نادي الدفاع الحسني الجديدة لكرة الطائرة بالجديدة منتشه بانجازاته المتميزة خلال السنوات الاخيرة    طقس الأربعاء: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    المؤبد والسجن النافذ لمرتكبي جريمة قتل شاب في حي المطار بالجديدة    حيازة حيوانات مهددة بالانقراض والاتجار فيها يجر شخصين للاعتقال بالناظور    تراجع مفرغات الصيد بميناء طنجة بنسبة 29% وانخفاض القيمة التجارية إلى 134 مليون درهم    الملك محمد السادس يدعو إلى حلول عملية لوقف النار ودعم الفلسطينيين إنسانياً وسياسياً    الرئيس الأمريكي يعلن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان    وفد عسكري مغربي يزور حاملة الطائرات الأمريكية 'هاري ترومان' في عرض ساحل الحسيمة    نقص حاد في دواء السل بمدينة طنجة يثير قلق المرضى والأطر الصحية    سبتة ترفض مقترحا لحزب "فوكس" يستهدف المهاجرين والقاصرين    فتح تحقيق في محاولة تصفية مدير مستشفى سانية الرمل تطوان    اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية يتأهل إلى مرحلة البلاي أوف من البطولة الوطنية    الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل سيدخل حيز التنفيذ فجر الأربعاء    عصبة الأبطال.. الجيش الملكي يهزم الرجاء بعقر داره في افتتاح مباريات دور المجموعات    العلمانية والإسلام.. هل ضرب وزير الأوقاف التوازن الذي لطالما كان ميزة استثنائية للمغرب    لجنة الحماية الاجتماعية تجتمع بالرباط    المغرب يستعد لإطلاق عملة رقمية وطنية لتعزيز الابتكار المالي وضمان الاستقرار الاقتصادي        بنسعيد: "تيك توك" توافق على فتح حوار بخصوص المحتوى مع المغرب        "نعطيو الكلمة للطفل" شعار احتفالية بوزان باليوم العالمي للطفل    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»    لحظة ملكية دافئة في شوارع باريس        معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    توقيف فرنسي من أصول جزائرية بمراكش لهذا السبب    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"        مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التكتيكات المتغيّرة للدولة الإسلامية

قلَبَ تنظيم الدولة الإسلامية تكتيكاته في العراق خلال الأشهر الأخيرة، إذ عاود استهداف مواقع مدنيّة في العاصمة ومدنٍ كبرى أخرى. ولذا، ينبغي على الحكومة العراقية، التي حقّقت نجاحات في استعادة أراضٍ من التنظيم، أن تعدّل بالمثل نهجها.
تبنّى تنظيم الدولة الإسلامية في 3 يوليوز الماضي التفجير الانتحاري بسيارة مفخّخة الذي أودى بحياة 300 عراقي في حيّ الكرادة الشعبي في بغداد. وكان هذا التفجير الأكثر دمويّة منذ غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة في العام 2003. ويُذكر أن آخر مرّة شهدت فيها المدينة انفجاراً أسفر عن مصرع نصف هذا العدد، كانت تتزامن هذه الطفرة في الهجمات مع تقهقر تنظيم الدولة الإسلامية. ويواصل رئيس الحكومة حيدر العبادي الاحتفاء بالانتصارات وتحرير المدن العراقية من قبضة مقاتلي الدولة الإسلامية، وكان آخرها تحرير مدينة الفلوجة قبل أسابيع. ودفع النجاح السريع الذي حقّقته هذه العملية الكثير من العراقيين إلى الاعتقاد بإمكانية استعادة الموصل، التي تُعتبر «كسباً كبيراً» بالنسبة إلى التنظيم، قبل نهاية هذا العام، أي في غضون فترة أقل بكثير مما توقّع سابقاً مسؤولون ومعلّقون في بغداد.
اضطرّ تنظيم الدولة الإسلامية إلى تغيير طريقة عمله بعد الهزائم العسكرية التي تكبّدها. فبعد سعيه سابقاً إلى غزو الأراضي واحتلالها لبناء دولة، بات يلجأ في غالب الأحيان إلى العمليات الحربية غير المتكافئة ويشنّ هجمات على السكان المدنيين في بغداد.
تُعتَبر القوات العراقية، على الرغم من انقساماتها الداخلية، أقوى اليوم مما كانت عليه أثناء التقدّم القوي والواسع الذي أحرزه تنظيم الدولة الإسلامية منذ عامَين. وقد توصّل حيدر العبادي إلى تسوية أثبتت فعاليتها في تحرير الفلوجة، تتمثّل في دخول القوات الحكومية العراقية، أي قوات العمليات الخاصة المعروفة بالفرقة الذهبية، إلى المدن، فيما تتولّى قوات الحشد الشعبي حماية الحدود وتوفير الدعم من ضواحي المدن. كما أصبحت واشنطن تُموّل وتُسلّح قوات البيشمركة بشكلٍ مباشر. ثم إن الضربات الجوية بقيادة الولايات المتحدة كانت حاسمة في معارك الفلوجة وتكريت وبيجي والرمادي.
ولأن خوض المعارك التقليدية بات صعباً على تنظيم الدولة الإسلامية، فإنه عاد إلى تكتيكات سلفه، تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، التي تم اختبارها. ويستخدم التنظيم هذه الهجمات أيضاً لإثارة انقسامات سياسية في بغداد، كما توفّر فرصة لخصوم العبادي كي يشوّهوا سمعة قيادته. ففي أعقاب تفجير الكرادة، كانت لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي إطلالات إعلامية عدّة انتقد فيها المشاكل الأمنية، وأعرب في لقاء مع قناة «بي بي سي» عن استعداده للعودة مجدّداً إلى رئاسة الحكومة إذا ما اقتضت الضرورة ذلك.
مع أن الهزائم العسكرية تشوّه حكاية «النصر» التي يروّج لها تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن الهجمات على المدنيين في بغداد باتت تشكّل طريقة سهلة له للحفاظ على شرعيته والإبقاء على حكاية مفادها أنه تنظيم قوي، يزرع الرعب في نفوس الجيوش الوطنية والناس.
لقد ركّز العبادي على زيادة عدد القوات في بغداد، في خطوةٍ ترمي إلى التصدّي لهذا التغيير التكتيكي، وأشار تقريرٌ إلى أن حوالي نصف عدد القوات العراقية المُقاتلة بات موجوداً الآن في العاصمة. كما عمل العبادي أيضاً على سحب الأجهزة المزيّفة للكشف عن المتفجّرات، وتعزيز الاستطلاع الجوّي، وتمويل المجموعات العسكرية على نحو أفضل. يُضاف إلى ذلك أن قوات الحشد الشعبي عبّأت وحداتها داخل العاصمة لتأمين المناطق المعروفة باسم «حزام بغداد»، والتي كانت مسرحاً للعديد من الهجمات.
على الرغم من هذه الجهود، لم تتم بعد حماية المدنيين في بغداد كما ينبغي، ويُعزى ذلك أساساً إلى ضعف التنسيق بين القوى الأمنية وبين أجهزة الاستخبارات المتعدّدة.
لقد استقال وزير الداخلية محمد الغبّان من منصبه عقب تفجير الكرادة، موجّهاً نقداً شديد اللهجة إلى الحكومة، قائلاً إنها فشلت في التنسيق بين مختلف الأجهزة المسؤولة عن أمن مناطق في بغداد؛ ومن ضمنها وزارة الداخلية، ووحدتان لمكافحة الإرهاب تابعتان لمكتب رئيس الحكومة، ووحدتان معنيّتان بأمن المناطق من وزارة الدفاع. تُضاف إلى هذه الوكالات الحكومية قواتٌ شبه عسكرية متنوعة مولَجَة أيضاً بأمن بعض الأحياء. ويُعتبر التنسيق الأمني وتبادل المعلومات الاستخبارية أكثر إشكاليةً بكثير في بغداد، بسبب التوترات الداخلية، على سبيل المثال، في صفوف مجموعات قوات الحشد الشعبي، بين سرايا السلام التابعة لمقتدى الصدر وبين عصائب أهل الحق التابعة لقيس الخزعلي.
يعمل هذا الغطاء الأمني على أفضل وجه إذا مارست مختلف الجهات الأمنية التي تؤلّفه نشاطها بالتوازي مع بعضها البعض، ويكون في أسوأ حالٍ إذا ما اختلفت هذه الجهات في مابينها. وطالما أن الأمن الداخلي في مدينة بغداد، أو في أي مدينة أخرى، غير خاضعٍ إلى قيادة هيكلية واحدة، ستكون الطريق ممهَّدة أمام تنظيم الدولة الإسلامية لشنّ هجمات، حتى لو زاد العبادي عدد القوات، وعزّز الاستخبارات، وحسّن إدارة الحواجز.
قدّم المحلّلون حلولاً عدّة، واقترح بعضهم دمج القدرات التكنولوجية والتخطيطية والخبرة الاستخبارية التي يتمتع بها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بالقوات العراقية البرية. لكن، ينبغي أن يتضمّن الحلّ أيضاً تشكيل هيكلية أكثر وضوحاً وفعالية لمراقبة الأجهزة الأمنية والاستخبارية والتنسيق بينها. وقد فشلت حتى الآن محاولة العبادي التي رمت إلى دمج مختلف المؤسسات الحكومية والمجموعات غير الحكومية، بما في ذلك الأمر الديواني الرقم 91، القاضي بجعل قوات الحشد الشعبي جزءاً من القوات المسلحة العراقية.
في ظروف مثالية، يكمن الجواب في دمج المجموعات شبه العسكرية. فعلى الرغم من وجود مكتب إداري لقوات الحشد الشعبي ضمن مكتب العبادي، لا تزال المجموعات الثمانين تقريباً الخاضعة إلى قوات الحشد الشعبي عبارة عن كيانات مستقلّة ذاتيّاً، وأحياناً، تنشب خلافات بينها وبين الدولة أو بين بعضها البعض.
يُعتبر اليوم دمج هذه المجموعات ضمن جهاز الدولة واقعاً بعيد المنال. لكن، إذا ما بقي الوضع على هذه الحال، سيرزح الأمن والاستخبارات في بغداد تحت رحمة مختلف الأطراف الفاعلة التي لا تعمل دائماً يداً واحدة، ما يوفّر أرضاً خصبة ليواصل تنظيم الدولة الإسلامية تغيير تكتيكاته ويشنّ هجمات في بغداد.
الرقص على أنغام تنظيم داعش
يريد تنظيم الدولة الإسلامية أن يصنع العالم على صورته. وعليه فإن سبل تفاعل المجتمع الدولي مع هجماته المروّعة هي التي ستحدّد امكانية نجاحه في مخططه.
خلال أقل من شهر واحد، أزهق تنظيم الدولة الإسلامية أكثر من 400 روح بريئة في هجمات شنّها في باريس وتونس، وتفجير انتحاري مزدوج في بيروت، وإسقاط طائرة ركاب روسية في مصر. وقد رأى الكثيرون في تلك الهجمات صراعاً حضارياً بين قيم عالم غربي ليبرالي ومنفتح وأخر إسلامي منغلق ومتطرف. وتتزايد الدعوات في دول أوروبية شتى، إلى اتّخاذ إجراءات صارمة تقيّد الحريات الأساسية وتقلّص الخصوصية الشخصية، فيما أعلن ما يزيد عن نصف حكام الولايات الأميركية أن ولاياتهم لن تقبل باستضافة اللاجئين السوريين.
ويبدو من ردود الفعل هذه على أن صانعي القرار يرقصون سهواً على أنغام تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يصور العالم مقسوماً إلى قسمين؛ «معسكر الإسلام» و»معسكر التحالف الصليبي». وتشكّل هجمات التنظيم الدموية خطوة في إطار جهوده الرامية إلى إزالة المنطقة الرمادية بين هذين المعسكرين. وتشكل كل من بيروت وباريس مثالاً لهذه المنطقة الرمادية، حيث يتبلور، سهواً أو عن قصد، اللقاء بين الثقافات والأعراق والأديان في الموسيقى والكتابة والاكتشافات العلمية والمفاخر المعمارية.
لم يبدأ تنظيم الدولة الإسلامية بجهود تدمير هذه المنطقة الرمادية في باريس أو بيروت. لا بل انطلق من العراق، حيث شنّ هجوماً دموياً في حزيران/يونيو 2014 على أكثر من مليونين ونصف المليونشخصأً من ديانات وأعراق تعايشت على مدى قرون، فطرد المسيحيين وذبح التركمان والشيعة واستعبد النساء والأطفال الإيزيديين.
ويستغل تنظيم الدولة الإسلامية سرديّة الصراع السنّي-الشيعي الأوسع التي يديمها التنافس الإقليمي بين المملكة العربية السعودية وإيران، لتبرير أفعاله. كما يستخدم الشعور المتنامي بالظلم في صفوف أهل السنّة في العراق وسورية. فان السواد الأعظم من قادة تنظيم الدولة الإسلامية وأنصاره هم إما ضباط بعثيون سابقون في الجيش، تم طردهم بسبب برنامج اجتثاث البعث في العام 2003 وحلّ الجيش العراقي، أو أفراد من القبائل السنيّة الذين عانوا الأمرّين في عهد نوري المالكي. أما في سورية، وعلى عكس تطلعات تنظيم الدولة لالسلامية، ، لم تؤدي حملة النظام على مدن ومناطق مختلفة، بما في ذلك إلقاء البراميل المتفجّرة وعمليات تبادل السكان القصري كجزء من المفواضات لانهاء بعض الصراعات المحلية كما حدث في الزبداني، الى تظافر الدعم لها. لا بل أدت الى توسع مفرط في أزمة النزوح داخل سوريا واللجوء الى خارجها نتيجة الصراعات القائمة. وما الهدف من الربط المتعّمد لتفجيرات باريس باللاجئين السوريين، من خلال جواز السفر السوريّ الذي عثر في ساحة الجريمة، الا محاولة بائسة لمعاقبة اللاجئين لهروبهم من أرض الخلافة بدلاً من اللجوء اليها، وزرع بذور فتنة متجددة تحدّ من دعم الأوروبين لهم.
كما يستفيد تنظيم الدولة الإسلامية من أزمة عامة في مفهوم ومبادئ المواطنة وشعور متنامي بالسخط لدى جل من المواطنين تجاه الحكومات العربية التي تقدّم هي أيضاً رؤية ثنائية للعالم باعتباره ينقسم بين وطنيين وإرهابيين. فحملة القمع الواسعة التي تشنّها الحكومات على كل فسحة ممكنة للتعبير السياسي أو لمعارضة نهج سياساتوي، مهما كان طابعه، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والتعذيب والإخفاءات القسرية وتجريد المواطنين من جنسياتهم، كما يحدث بوضوح في مصر وبعض دول الخليج على سبيل المثال، تشكل عملية نسف ممنهجة لكل حيز وسطي بين الدعم للدول الوطنية ورعاية التنظيمات الراديكالية. والواقع أن الشعور بالغبن وغياب العدل الناتج عن هذه الممارسات، وليس الفقر، هو التي يدفع بالمجتمعات العربية وبمواطنيها نحو فكر راديكالي متطرّف شيبه بما يمثله تنظيم الدولة الاسلامية.
يستفيد تنظيم الدولة الإسلامية أيضاً من أزمة هوية ومواطنة مختلفة في أوروبا، وخاصة لدى مواطني الجيل الثاني والثالث من أصل عربي. فالكثيرون من هؤلاء يعانون من ألم التمييز وعدم المساواة الهيكلية في العمل والحياة اليومية، ويتم الايقاع بهم من قبل الجهاديين عبر وساءل التواصل الاجتماعي وليس في المساجد. لا بل تظهر الدراسات اليوم ان الالمام في الشؤون الدينية لم يعد شرطاً مسبقاً للانضمام الى هذه التنظيمات.
يتطلّب التوصّل إلى نهج جدّي لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، استراتيجيةً متعدّدة الجوانب تجمع بين العمليات العسكرية وبناء التوافق السياسي في ما بين اللاعبين الدوليين والاقليميين المعنيين في الحروب السورية ومنهم تركيا وروسيا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وايران. ولكي تنجح، على هذه الاستراتيجية ان تركّز على الأسباب الكامنة لنمو التنظيم وليس فقط على ردّ الفعل العسكري الذي يضع الأمن في صلب الأولويات ولكنه لا يقدّم حلاً على المدى الطويل، مهما كانت الانتصارات التكتيكية التي قد يتم تحقيقها.
إن مواجهة نظرة تنظيم الدولة الإسلامية إلى العالم تبدأ بالاعتراف صراحةً بأن ما نشهده اليوم ليس صراع حضارات وأديان، بل هو عرض صارخ للاختلالات الهائلة التي يعاني منها عالمنا.
في أوروبا، هذا يعني احتضان اللاجئين الفارّين من الأهوال نفسها التي أطلقها تنظيم الدولة الإسلامية في باريس الأسبوع الماضي، ومعالجة الشعور بالإقصاء والتغريب، وسائر العوامل التي تدفع آلاف المواطنين الأوروبيين نحو الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
أما في المنطقة العربية، فهو يعني البحث في الأسباب الجذرية لظهور تنظيم الدولة الإسلامية، من خلال معالجة الإقصاء السياسي والاجتماعي والاقتصادي للعراقيين السنّة، ومعالجة الصراع السوري المعقّد من دون الإبقاء على الرئاسة؛ والعمل على إنهاء التنافس الإقليمي بين السعودية وإيران، والذي يؤجّج جزء كبير من هذه الفتن.
إن تقويض الانجذاب القاتل لدى شريحة أكبر من الشباب العرب إلى تنظيم الدولة الإسلامية، يبدأ أيضاً بإيجاد أنظمة حكم شاملة للجميع من شأنها أن تقدّم لهؤلاء الشباب مستقبلاً بديلاً طالب به ملايين الذين خرجوا إلى الشوارع خلال الانتفاضات العربية.
تبدو هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية وتفكيك جاذبيته مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة. والقضاء على التنظيم يعني تعبئة الإرادة السياسية والعمل بصورة استباقية لوضع حدٍّ للظروف التي تغذيه. وإلّا، فسنرقص جميعاً مرغمين على أنغام هذا التنظيم لعقود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.