ترافع محمد العلمي رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين أول أمس الثلاثاء عن وضعية المستشفيات الإقليمية بجهات المملكة و التفاوتات الموجودة في ما بينها خصوصا التجهيزات و الوسائل الطبية الضرورية للعمل، وساءل العلمي الحكومة حول غياب بعض التخصصات الطبية التي يشكل غيابها مزيدا من معاناة الساكنة في التنقل إلى المراكز الحضرية ذات التخصصات. وأكد العلمي أن القطاع الصحي بالمغرب يدق ناقوس الخطر، بسبب استمرار تردي الأوضاع الصحية، وغياب أي أفق للإصلاح، مضيفا أن المغرب متأخر صحيا، ويحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة للقطاع حتى يتمكن من مواكبة التطورات التي يعرفها حيث أن هناك فرقا كبيرا بين الخطاب السياسي والواقع الميداني. وأكد رئيس الفريق الاشتراكي أن هناك تزايدا في عدد المستفيدين من الخدمات الصحية، يقابله تضاعف النقائص وتزايد الاختلالات، إذ تحولت المستشفيات المغربية إلى ما يشبه المعتقل، حيث يقضي فيها المريض ساعات طويلة قد لا تسعفه في الحصول على الخدمة الصحية. وأكد العلمي أن هناك إجماعا على تردي الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية، وصعوبة الولوج إلى المراكز الصحية وتفاقم مشاكل مهنيي القطاع، و أن الولوج إلى الخدمات الصحية مازال صعب المنال في كثير من الأحيان بسبب ضعف البنيات وتقادم الأجهزة الطبية، وعدم مواكبة هذه البنيات للتطور الذي عرفه المغرب واتساع دائرة سكانه، بينما ظلت المنظومة الصحية ثابتة ولم تتفاعل مع الخريطة الصحية بالمغرب. فالمستشفيات المغربية تعيش كثيرا من الصعوبات تتمثل في وجود خصاص مهول على مستوى الموارد البشرية خاصة الموارد البشرية المختصة في مجالات طبية معينة. ناهيك عن تراجع السياسة الصحية عن أولوية الرعاية الصحية وتيسير الولوج إلى العلاجات بالنسبة إلى الفئات الأكثر هشاشة وسكان العالم القروي، خاصة في ما يتعلق بصحة الأم والطفل والوقاية، ووجود فوارق كبرى على مستوى توزيع الخدمات الصحية والعلاجية وضعف الشبكة الوقائية الاستشفائية، علاوة على الخصاص الكبير في الأدوية واللوازم الطبية الأساسية وضعف الطب الاستعجالي، مع معاناة مستمرة للمواطنين المعوزين وذوي الدخل المحدود لولوج العلاج خاصة الذين لا يتوفرون على بطاقة الراميد. وأضاف العلمي أن النقائص التي تعاني منها المستشفيات المغربية ترجع إلى سوء التسيير والتدبير وهدر المال العام وغياب الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية حتى داخل مصالح المستعجلات، وعدم التنسيق بين مراكز العلاجات الصحية الأساسية والمستشفيات. حيث لايتوفر المغرب إلا على خمس مستشفيات جامعية تعاني بدورها من نقص في الوسائل اللوجستيكية ومشاكل في الصيانة ونقص في الأطر الصحية، كما تتضمن الخارطة الصحية عشرات المستشفيات الإقليمية تتوزع بين 39 مستشفى متخصصا و102 مستشفى عام والمراكز الصحية 2689مؤسسة، (بمعدل 12000 نسمة لكل مؤسسة في الوسط القروي و43000 في الوسط الحضري)، وتعاني مختلف هذه المؤسسات الصحية من مشاكل بنيوية حادة تتمثل في اهتراء بناياتها وتقادم أجهزتها وعدم تجديدها بسبب انخفاض الميزانيات المخصصة للتسيير والتدبير. ووفق أرقام رسمية، لا يتوفر المغرب إلا على سرير واحد لكل 1000 نسمة مقابل 2.2 سرير لكل ألف نسمة في تونس و7 أسرة لكل ألف نسمة في أوروبا، ولا تبلغ نسبة الاستشفاء سوى 4.7 % بالمغرب مقابل 14 % في تونس، زد على ذلك إشكالية غلاء الأدوية حيث تبلغ حصة الفرد منها 400 درهم سنويا. زد على ذلك غياب استراتيجية حقيقية لتطوير القطاع الصحي، وأن كل التدابير التي اتخذها السيد الوزير لم تغير شيئا في الواقع الراهن، عبر تحقيق التوزيع العادل للخدمات الصحية وتقليص الفوارق بين الجهات، بسبب الإرث الثقيل الذي يصعب تدبيره، مما يهدد بفشل المنظومة الصحية ككل، واستمرار نفس الممارسات السابقة في ظل تنامي مجموعة من اللوبيات التي يمكن أن تشكل عائقا أمام اعتماد إصلاحات حقيقية ومتوازنة، إضافة إلى تنامي حجم الفساد والرشوة والابتزاز المستشري في المستشفيات المغربية وابتزاز المرضى وأسرهم خاصة أثناء العمليات الجراحية .والتوزيع غير العادل للمؤسسات الاستشفائية على التراب الوطني مما يخلق تفاوتات من حيث تقديم الخدمات الطبية، وسوء توزيع الأطباء والممرضين على التراب الوطني، إذ تشهد بعض المناطق اكتفاء ذاتيا في حين تعاني مناطق أخرى خصاصا مهولا، والاكتظاظ خاصة في المستعجلات، وتقادم البنايات وهشاشتها والاستقبال السيء للمريض، وظروف العمل الصعبة للعاملين بقطاع الصحة،والبعد عن المراكز السكنية، والمغادرة الطوعية للأطباء الاختصاصيين إلى القطاع الخاص. وللوقوف عند حجم هذه المعاناة أعطى العلمي المثل بنموذج حي بإقليم وزان الذي يتوفر على مستشفى واحد والذي تم ترقيته إلى مستشفى إقليمي سنة 2010، وطاقته الاستيعابية سرير لكل 2800 نسمة، بينما المعدل الوطني سرير واحد لكل 1000 نسمة (بالمقارنة مع تونس: 2,2 سرير لكل 1000 نسمة، و7 أسرة لكل 1000 نسمة في العديد من الدول المتقدمة)، كما أن بنايته قديمة ومجاله العقاري جد ضيق لا يسمح بالتوسع ويتوفر على 14 تخصصا تغطي حوالي 80 بالمئة من الخدمات الصحية التي يمكن معالجتها بهذا المستشفى، حسب تصريح مندوبية الصحة بالإقليم: الجراحة الباطنية (طبيب واحد)، النساء والولادة ( طبيبة واحدة) التخدير والإنعاش (طبيب واحد)، الأمراض الصدرية والتنفسية (طبيب واحد)، الأمراض النفسية والعقلية (طبيب واحد)، القلب والشرايين (طبيب واحد)، أمراض الجهاز الهضمي وأمراض الغدد (طبيب واحد)، أخصائي في الأشعة، طب الأطفال (طبيبان)، بالإضافة إلى 8 أطباء عامين، فيما تنتشر على مستوى الإقليم مراكز ومستوصفات صحية (أسجن، بريكشة، الحمرية، الجحرة، تروال...)، وتوجد بالإقليم 7 وحدات مختصة في الولادة بالإضافة إلى قاعة الولادة بالمستشفى الإقليمي. كل هذه الإجراءات، رغم أهميتها في تمكين الساكنة من الاستفادة من الخدمات الصحية، لم تشكل سياسة عمومية حقيقية تضمن فعليا الحق في ولوج ساكنة الإقليم إلى كل الخدمات الصحية، بالنظر إلى الخصاص المهول على كافة المستويات: * قدم تجهيزات المختبر ومصلحة الفحص بالأشعة، وانعدام فريق خاص بالصيانة المحلية حيث أن التجهيزات الحالية ليست قابلة لتغطية سوى 70% من الخدمات الصحية. * بالنسبة لمركز تصفية الدم لمرضى القصور الكلوي والمجهز فقط ب 6 آلات لتصفية الدم من بينها واحدة للاستعمالات المستعجلة، وهي غير كافية لتغطية ما يفوق عن 40 حالة مرضية بالإقليم مما يضطر معها العديد من المرضى للتنقل إلى مراكز بمدن أخرى بل منهم من ارتحل من وزان لهذا السبب.. * اعتمادات مالية ضعيفة في مجال اقتناء الأدوية والمعدات الطبية غير كافية لتغطية جميع الحالات المرضية (في حدود 1600.000 درهم) * نقص في الأطر الطبية وشبه الطبية المتخصصة وعدم استقرار العاملين بالقطاع وانعدام التخصصات في القطاع الخاص: طبيب وحيد للجراحة الباطنية بالإقليم ككل وطبيبة واحدة اختصاصية نساء وولادة يعني غياب معوض لهم إذا ما تواجد هؤلاء في رخص مرضية أو خارج أوقات العمل. * غياب تام لجراحة العظام والمفاصل * غياب لقاعات الإنعاش. وأكد العلمي أن المناطق القروية تعرف وضعا مضاعفا فبالإضافة إلى أن ساكنتها تشكل حوالي % 80 من سكان الإقليم ونسبة الفقر و الأمية تتجاوز % 50 ونسبة الربط بشبكة الماء الصالح للشرب في حدود % 45، فإن المراكز الصحية (سيدي بوصبر، أسجن، بريكشة، الحمرية ، الجحرة، تروال ...) تفتقر إلى الكثير من التجهيزات والمعدات والأطر الطبية اللازمة، وشهدت العديد من هذه المراكز غيابات متكررة للطبيب المشرف ولمدد طويلة نموذج جماعات ازعيرة، عين دريج، بوقرة، بريكشة... فيما لا يزال مستوصف قرية الزواقين بجماعة سيدي رضوان، والذي تم إنشاؤه في السبعينيات، مغلق و يحرم ساكنة مجموعة من الدواوير المجاورة، مثل القيطون والجزيرة ووكرار والهرطاج من الاستفادة من خدماته وخصوصا في مجال صحة الأم والطفل: كمراقبة الحمل، التلقيح، الإسعافات الأولية في مختلف الحالات الطارئة،... وكذلك المركز الصحي بمقريصات المغلق حاليا بسبب الضرر الذي لحقه من جراء الأمطار التي تهاطلت على المنطقة في بداية سنة 2013 ونقلت خدماته إلى مركز الولادة القريب منه. واقع الحال يشير إلى معاناة فئة واسعة من المواطنين خصوصا بالمناطق القروية النائية حيث الفقر والهشاشة يجثمان على ساكنتها، مما يجعل الحصول على الخدمات الصحية أمرا عسيرا وليس سهلا، بل إن الكثير منهم والتي تكون حالاتهم مستعجلة يتم توجيههم إلى مراكز ومستشفيات بمدن أخرى (الرباط، القنيطرة، تطوان، الشاون،..)، و هذا ما يؤدي، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة العلاج التي تثقل كاهل المعوزين و ذوي الدخل المحدود وتساهم في ارتفاع نصيب النفقات الذاتية من جيوب هذه الأسر في ظل ضعف التمويل العمومي للصحة ، إلى مضاعفات في حالة المرضى أدت في بعض الحالات إلى وفاة المريض أو المصاب. * عدم وجود أطباء في بعض الحالات الحرجة كالولادة نموذج ما وقع صبيحة يوم 24 يونيو لسيدة حامل فاتها موعد الولادة بسبب عدم وجود جراحة بقسم الولادة رغم زيارتها المتعددة. * قلة سيارات الإسعاف تجعل حياة المرضى والمصابين في خطر، نموذج ما وقع بثانوية خالد بن الوليد الإعدادية، بجماعة سيدي رضوان، يوم الخميس 02 ماي 2013 إثر النوبة الصحية التي تعرضت لها تلميذتان داخل المؤسسة التعليمية حيث ظلتا هناك لفترة طويلة نظرا لعدم وجود سيارة إسعاف تقلهما إلى المركز الصحي بسيدي رضوان. * محدودية عدد الأسرة بالمستشفى الإقليمي و أفرشة دون المستوى مما يجعل أسر المرضى تجلب معها أفرشتها. * غرف مكتظة خصوصا أثناء الزيارات العائلية * قاعات الانتظار صغيرة جدا مما يجعل حتى المرضى يقفون أو يتكئون على بعض الأسوار في انتظار دورهم. * روائح كريهة خصوصا أمام المراحيض. * بعض الأطر العاملة بهذه المراكز الصحية تصدر عنها سلوكات منافية للمهنة. فيما لا تزال بعض الأمراض الخطيرة تظهر بالإقليم كمرض التهاب السحايا أو المينانجيت، حيث ثم تسجيل حالة إصابة في شهر فبراير بدوار أسويل بجماعة مقريصات و حالة أخرى بإحدى مؤسسات التعليم الخصوصية بمدينة وزان شهر دجنبر.