الفقيه البصري وهل هناك منطق آخر في السياسة يا السي المهدي؟ المهدي نسأل الأمير فهو المجرب وهو الطبيب. الأمير عبد الكريم (يبدو عليه الضيق) من الأحسن أن نترك هذا النقاش المجرد ونفكر في الأمور الواقعية. المهدي (وقد استعاد فجأة حماسه واندفاعه) أجل يا سمو الأمير، فالواقع هو وحده الجدير بأن نهتم به.الواقع الملموس المستلزم للتحليل الملموس. الفقيه البصري هذا الواقع يقول ،يا أخ المهدي، بأن الوقت قد حان لأن تعود إلى البلد.فالحزب يتهيأ لعقد المؤتمر الثاني وأنت ،يا أخ المهدي،يلزم أن تكون في الصفوف الأمامية. المهدي المعركة في الخارج ضد الامبريالية و الاستعمار الجديد هي أيضا معركة في الصفوف الأمامية. الفقيه البصري لا أقول العكس وحاشا أن أقوله.ولكن المعركة في الداخل هي معركة ضد وحش ملموس (ينظر إلى الأمير عبد الكريم الصامت ، ويتدارك) أقصد أن العدو في الداخل هو يعرفك وأنت تعرفه...مواجهة مباشرة يعني...و بالطبع، فالمعركة واحدة والجبهات مختلفة. الأمير عبد الكريم (متدخلا) الفقيه معه حق يا السي المهدي: فكر جيدا في العودة إلى البلد...بسبب مؤتمر الحزب أو بدونه (شاردا قليلا) فالابتعاد طويلا عن الناس الذين أنت واحد منهم ليس دائما أمرا جيدا. المهدي أفكر في الأمر جديا يا سمو الأمير ولو أنني في قرار نفسي أحس بأن الناس الذين أرتبط بهم حقيقة لم تعد تحدهم حدود...سوى حدود الإنسانية المعذبة في الأرض (بعد صمت قصير) وهذه الحدود هي مثل الأرقام والأشكال الهندسية ندركها فقط في الذهن وبالذهن. الفقيه البصري المغاربة هم ناس من لحم ودم وليسوا أرقاما وأشكالا هندسية يا أخ المهدي. المهدي (متجاهلا) والذهن يتعذب كثيرا لما يدرك أن الروابط بين الإنسان و أخيه الإنسان يمكن أن تتغلب على الروابط التي هي من لحم ودم (مخاطبا الفقيه البصري) اطمئن يا أخ البصري،فأنا سأرجع قريبا إلى البلد وسنكون جميعا في الصفوف الأمامية في مؤتمر الحزب الثاني. من «أوراق» إدريس غير المنشورة: يبدو البلد مثل مدينة هائلة يلفها ظل طائر خرافي لا هو يطير ولا هو يحط. أين قرأت هذا التشبيه؟ أقرأ ، واستغرق في القراءة، وأؤجل مشروع الكتابة إلى حين. أقرأ روايات وكتب فكرية وأحس بأنني «أفكر» بمنطق السارد و «أسرد» بمنطق المفكر. والعجيب أن هذه حال لا تقلقني البتة. ولكن حال البلد تقلقني حقيقة: فالأحداث تتسارع وتتزاحم مؤشرة على ما لا يدع مجالا للشك بأن الكتاب الذي تبدأ قراءته على أساس أنه فكر خالص سرعان ما يتكشف مضمونه بأنه سرد باهت لمصائر شخوص باهتة يحركها قدر اسمه التاريخ وهؤلاء الشخوص (أتكلم هنا عن سين مجهولة بلغة «الرئيس» ) قد تأخروا عن السير في ركابه. وأفكر في كتابة رواية أصف فيها حال الغربة واليتم-غربة إدريس ويتمه. وكالعادة أوجل مشروع الكتابة إلى حين. وجاءتني رسالة من المهدي بأن الحق به في محل إقامته في سويسرا: « الجو صحي، الطعام صحي، وأدعوك للتفكير معي بمنطق صحي في حال البلد» هكذا كتب المهدي في رسالته. المشهد رقم7:داخلي/بيت المهدي في سويسرا/نهارا. (المهدي،إدريس) المهدي: سويسرا بلد خاص جدا و استثنائي جدا.لو شبهت الكوكب الأرضي بجسد لقلت بأن سويسرا هي الرئة التي منها تتنفس الإنسانية فوق الكوكب الأرضي.