بعد حصده عددا من الجوائز المهمة خلال مشاركته في مهرجانات وطنية ودولية، تشرع القاعات السينمائية الفرنسية ابتداء من 28 شتنبر الجاري في عرض الفيلم المغربي «البحر من ورائكم» للمخرج هشام العسري. ويعد «البحر من ورائكم»، وهو ثالث تجربة سينمائية للمخرج هشام العسري، بعد «النهاية» و»هم الكلاب»، رحلة سينمائية للبحث في أعماق النفس الإنسانية. ويسعى الشريط، الذي يندرج في إطار خانة (سينما المؤلف)، إلى المزاوجة بين تيمة الحب والعنف والمقدس والمدنس، من خلال تسليط الضوء على شخوص تعتمل داخلها مشاعر إنسانية معقدة ومتضاربة، يسيطر عليها الخوف والعاطفة والمغامرة والتردد، والحب. وحرص المخرج، من خلال شريطه، الذي تبلغ مدته 88 دقيقة باللونين الأبيض والأسود، حيث لم تظهر الألوان الطبيعية إلا مع نهاية العمل، على إبراز الجوانب القاتمة من الشخصية البشرية، بكل ما فيها من عنف وبشاعة. ويؤكد الشريط، الذي شارك في بطولته مالك أخميس، ونجاة خير الله، وحنان زهدي، وزينب السمايكي، وحسن باديدا، ومحمد أوراغ، وياسين السكال، سعي المخرج، الذي تولى أيضا صياغة السيناريو، على توسيع دائرة التجريب في أفلامه، التي انطلقت مع شريطه الطويل الأول «النهاية»، حيث ينشغل بالعمل على لغة سينمائية وآليات سردية على حساب الحكاية. وعبر الممثل المغربي مالك أخميس بطل شريط «البحر من ورائكم» عن سعادته بالمشاركة في هذا الشريط، الذي اعتبره «تجربة خاصة»، تنتمي لسينما المؤلف. وأكد أن الاشتغال في عمل فني «يقدم شخوصا معقدة ومركبة»، يحمل نكهة ومتعة خاصتين، لأنها تفرض على الممثل البحث والتقصي في الجوانب المظلمة للذات الإنسانية في محاولة لنقلها بكل عقدها على شاشة العرض. وأشار مالك أخميس، إلى أن تجسيده لشخصية (طارق)، شكل تحديا خاصا بالنسبة له، حيث سعى للتغلب على ذاته، من أجل تقديم هذه الشخصية، بكل ما يعتمل بداخلها من تناقضات. من جانبها، أكدت لمياء الشرايبي، التي ساهمت في إنتاج الشريط إلى جانب مخرجه هشام العسري، أن الفيلم يعد محاولة سينمائية تنتصر لقيم الفن والانفتاح والحرية، تروم تقديم وجهة نظر فنية بحثة، أكثر من الحرص على ربح رهان شباك التذاكر. في هذا الفيلم يتمرد العسري على أسلوب السرد التقليدي، ليحكي بأسلوب مغاير قصة «طارق» يجسد دوره مالك أخميس، الذي لا يستطيع الهروب من واقعه ولا تغييره إلا عن طريق هلاوسه، من خلال التمثل بشخصية طارق بن زياد المشهود لها بالشجاعة، متمنيا الصعود هو الآخر على منصة البطولة، بينما يكون من نصيبه في الواقع الصعود على منصة الرقص، حيث يرتدي ملابس نسائية، ويضع المكياج محتفظا بشاربه، ليرقص على سطح عربة (كارو) يجرها «العربي» الحصان العجوز الذي فقد قوته. وظف هشام العسري العديد من المشاهد الصادمة للتعبير عن واقع بلد غابت عنه الألوان، ولم يعد به مكان سوى لحيوانية لا مثيل لها، حيث يصبح العنف والتعذيب وممارسة الجنس مع الحمير من الأمور العادية. ويضم الرصيد السينمائي للمخرج هشام العسري، مجموعة من الأفلام القصيرة من بينها «وشم العذاب» و»على جناح» و»بخط الزمان»، وخمسة أفلام طويلة هي «النهاية» و»هم الكلاب» و»البحر من ورائكم»، و»جوع كلبك»، و»الأقزام».