تدخلت قوات الأمن لتفريق جموع المحتجين بساحة بئر انزران بحي جليز بمراكش حوالي الساعة السابعة و45 دقيقة من مساء يوم السبت 26 فبراير 2011 و إفراغها بعد أن شغلها المحتجون من سكان الحي العسكري طيلة اليوم . قوات الأمن تعاملت بشراسة مع المحتجين و هم من متقاعدي الجيش وأسرهم و أرامل وأبناء الشهداء وكذا مدنيين لإرغامهم على مغادرة الساحة التي تعتبر مفصلا أساسيا تتقاطع فيه شوارع محمد الخامس وعبد الكريم الخطابي وبئرانزران. وجاء التدخل الأمني بعدما لم تفلح كل الوساطات التي باشرها مسؤولون من وزارة الداخلية لإقناع الأسر المحتجة بفض تجمهرها والعودة لمنازلها وطمأنتهم بأن قرار تنقيلهم من الحي العسكري بجليز في قلب المدينة إلى منطقة العزوزية بضاحية المدينة قد ألغي. وهو ما لم يقنع السكان الذين طالبوا بضمانات صادرة عن أعلى سلطة وكذا إشهار القرار في القناتين التلفزيتين الوطنيتين. المحتجون حملوا مسؤولية التطور الذي عرفه هذا الملف الذي يهم ما يفوق 4000 أسرة لوالي مراكش بتأكيدهم بأنهم عندما خرجوا في وقفة احتجاجية صباح الجمعة الماضي للتعبير عن رفضهم لقرار ترحيلهم إلى منطقة العزوزية والمطالبة بالهيكلة بنفس الحي، تدخل لديهم الوالي فأخبرهم أن مشكلهم قد حل وأنه سيلتقيهم صباح الأحد للتحاور في شأنه. ولم يكن هناك ما يدعو للتشكيك في كلام الوالي وهو ما جعل المحتجين يعودون فورا لبيوتهم مطمئنين في وقت كانت مراكش تستعد لخروج الموكب الملكي المتجه إلى مسجد باب دكالة بقصد أداء صلاة الجمعة. وفي المساء فوجئت الأسر المعنية وهي تتابع نشرة الأخبار بالقناة الأولى والثانية بخبر إعطاء جلالة الملك انطلاقة عملية التنقيل التي تهمهم. فنزل ذلك عليهم كالصاعقة مقتنعين أن الوالي استغفلهم وهذه هي النقطة التي عقدت الموقف وجعلت كل وساطات الداخلية تفشل معهم. فنزلوا للتو للشارع في وقفة احتجاجية عارمة وطويلة امتدت إلى مساء اليوم الموالي صبوا فيها غضبهم الشديد على الوالي مهيدية ومعلنين تمسكهم برفض قرار الترحيل. ومع مرور الوقت كانت أعداد المشاركين في الاعتصام الذي تحرك إلى أن توقف بساحة بئر انزران تزداد كثافة وحماس المحتجين يزيد قوة مثلما يزيد عدد القوات العمومية المستنفرة لمحاصرة المحتجين ضاربة جدارا أمنيا سميكا مشكلا من قوات التدخل السريع والقوات المساعدة. فتوقفت حركة المرور جراء ذلك في محور رئيسي يربط طريق الدارالبيضاء بشارع محمد الخامس والشارع المؤدي لتاركة. في قلب الاعتصام قال شاب من المظاهرين: « لم أنعم يوما بالعيش مع والدي، في أحسن الحالات أراه مرة واحدة في السنة، أنام وأستيقظ لتخبرني والدتي أنه عاد إلى تكنته العسكرية بالصحراء للدفاع عن الوحدة الترابية.. كبرت دون أن أحظى بتربية والدي، لأنه ضحى بذلك في سبيل الوطن, ثم يأتون اليوم ليرحلونا من بيوتنا.. أهذا هو جزاء المدافعين عن هذا الوطن؟..»» ورفع المتظاهرون لافتات ترفض ترحيلهم، إحداها أثارت انتباه الإعلاميين بقوة: ««كَاعْ هَادِي قْفُوزِية، من جليز للعزوزية»» وقد صرح لنا حاملوها بأنهم لن يقبلوا ما وصفوه بالسكن في الزبالة وهم يقصدون منطقة العزوزية التي لا يمكن مقارنتها بحي جليز.. وصاح المحتجون مرددين:»«أباوتنا فالصحرا، واحنا فالقهرا»» وقالت أرامل شهداء عسكريين للاتحاد الاشتراكي: ««لن نقبل الرحيل، نحن مع إعادة الهيكلة بشرط أن تكون هناك ضمانات حقنا،، ولن ننسحب من هذا المكان حتى يُستجاب لمطلبنا»» واضأف متظاهرون: ««لن نقبل أن يحصل لنا ما حصل لسكان حي «لارمود» الذين رموا بهم في مكان ما قبل أن يفوتوا حيهم لشركة خليجية تبني عليه فيلات سياحية،،» الكل إذن قال لا للترحيل.. لا للتسليم.., واختنق الموقف أكثر عندما رفض السكان الحوار مع والي مراكش نهائيا لفقدانهم الثقة فيه كما رددوا ذلك : «لا للتفاوض مع الوالي، لن نثق فيه فقد سبق وكذب علينا» فالتحق بمكان الاعتصام وفد من الإدارة المركزية منهم ولاة ملحقون بوزارة الداخلية إضافة إلى مدير أمن القصور الملكية واجتمعوا مع الكولونيل ماجور قائد الحامية العسكرية للتوقيع على قرار إلغاء الترحيل. لكن الجموع المحتجة رفضت فض اعتصامها مشترطة «أن يكون قرار إلغاء الترحيل موقع من الديوان الملكي و أن يشهر في أخبار القناتين التلفزيتين الوطنيتين لكي يأمنوا أنفسهم من أي تقلب مفاجئ مثل ذلك الصادر عن والي مراكش الذي كان في وضع لا يحسد عليه» . وظل الموقف على ما هو عليه إلى أن عاد التحرك الملكي من منطقة المحاميد, حيث أعطى جلالة الملك عشية يوم السبت انطلاقة أشغال إنجاز مركبات للسكن الاجتماعي، فتدخلت القوات العمومية لتفريق المحتجين و إلزامهم بالعودة لمنازلهم . و كان الملك قد أعطى يوم الجمعة الماضي بقاعدة مدارس القوات الملكية الجوية بمراكش، انطلاقة أشغال مشروع تنقيل منشآت عسكرية من المدينة بتكلفة إجمالية تبلغ 3.05 مليار درهم. وتهم هذه العملية تفويت قطعة أرضية مساحتها 270 هكتار لفائدة صندوق الإيداع والتدبير بغلاف مالي يبلغ 2.65 مليار درهم. وفي مقابل القيمة المالية للعقار، سيتكفل الصندوق بنفقات إنجاز المستشفى العسكري لمراكش 450 مليون درهم, وتأهيل المدارس العسكرية في بن جرير 958 مليون درهم, وكذا تمويل، بواسطة وكالة السكنى والتجهيزات العسكرية، عملية تنقيل ثكنات مجمع يوسف بن تاشفين 1.64مليار درهم . و هذا المشروع هو الذي يشمل تنقيل الأسر القاطنة بالحي العسكري في قلب جيليز إلى منطقة العزوزية . واعتبر بعض السكان المعنيين بهذا الملف ممن تحدثوا ل» الاتحاد الاشتراكي» أنه من الصعب تقبل فكرة أن يجد المرء نفسه منفيا إلى ضاحية المدينة بعد أن كان قاطنا لفترة طويلة في قلب أحد أهم أحيائها وهو جيليز . مؤكدين أنهم لن يقبلوا تكرار مأساة حي لارمود المحاذي لحدائق المنارة الذي فوت لشركة مستثمرة على أنقاض حقوق السكان الذين طردوا من بيوتهم شر طردة مقابل تعويض جد هزيل فرض بالقوة . و هو نفس ماوقع بمناطق مختلفة من المدينة، حيث كان السكان البسطاء يطردون من مساكنهم مقابل تعويضات تافهة لتشيد على أنقاضها قصور و فيلات تباع بالملايير بدعوى حل أزمة السكن.