عن عمر يناهز 80 عاما، رحل يوم الجمعة 14 أكتوبر الحالي، واحد من أرق شعراء العربية، عرفه النصف الثاني من القرن الماضي إلى الآن. يتعلق الأمر بالشاعر المصري الكبير فاروق شوشة. وذلك بعد حياة حافلة بالعطاء في مجالات علمية وفنية مختلفة، أكاديمية وإعلامية وإبداعية. في يناير 1936 رأى النور في قرية الشعراء بمحافظة دمياط. تابع الدراسة والتحصيل، حتى تخرج من دار العلوم سنة 1956، ومن بعدها بعام من كلية التربية جامعة عين شمس. استغل مدرسا مدة سنة. ثم التحق بالإذاعة (1958) حيث تدرج في وظائفها مقدما برامج ثقافية أشهرها « لغتنا الجميلة»، الذي كان يحظى وقتها (1967) بمتابعة كبيرة من الجمهور المستمع. أيضا كان يطل على المشاهدين من خلال التلفزيون المصري بإحداثه وتقديمه لبرنامج «أمسية ثقافية»، استضاف فيه ثلة من أساطين الثقافة والأدب في مصر، كتوفيق الحكيم - يوسف ادريس - نجيب محفوظ وعبد الرحمن الأبنودي. وبهذا المستوى الرفيع كان هذا العمل يشبه إلى حد بعيد، إن لم نقل يضاه البرنامج الثقافي الشهير في التلفزيون الفرنسي، للمثقف والإعلامي «بيرنار بيفو» «Bouillon de la culture» (حساء الثقافة). من هنا ندرك قيمة الرجل في الإعلام بشقيه المسموع والمرئي. ناهيك عن المكتوب، إذ كانت له إسهامات في عدد من المنابر أبرزها مجلة «العربي» الكويتية، من خلال عموده الشعري الذي ظل ثابتا إلى وقت قريب «جمال العربية». عطاؤه الشعري يتميز بالغزارة، إذ يعتبر الابن المذلل للمدرسة الرومانسية المصرية بشقيها الفصيح والعامي. لقد استوعب روح هذه المدرسة وقوالبها الشعرية الحالمة، كما أرساها روادها الكبار كمحمود حسن اسماعيل صاحب قصيدة (دعاء الشرق) وطه محمود صاحب قصيدة (الجندول) وأحمد فتحي مبدع (الكرنك). بالإضافة إلى شاعري العامية الكبيرين في السياق الرومانسي «مامون الشناوي» و«عزيز مرسي جميل». من هنا كانت أشعاره تفيض بالعذوبة وفصاحة الكلمات وبساطتها في قالب رومانسي جميل. في هذا الإطار أصدر العديد من الدواوين، ابتداءا من «إلى مسافرة» عام 66، ثم «العيون المحترقة» 72، وأتبعه ب «لؤلؤة في القلب» و«لغة من دم العاشقين» 86، وربما كان آخر ديوان له «الجميلة تنزل إلى النهر». كتب أيضا في المسرح الشعري ك «الخديوي» وغيره. ومن ثمة وصفه الروائي «يوسف القعيد»، بأبرز من قال الشعر بعد صلاح عبد الصبور. كان من أشد المدافعين عن اللغة، سواء من خلال مؤلفاته وأبحاثه كمؤلف «لغتنا الجميلة» و «أحلى 20 قصيدة في حب الشعر العربي» وكتاب «العلاج بالشعر». كما استخدم الإعلام كمنصة إبداعية لخدمة اللغة. تبوأ مناصب أكاديمية وعلمية عديدة فهو عضو في مجمع اللغة العربية، وعضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة ورئيس لجنة الملحنين والمؤلفين وأستاذا زائرا في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. كل هذا التعدد والمجهود الثقافي والإبداعي، كان من أجل هدف واحد هو الرقي باللغة وكبرياء القصيدة العربية. لغته الشعرية مفعمة بالرقة والانسيابية كما لو كان ينحتها، .. لتشدو الجمال. ولهذا اقتربت من الطرب وواكبته ... غنى له العديد من المطربين العرب، نذكر منهم الفنان المغربي الكبير «عبد الهادي بلخياط» قصيدة «واحة العمر» التي تناغمت لحنا مترقرقا أبدعه الموسيقار «عبد السلام عامر». نقتطف من بستانها بعض الورود الشعرية. وحدك، تملك أن تحملني عيناك إلى ألف سماء وحدك، تملك أن تدفئني من وهم صقيع وشتاء وحدك، لا غيرك يعرفني يدري بشجون الخرساء