تنعقد الدورة 19 لمهرجان السينما الإفريقية بمدينة خريبكة تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس من 16 إلى 23 يوليوز 2016. ويهتم المهرجان بالإنتاجات الفيلمية الإفريقية التي أنتجت بين سنة 2015 و2016. هكذا تشارك 12 دولة ب 15 فيلما في المسابقة الرسمية من أجل الحصول على ثماني جوائز تقدر قيمتها ب 400 ألف درهم أهمها جائزة صمبين عصمان الكبرى وقيمتها 100 ألف درهم وجائزة لجنة التحكيم 70 ألف درهم وجائزة الإخراج 50 ألف درهم. يترأس لجنة التحكيم، التي ستقوم باختيار الأفلام الفائزة، الفيلسوف الفرنسي إدغار موران السينيفيلي العاشق للفيلم بمكوناته التي تجمع الممثلين والديكور والألوان والأصوات وغيرها، وهو يفهم سياقها في بعد فلسفي عميق. وربما ستجد هذه اللجنة صعوبة في الاتفاق حول الأفلام الفائزة نظرا لعدة اعتبارات أهمها تخصصات الأعضاء وتعدد رؤاهم وجنسياتهم رغم أن ما يجمعهم هو الذوق السينمائي فمنهم المخرج والممثل والمنتج والصحفي. كلما اقترب مهرجان السينما الإفريقية بمدينة خريبكة، إلا ويطرح السؤال حول مدى فعالية هذا اللقاء السينمائي الإفريقي وإضافاته النوعية للصناعة السينمائية بالقارة. السؤال يطرح من طرف المهتمين والنقاد والفاعلين السينمائيين. إلى أن أعيد طرحه بجدية كبيرة من طرف المسؤولين من داخل المهرجان نفسه. واستدعي للتفكير والجواب باقي المهرجانات الإفريقية ابتداء من مهرجان قرطاج المؤسس بتونس سنة 1966 إلى مهرجان الأقصر بمصر مرورا بمهرجان واغادوغو ببوركينافاسو ومهرجان نظرات افريقية الكندي ومهرجان الشاشة السوداء بالكاميرون والذي انطلق سنة 1997. ويبقى السؤال مطروحا اليوم بخصوص مهرجان السينما الإفريقية بمدينة خريبكة، مدينة أقدم نادي سينمائي بالمغرب. لابد من التأكيد في البداية أن فعل تأسيس مهرجان من هذا النوع كان نتيجة هم ثقافي بالدرجة الأولى والذي تملك مؤسسيه بدعم من الحركة النضالية كما وقع في مهرجان قرطاج السينمائي على يد الناقد والسينيفيلي التونسي الطاهر شريعة الذي كان يطالب دوما بتحرير الشاشات العربية والإفريقية في سبيل نهضة سينمائية بالمنطقة. وفي المغرب بفضل الحركة النضالية لمجموعة من الفعاليات الثقافية السينمائية سنة 1977 نساء ورجالا على رأسهم نور الدين الصايل رئيس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية. هكذا رسمت الجامعة خط المهرجان الثقافي والذي حضرته فعاليات سينمائية من خارج المغرب كالطاهر شريعة وسيرج توبيانا وغي هانيبل. وقد كان النقاش الثقافي السينمائي في مستوى فكري عال يتناول الحضور السينمائي صوتا وصورة إلى جانب الحضور الأيديولوجي الخاضع لشروط المرحلة التاريخية فكريا وسياسيا. إلا إن الدعم الأساسي كذلك، كان من طرف المكتب الشريف للفوسفاط، وهو الدعم المادي. وكان هذا الدعم مؤشرا إيجابيا في تحقيق فعل المهرجان السينمائي الثقافي ولازال. بالرغم من كون المهرجان كان يمثل دول القارة الإفريقية فقط. أي دول المغرب العربي ومصر وإفريقيا جنوب الصحراء. وبالرغم من كون السينما لم تكن مزدهرة في كل الدول الإفريقية مكتفيا فقط بمصر والجزائر وتونسوجنوب إفريقيا والسينغال ومالي على أكثر تقدير وهو العدد الذي تقلص اليوم. فقد كان أكبر ورشة مشاهدة ونقاش للأفلام السينمائية تمتد من العاشرة صباحا إلى الثانية ليلا من اليوم الموالي، ولعل فعاليات الأندية السينمائية تتذكر اللقاء الذي استمر زهاء خمس ساعات مع المخرج التونسي نوري بوزيد. الكل يتذكر النقاشات السينمائية العميقة خلال فترة السبعينات والثمانينات وما بعدها. حيث لا يسع بعض السينيفيليين إلا الانتباه والاستفادة من الدروس السينمائية التي تمرر عبر مناقشة الأفلام صبيحة كل يوم من أيام المهرجان. هكذا تكون القيمة الثقافية للمهرجان قد انطلقت وتعمقت، ليس فقط من خلال نقاشات الأفلام بعد مشاهدتها التي أغناها اطر الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، ولكن من خلال الندوات الرئيسية التي كانت تعقد حول موضوع معين وله ارتباط وثيق بالسينما تستدعى له شخصيات فكرية وفي هذا الصدد تم استدعاء المفكر ريجيس دوبري على سبيل المثال لا الحصر. وها هو اليوم إدغار موران يحل ضيفا ثقافيا على مدينة خريبكة بخبرته الفلسفية والفكرية ليشرف على الحصيلة السينمائية المقدمة في الدورة 19 لهذا المهرجان وهو السينيفيلي العاشق لما يطرحه الفيلم السينمائي من تيمات وشخصيات وإضاءة وأمكنة ..وهو من المنظرين العالميين للفكر والحياة في بنائها المعرفي وطابعها التربوي وناقد النظام الاقتصادي العالمي الفارغ من إنسانيته كما يقول في محاضراته بمؤسسات علمية بالقارة الأوروبية وغيرها. لا يسعنا إلا أن نتذكر الرصيد الثقافي الذي عرض ونوقش في دورات المهرجان منذ تاريخ انطلاقه سنة 1977 أي أربع سنوات بعد تأسيس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب على يد ثمانية أندية سينمائية وازنة بالوطن. هذه الأندية التي كانت تؤثث المهرجان/الملتقى السينمائي الإفريقي بخريبكة إضافة إلى عديد من الفعاليات السينمائية من مخرجين ونقاد وصحافيين وباحثين. هذا الرصيد الذي دعمه الناقد السينمائي الطاهر شريعة من تونس وعصمان صمبين الذي تأكد آنذاك من أن الصورة هي الوسيلة الممتازة للدفاع عن إفريقيا وبالفيلم أساسا. كما نتذكر السينمائي عاطف الطيب وتوفيق صالح ومصطفى الدرقاوي ومحمد مفتكر وسليمان سيسي القادم من مالي والذي يعتبر ان كل فيلم انجزه فهو معجزة وكاستون كابوري من بوركينافاسو ورئيس فدرالية النقاد السينمائيين الأفارقة السابق بابا ديوب وأحمد بهاء الدين عطية..... كل هذه الرموز أعطت دفعة كبيرة للفعل الثقافي السينمائي لمهرجان السينما الإفريقية بمدينة خريبكة. الرصيد الثقافي يغتني بتجربة تتميز دورات مهرجان خريبكة وهي الأنشطة السينمائية الليلية ما بعد منتصف الليل وتخصص لعرض أفلام نادرة أو لتطارح أفكار للتداول. نتذكر مثلا ليلة الجامعة الوطنية للأندية السينمائية في التسعينات من القرن الماضي والتي اعيد تذكرها السنة ما قبل الماضية. وخلال هذه السهرات السينمائية الثقافية نسترجع تجربة سينمائية معينة كالسينما السينغالية والتونسيةوالمالية وغيرها من التجارب التي تستحق كل تقدير يعتبر مهرجان السينما الإفريقية بمدينة خريبكة فرصة لإبراز المجهود الذي تقوم به السينما المغربية وذلك من خلال حصول أفلامها على جوائز عديدة نتذكر هنا فيلم "جوق العميين" لمحمد مفتكر و"زمن الرفاق" للشريف طريبق ... ومن جهة أخرى الدور الذي يقوم به المغرب في خدمة السينما الإفريقية من خلال الدعم المادي والتقني لعدد كبير من السينمائيين الأفارقة تشجيعا للشراكة جنوب/جنوب عوض الاكتفاء بالشراكة جنوب/شمال. وهكذا يعتبر مهرجان خريبكة السينمائي متنفسا وأوكسجينا للسينمائيين الأفارقة حيث يتم فيه تداول قضايا السينما من خلال الندوات التي يساهم فيها السينمائيون والمسؤولون في القطاع السينمائي الخاص والعام. نذكر أن دورات خريبكة اشتغلت على ثيمات متنوعة منها السينما والمؤسسات العمومية بإفريقيا ودور المهرجانات في دعم الفيلم الإفريقي بالإضافة إلى موضوع القرصنة. لا يمكن أن ننسى دور الورشات التكوينية التي يساهم في تأطيرها مخرجون سينمائيون ومثقفون ونقاد وأساتذة جامعيين من طينة يونس الركاب وعبد الكريم الدرقاوي وكمال كمال والشريف طريبق ويوسف ايت همو وأمين صابر ولطيفة نمير وزينب الهردوز.. والأهمية الكبرى للمهرجان كونه يفتح الباب ليتمكن المشاهد الخريبكي من متابعة الفيلم الإفريقي مشاهدة ونقاش من خلال فضاءات تعرض فيها الأفلام.