«سيكون خطري عليهم ميتا أكثر مما هو عليه وأنا حي أرزق» المهدي بنبركة « هذا الميت ستكون حياته صعبة.هذا الميت ستكون له الكلمة الأخيرة الحاسمة» دانييل كيران وود المهدي –وهذا شعور روحي غريب - لو أن إدريس هو الآن بجانبه ليناقشه في هذه المسألة بالضبط: سيقول إدريس بأن هذه روح الكوجيطو الديكارتي معبر عنها بصياغة باسكالية. وهو لن يعترض: فلطالما فكر بأن ديكارت وباسكال هما وجها الرياضيات المتلازمان:عقل يستدل وروح تحدس.وبالطبع، سيعارض إدريس ويحتج بأن هذه تلفيقية، والتلفيقية عدو الفكر التاريخي الضروري لتقدم المجتمعات.وهو لن يعترض مرة أخرى. هو فقط سيتساءل: من يدري إذا ما كان التاريخ حقيقة لا يتقدم إلا بواسطة هذه التلفيقية المدانة؟ لقد مازحه ذات مرة شيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي (هذا العالم الجليل والتقدمي الذي يحب النكتة والمزاح إلى أبعد حد)، وقال له : تلك الإكس Xاللعينة التي مرت قرون، وقرون، وأنتم الرياضيون الدمايغية تجرون وراءها بدون طائل يا السي المهدي... نحن الفقهاء أصحاب الصلصال واللوح عثرنا على حل لها وانتهينا من مشكلتها بيسر وبساط: زوجناها بY على سنة الله ورسوله فتهنّت وتهّنينا وتهنّت عقول المسلمين وكفانا الله شر التفكير الذي لا يجر غير صداع الرأس! وقد ضحك المهدي وقتها طويلا، و الآن هو يبتسم مستعيدا هذه الواقعة.لكن الأخبار القادمة من الكونغو تقلق وتبعث على الأسى:فهذا بلد إفريقي يقف على رأسه قائد ومناضل من الصنف النادر ويهتف بحضور ملك الدولة المستعمرة في حفل عام: كفى! لن نستبدل استعمارا قديما باستعمار جديد! ويفكر المهدي: إن كل المؤشرات تدل على أن مؤامرة خبيثة تدبر ضد القائد المناضل لومومبا. وانتهت أيام شاتلغويون –ك»صيف لن يتكرر»- وطار المهدي إلى القاهرة ليحضر اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية الأسيوية التي أصبح هو نائب رئيسها. ورجع الأولاد وأمهم إلى المغرب...المغرب الذي تزيد الأخبار القادمة منه المهدي قلقا.فأحس فجأة –وهو في قلب القاهرة- بأنه في حاجة إلى أن يفتح قلبه ويتحدث ويبوح.فتلفن إلى بيت الأمير بنعبد الكريم الخطابي في شارع قاسم أمين يطلب موعدا للقاء شيخ المجاهدين المغاربة. المشهد رقم2: داخلي/بيت الأمير عبد الكريم الخطابي في القاهرة/نهارا. (فيلا الأمير الخطابي.صالون كبير في خلفيته درج يفضي إلى الطابق العلوي.يدخل المهدي من باب جانبي يتقدمه عبد السلام نجل الأمير وهو يدعوه إلى التفضل بالجلوس و الانتظار.يجلس المهدي على أريكة .) عبد السلام الأمير يشكو من إعياء منذ الأمس ولكنه مصر على لقائك يا السي المهدي. المهدي على أية حال أتمنى ألا ترهق هذه الزيارة كثيرا سمو الأمير. عبد السلام لا...لا...بالعكس يا السي المهدي.إن اللقاء بأبناء البلد والحديث معهم ينعشه بشكل عجيب! وأنت يالسي المهدي تعرف أنه يقدرك تقديرا خاصا، أنت و السي عبد الرحيم ، ومولاي عبد الله إبراهيم. (نحنحة من جهة الدرج، يظهر الأمير الخطابي نازلا وهو يعرج قليلا: قامة قصيرة بلباس هو مزيج من لباس علماء فاس وأهل الريف. الأمير تجاوز السبعين عاما بقليل ومع ذلك فحيوية خارقة تنبعث من عينيه مع ملامح إعياء بارزة على وجهه). الأمير الخطابي السلام عليكم. المهدي (واقفا) وعليكم السلام.أتمنى ألا تكون هذه الزيارة مرهقة لسمو الأمير. الأمير الخطابي (يجلس فوق أريكة تغطيها سجادة صلاة خاصة ويدعو المهدي إلى الجلوس) هذه الزيارات ،يا السي المهدي ، هي التي أشتم من خلالها ريحة البلد.الغربة مريرة وأنت ياا السي المهدي -وعلى ما حكوه لي- بدأت تجربها (يبتسم). المهدي (مبتسما بدوره) الاستعمار اللي اعتقدنا أنه خرج من الباب رجع من النافذة. الأمير الخطابي (في جد وصرامة)