيف،عصري، و الأمر في تحسن الى الأفضل» لفترة طويلة وأنا أدافع عن الرقمية. لقد أغرمت بالتكنلوجيا الرقمية مع فيلمي. مؤخرا كنت أشتغل على مشاهد محدوفة من فيلمي، و لأول مرة منذ مدة طويلة رأيت مقطعا لفيلم من السليلويد. لقد فتنت بعمق الجمال الذي يمكن أن يمنحك إياه السليلويد. أحب تصوير المصانع، و أعتقد أن تصوير المصانع هو الشيء الذي دفعني الى اكتشاف الفرق بين التكنلوجيا الرقمية والسليلويد. لذلك، لدينا كل هذه الاختيارات المختلفة. في الرقمية لدينا اللقطات الطويلة بحيث لا يتوجب عليك إيقاف الكاميرا. يمكنك الاستمرار بالتصوير، ويمكنك التحدث عن المشهد بينما الكاميرا لا تزال تصور، وتوفير الكثير من الوقت الشيء الذي يساعد على إعطاء الفيلم أبعاد عميقة. الفيديو الرقمي خفيف، أسرع بكثير، لا أوساخ، لا خدوش، لا تمزيق، وهناك تحكم أكثر في عملية ما بعد الإنتاج. إنه حقا لشيء جميل. و لكن ربما أن هذه الوسائل المختلفة يمكن أن تبقى كلها موجودة. فشيء واحد يمكنه أن يصلح لهذا المشروع و شيء آخر يمكن أن يصلح لمشروع آخر.