لا أتذكر لا القائل، ولا الرسام الإنجليزي الذي قيلت القولة في حقه، ومع ذلك أسمح لنفسي بذكر ما لا أتذكره بالتدقيق، لكني أتذكر أن أحدا ما قال ذات يوم، في حق فنان إنجليزي ما، أن الغروب الإنجليزي لم يصبح بكل روعته وجماله إلا بعد أن رسمه هذا الفنان، إذ بفعل لوحاته أصبح الإنجليز يخرجون إلى الطبيعة لرؤية جمال الغروب والتمتع بلحظاته. وبالطبع، فإن لغروب الشمس جماله، وكان كذلك دائما جميلا، قبل أن يرسمه هذا الرسام، وبعد أن رسمه، لكن ما فعله هذا الرسام هو أنه أعار بعض نظره إلى الإنجليز فقط كي يتمتعوا بجمال الغروب. ولأن الغروب - وكذا موضوعه - ليس جميلا فحسب، بل هو أيضا لحظة شبقية، فإن الجسد الأنثوي في أعمال الفنان المغربي عبد الكبير البحتوري هو موضوع للجمال ومحاولة للقبض على لحظة الشبق أيضا. إننا أمام لوحات تشكيلية مهما غالى بعضها في التجريد، تتفنن في استعراض جمالية الجسد الأنثوي وإيقاظ الفتنة التي يثيرها التناسق والتناغم فيه، وانسياب تضاريسه، التي إذ تعيد ريشة الفنان تشكيلها، فإنها تسعى للقبض على تلك الحركات المائلة والمنسابة الظاهرة والكامنة، وهي حركات كما يقول الخطيبي حركات جنسية بامتياز، لذلك، سواء تعلق الأمر باللوحات التي تكون بؤرتها عبارة عن جسد أنثوي واحد، أو تلك التي تتشكل من غابة من الأجساد، فإننا نكون أمام حركة لارتماءات أجساد مندفعة متوهجة، يصل بعضها حد انهراقها كشلال. ولأنه مهما كان الموضوع جميلا، فإن الموضوع الجميل لا يعني اللوحة الجميلة بالضرورة، لأن للوحة وجمالها، تقنيات وإتقانات، هي ما راكمه المبدع من خبرات وتجارب في المران والمراس، لذلك يُبنى الجمال لبنات لبنات في أعمال الفنان عبد الكبير البحتوري توزيعا وتراكيب وتلاوين، بحيث يصبح لكل لوحة إيقاعها و توازنها وانسجامها، سواء كانت لوحة فردية أو ثنائية أو ثلاثية أو رباعية، مع ملاحظة ضرورية وهي أن البحتوري أبدع في خلق لوحة ثنائية أفقية، في حين نجد في الغالب أن الثنائية تكون عادة عمودية. ثمة ملاحظة أخرى منحت معرض البحتوري سمة أخرى، هو أن ثمة لوحات بكل الألوان، وأخرى بالأبيض والأسود فقط، وهذه الأعمال الأخيرة - بالأبيض والأسود - هي أعمال إذ تكون عزيزة على قلب الفنان البحتوري، فإنها توقظ في المشاهد ما تثيره فيه من حنين يعيد الذاكرة إلى طفولتها. ولأن الدائرة هي أكمل الأشكال الهندسية على الإطلاق، سواء كبرت أو صغرت، فإن العديد من لوحات الفنان عبد الكبير البحتوري، تجد توازنها عبر توزيع هذه الدوائر، التي قد تكون عبارة عن تفاح أو عيون، أو ما يشي بالنهد أو مجرد دائرة كشكل مجرد، لكن ثمة توازنات أخرى يكاد لا يتدخل فيها الشكل، فيضطلع اللون وحده، بكل تناغم اللوحات. إن كل لوحة من معرض البحتوري الأخير هي كتاب مفتوح على فصول من القراءات التي قد لا تنتهي، لذلك فإن كل ما سلف، لا يعدو أن يكون سياحة سريعة في أعمال متعددة، مختلفة ومتآلفة في آن، تستحق أن تعلق على جدار الذاكرة والقلب إلى الأبد.