المهدي هذه دراما! إدريس (صمت) أنا في هذه الأيام أعيد قراءة ابن خلدون وأفكر في تجربة إخفاقه سياسيا. المهدي (ناظرا إلى رفوف الكتب المكتظة): ألاحظ هذا من خلال عناوين الكتب الموضوعة فوق المكتب .المقدمة.شفاء السائل.فما حصيلة تفكيرك يا أستاذ؟ رجاء،(ضاحكا) قدم لي النتيجة مجردة من الحيثيات؟ إدريس هذا بالضبط هو جوهر الإشكال أو عقدة الدراما يا حضرة الرئيس: فصل منطق التفكير عن نتيجته أو فصل النتيجة عن منطق استخلاصها.أنت يالسي المهدي، واسمح لي على هذه الجرأة في القول، تطالب من تحاول إقناعه بأن يسلم أولا ثم يفكر ثانيا.وهذا أسلوب لا هو رياضي خالص ولا هو حجاجي كامل. المهدي صاحبك ابن خلدون-فيما قرأت وفهمت- لم يفعل ما هو مختلف ولا فعل ما هو أحسن. إدريس ابن خلدون أخفق لأنه لم يتعلم إلا متأخرا أن الواقع لا تغيره النوايا ولكن تتحكم فيه طبائع العمران البشري. المهدي (ضاحكا) وأنا أتساءل: من هو المتشائم،أنا أم أنت وصاحبك المؤرخ المشهور؟ إدريس لا تفاؤل ولا تشاؤم ، يا سيادة الرئيس، ولكن ضرورة استيعاب درس التاريخ كما هو. المهدي مزيان آسيدي! طاحت وجبرناها! أنت يا سيدي تعيد قراءة ابن خلدون ، و أنا أعيد قراءة تجربتنا في البلد من طاق طاق إلى السلام عليكم (ينحني نحو إدريس بمحبة تقدير) وسوف أحتاجك،يا أستاذ، من أجل التفكير معا في هذا الصدد. مقال السارد: قضى المهدي أياما في القاهرة ثم طار إلى بيروت. كانت القاهرة –في هذا الوقت- تمور بالأفكار والرجال ، وكل شيء فيها –من الرجال إلى الأفكار- يتسابق كأن الزمن في مصر –أم الدنيا- نفض عنه فجأة أحجار وصخور الأهرام التي اندفن تحتها قرونا واليوم هو يتحرر وينبعث. بدل كتاب الموتى المنقرض ها هو كتاب جديد يتخلق:كتاب فلسفة الثورة. وكان الزعيم يملأ بصوته و صورته –حسا ومعنى- الفضاء العربي من المحيط إلى الخليج ومن الخليج إلى المحيط. لقد فشلت تجربة الوحدة بين مصر وسوريا، و انغرز الفشل كشوكة في حلق وخاصرة الزعيم (ومعه كل الوحدويون و التقدميون العرب)،ولكن الصوت الشامخ–»صوت العرب»- ما بح و لا خارت القوة في الخاصرة المنتصبة. وقد حاضر المهدي في «دار المغرب» بالقاهرة -حيث امتلأت القاعة عن آخرها بالطلاب المغاربة و المشارقة- وحذر المحاضر، بالخصوص، من السقوط في شرك اليأس والاستسلام. وقال بأن بؤر الثورة مشتعلة في قارات العالم الثلاثة: من فيتنام في آسيا، إلى الجزائر في إفريقيا ، إلى كوبا في أمريكا اللاتينية. وأكد المهدي لصحفي سأله عن صحة خبر استقباله من طرف «الريس/الزعيم» ، بأن الاستقبال تم بالفعل، وأنه –هو المهدي- تحادث مع الريس عن «ضرورة تعميق تضامن شعوب القارات الثلاثة»، وأنه سيطير بعد أيام إلى بيروت ، ثم إلى دلهي ليعمل على تعميق هذا التضامن. وكان إدريس حاضرا، وسجل كخاطرة في هذا اليوم ما يلي: «شيئا فشيئا يتحرر فكر المهدي من ثقل ضغوط البلد الاقتصادية والاجتماعية ويسبح في سماء سياسية عالية.لقد تحول إلى إنسان طائر –حسا ومعنى- يركب الطائرة مثلما كان يركب الدراجة في نهاية الأربعينيات يطوف بها في شوارع الرباط، من السويقة، إلى شارع المخزن، ، ثم إلى عديد الأحياء الشعبية حيث يترأس اجتماعات الخلايا الوطنية. العالم كله بدأ يتحول إلى مدينة مترامية الأطراف.هل هذا شيء حسن؟هل هذا شيء سيء؟ لست أدري.»