عهد الملك الحسن الثاني كان عهد ملكية سلطوية تتزاوج فيها صورة الحاكم مع صورة الإمام، إنه أمير المؤمنين الذي يترسخ في قلب الزمن كسلطة دينية في سياق تنتقد فيه الحركات الإسلامية الناشئة النظام وتدعو إلى قيام »خلافة ثانية«. أما الأحزاب السياسية العلمانية التي كانت في السابق ترفض هذا الجانب من السلطة، وترى فيه علامة على »استبداد قروسطي» بدأت تعترف به بل وتدافع عنه بقوة على أمل ضمان تمدين الحقل السياسي الحزبي. إن هيمنة الملك على الحقل الديني والذي يتوخى عزل القوى السياسية الإسلامية المعارضة يقود بالضرورة إلى تثبيت وتقوية وضع الملك كأمير للمؤمنين. ملك وأمير المؤمنين هما وجهان للملك كما أعاد بناءها الملك الحسن الثاني في مغرب ما بعد الاستعمار، وتتجسد إن رمزيا على مستوى اللباس من خلال ارتداء البزة العسكرية أو اللباس الأوربي من جهة، والجلباب والطربوش (الفاسي) من جهة ثانية، وهنا تكمن خصوصية الملكية المغربية. وهذا الكتاب يحاول تتبع نشأة هذه الملكية كما أعاد الملك الحسن الثاني ابتكارها... وبالنسبة لكل هذه المواضيع، يرتكز تفسير وحجج الخطاب الديني المدرسي على استراتيجية دفاعية وتبريرية للإسلام تجاه من يعتبر كتحقير وانتقاد خاطئ وغير مبرر تجاه عقيدته. واللجوء إلى النصوص المكتوبة المقدسة في ما يتعلق بالمواضيع المعالجة في المقررات المدرسية، يستخدم هنا كأساس لشرعية المواقف التي يتبناها الخطاب الديني المدرسي، وكذلك كأساس لبلورة التصور الإسلامي التي يتعين على المتلقين للرسالة المدرسية اتباعه وفق مقاربة بيداغوجية كلاسيكية ترتكز على الحفظ والتمرين والمراقبة والامتحان. فالدين والعائلة لا يفترقان ولا يمكن الفصل بينهما في خطاب المقررات المدرسية، فالعائلة، يقول هذا الخطاب ، لا توجد بدون زواج، والإسلام يحث بقوة على الزواج، يقول النبي «»تناكحوا، تناسلوا، فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة.» وبتكرار هذا الحديث، يرتكز مؤلفو المقررات على المهمة الأساسية للعائلة المسلمة، هذه العائلة ترتكز حسب هذه المقررات، على «»الوفاء»« و»المودة» و»الرحمة» و»العدل» و»التعاون» و»المساواة» و»الاستقرار» و»النظام»، هذه الخصال تجعل من العائلة المسلمة مؤسسة اجتماعية مثالية حيث الانسجام هو القاعدة بين الزوج والزوجة من جهة، وبين الوالدين والأبناء من جهة ثانية، هذا الانسجام يرتكز على توزيع المهام وتكامل أدوار الرجل والمرأة والسلطة التراتبية بين الزوج والزوجة من جهة، و بين الآباء والأبناء من جهة أخرى. وإذا كانت هذه السلطة تتطلب الطاعة من جانب المرؤوسين،فإنها لا تلغي مع ذلك اللجوء إلى الإكراه والى العنف الجسدي في بعض الحالات. فالمرأة كزوجة وأم تمثل الحنان، عليها أن تطيع زوجها الذي، بالمقابل، يجب أن يكون راعيا ورحيما تجاهها، ودوره هو العناية بزوجته وببيته وبأبنائه. بالمقابل، الرجل يمتلك السلطة، ويضمن رعاية وأمن عائلته. 3-الرجال قوامون على النساء وانطلاقا من الآيات القرآنية وباستعمال مجموعة أخرى من السور القرآنية والأحاديث النبوية المختارة بعناية، يحاول معدو المقررات شرعنة تراتبية الأجناس داخل العائلة وداخل المجتمع بتقديم الموقف المهيمن للرجل كموقف طبيعي وجعله جزءا من نظام وطبيعة الأشياء، فالرجل تسلم موقع قائد العائلة حسب هذا الخطاب، لأنه لا يمكن لأي مؤسسة أن تشتغل إذا لم يكن على رأسها قائد، والإسلام، حسب هذه المقررات، يعطي هذا الموقع للزوج دون أن يضر بحقوق المرأة. على العكس، للمرأة حقوق لم يسبق أن كانت تتوفر عليها لا في الديانات السابقة عن الإسلام، ولا في المذاهب المعاصرة. هذا الموقف التمجيدي / التبريري للخطاب البيداغوجي تجاه التصور الإسلامي للمرأة يتمظهر من خلال منطق مقارن يعاكس من جهة بين حقوق المرأة في الإسلام بحقوقها في حضارات أخرى، وبين وضع المرأة في الإسلام ووضعها الفعلي في المجتمع الإسلامي المعاصر من جهة أخرى. وهكذا ترتسم لوحتان. لوحة إيجابية تتعلق بوضع المرأة في الإسلام ولوحة سلبية، تتعلق في نفس الوقت بوضع المرأة في الحضارات الأخرى ووضع المرأة في المجتمع الإسلامي المعاصر. بخصوص التناقض الأول، نجد من جهة الإسلام، حيث للمرأة الحق في التعليم وفي العمل و حق التملك وحق تدبير ثروتها وحق التعبير عن رأيها وحق الانتقال وحق المشاركة في الجهاد وحق احتلال مهام عمومية وسياسية وحق ممارسة وظيفة تجارية أو صناعية بشرط ألا يضر نشاطها بزوجها أو بيتها أو أبنائها.