برزت في تركيا منذ الانقلاب الفاشل موجة مناهضة للولايات المتحدة لا يتردد الرئيس رجب طيب اردوغان وحكومته في استغلالها رغم المجازفة بالإساءة إلى تحالفات انقرة بشكل دائم. وتنامي مشاعر العداء للولايات المتحدة في تركيا يرتكز إلى فكرة تتناقلها الصحافة بان الولاياتالمتحدة لم تكن متضامنة مع حليفها التركي بعد الانقلاب وانها لم تبد اي مبادرة لتسليم من تعتبره الدماغ المدبر للانقلاب اي الداعية فتح الله غولن الامام السابق المقيم في المنفى في الولاياتالمتحدة. بل أسوأ من ذلك يصل الأمر إلى حد اتهامها بالتواطؤ. وبلهجة تفتقر إلى الدبلوماسية حذر وزير العدل بكر بوزداغ من أن شعور مناهضة الولاياتالمتحدة في تركيا "بلغ أوجه" ويهدد بالتحول إلى "كراهية" إن لم يتم تسليم "الإرهابي" غولن. ونددت وزارة الخارجية الأمريكية ب"خطاب ناري غير مجد قطعا" ودعت "وسائل الإعلام والمجتمع الأهلي والحكومة في تركيا إلى التحلي بروح المسؤولية في تصريحاتها". وبعد المحاولة الانقلابية مباشرة رفض سفير الولاياتالمتحدة في تركيا جون باس فرضية التواطؤ الأمريكي واعتبره "مخزيا". ونددت السفارة على تويتر بتركيب صورة يظهر فيها باس لدى أحد الانقلابيين عشية الانقلاب الفاشل معتبرة انها "فبركة" ترمي إلى "تخريب التحالف التركي الأمريكي". وكانت صحيفة يني شفق المقربة من الحكومة نشرت من جهتها مقالة بعنوان "الولاياتالمتحدة حاولت اغتيال اردوغان". وقال فيها كاتب الافتتاحية ابراهيم كاراغول الراديكالي المقرب من الرئيس اردوغان "إن الإدارة الأمريكية خططت لقتل الرئيس (اردوغان) وأعدت هذا المخطط". وقال سنان اولغن الدبلوماسي السابق الذي يدير مركز الأبحاث ادام في اسطنبول "بكل تأكيد تنقل وسائل الإعلام رسالة الحكومة". اعتبر جيهان وهو شاب اسطنبولي قرب البوسفور أن "أمريكا لا تفكر هنا إلا بمصالحها. وتركيا هي التي تعاني من ذلك". ولفت بيرم بالجي من مركز الأبحاث الدولية للعلوم السياسية إلى أن الرئيس اردوغان الذي دعا الأحد الماضي الى تظاهرة شعبية مليونية في اسطنبول للتنديد بعدوه اللدود، لديه "استراتيجية (...) لإقامة وحدة مقدسة ضد غولن. فضلا عن ذلك لا أحد في تركيا يدافع عنه". وأوضح الباحث الذي وجه إليه السؤال من واشنطن "ان استراتيجية اردوغان تقضي بأن يظهر بأن الأمريكيين يقدمون دعمهم لحركة إرهابية، حزب العمال الكردستاني (المتمردون الأكراد) وأيضا لمنظمة غولن". وأضاف بالجي "سيتنامى شعور معين مناهض لأمريكا في تركيا"، واردوغان "بحاجة له لإرساء سياسة تركيا في المنطقة ولتعزيز موقعه لدى الرأي العام". ورأى سنان اولغن ان ذلك يبدو أكثر سهولة لاسيما أن تركيا تجتاز "فترة بلبلة" بعد الصدمة على إثر انقلاب 15 يوليوز، لكن سيتعين على الحكومة في وقت ما "أن تبدأ في تهدئة اللعبة" وإلا "سيكون هذا الشعور المناهض للأمريكيين مضرا لتركيا نفسها". وحذر بأن الأخطر "سيتمثل في رؤية هذا الشعور المناهض لأمريكا يتجذر في المجتمع التركي". وقال في خصوص حلف شمال الاطلسي الذي تعد انقرة عضوا اساسيا فيه أن ذلك قد "يعرض انتماء تركيا إلى المجموعة الأطلسية في خطر". لكن حتى لو تفاقم الشعور المناهض لأمريكا حاليا فانه ليس أمرا جديدا في تركيا. اعتبر اولغن أنه "حتى قبل الانقلاب الفاشل كان هناك ريبة وشكوك تجاه الولاياتالمتحدة" التي لا تريد برأيه "تركيا قوية" وتلعب بالأحرى "الورقة الكردية". لكن القضية التركية غير قابلة للتفاوض بالنسبة لانقرة التي تضع في المستوى نفسه تهديد "الإرهابيين" في حزب العمال الكردستاني وخطر الجهاديين في تنظيم الدولة الاسلامية. وقال بيرم بلجي "إن الأتراك يشعرون بالغضب من أمريكا" مضيفا "يشعرون بأنهم وقعوا في شرك" نصبته الولاياتالمتحدة التي "تدعم كل القوى المعادية لداعش بمن فيها حزب العمال الكردستاني" في سوريا. وقال بلجي "إن استراتيجية (اردوغان) تقضي أيضا بأن يكون لديه رافعة في علاقاته الصعبة مع الولاياتالمتحدة"، مضيفا "إن مناهضة أمريكا تنجح سياسيا في كل البلدان". وذلك سينجح طالما أن الإدارة الأمريكية لم تهتم بملف تسليم غولن. إلى ذلك رأى اولغن "سنصل الى مرحلة ثانية، مرحلة السلطة القضائية، التي ستكون طويلة الى حد ما" وهذا الشعور الساخن (المناهض لأمريكا) سيهدأ".