عهد الملك الحسن الثاني كان عهد ملكية سلطوية تتزاوج فيها صورة الحاكم مع صورة الإمام، إنه أمير المؤمنين الذي يترسخ في قلب الزمن كسلطة دينية في سياق تنتقد فيه الحركات الإسلامية الناشئة النظام وتدعو إلى قيام »خلافة ثانية«. أما الأحزاب السياسية العلمانية التي كانت في السابق ترفض هذا الجانب من السلطة، وترى فيه علامة على »استبداد قروسطي» بدأت تعترف به بل وتدافع عنه بقوة على أمل ضمان تمدين الحقل السياسي الحزبي. إن هيمنة الملك على الحقل الديني والذي يتوخى عزل القوى السياسية الإسلامية المعارضة يقود بالضرورة إلى تثبيت وتقوية وضع الملك كأمير للمؤمنين. ملك وأمير المؤمنين هما وجهان للملك كما أعاد بناءها الملك الحسن الثاني في مغرب ما بعد الاستعمار، وتتجسد إن رمزيا على مستوى اللباس من خلال ارتداء البزة العسكرية أو اللباس الأوربي من جهة، والجلباب والطربوش (الفاسي) من جهة ثانية، وهنا تكمن خصوصية الملكية المغربية. وهذا الكتاب يحاول تتبع نشأة هذه الملكية كما أعاد الملك الحسن الثاني ابتكارها... شكلت الهجمات الإرهابية التي نفذتها مجموعة تكفيرية تنتمي لأحد الأحياء الهامشية بأربعة أماكن متفرقة بمدينة الدارالبيضاء يوم 16 ماي 2003 ،شكلت حدثا لافتا في تاريخ الحركة الإسلامية بالمغرب، وسجلت تلك الأحداث دخول الحركة الجهادية والتكفيرية إلى الساحة السياسية المغربية، وكشفت في نفس الوقت عن واحد من أوجه الإسلامي السياسي اليوم. هجمات الدارالبيضاء وسعت من طيف الحركات الإسلامية بالمغرب، البلد الذي أصبح بوابة التطرف الديني في أعنف تعبيراته، ومنذ تلك الأحداث تم اكتشاف عشرات الخلايا الجهادية ، وكل موجة اعتقالات تكشف عن وجود تنظيمات جديدة جاهزة ومستعدة للفعل:» التكفير والهجرة» «جماعة الصراط المستقيم» «أهل السنة والجماعة» ««أنصار المهدي» ««جماعة التوحيد والجهاد»» «حزب التحرير الإسلامي»» ««فتح الأندلس»» ««المرابطون»..» الخ. ولابد من الإشارة إلى أمرين يميزان هذا المكون الجديد في خريطة الحركات الإسلامية بالمغرب الأمر الأول يتعلق بالبعد «فوق وطني» للحركات الجهادية المغربية. والأمر الثاني ذو طابع إيديولوجي يرتبط بدخول الوهابية إلى الحقل الإيديولوجي للإسلام السياسي بالمغرب. بخصوص البعد فوق الوطني للسفلية الجهادية المغربية ثبت وجود علاقات بين بعض التنظيمات التي تم اكتشافها بالمغرب، أو بعض زعمائها مع منظمات جهادية خارجية مثل التنظيم الجزائري» الجماعة السلفية للدعوة والقتال» التي تحولت إلى تنظيم قاعدة الإسلام في المغرب الإسلامي، قاعدة الجهاد الإسلامي في بلاد الرافدين بزعامة أبو مصعب الزرقاوي، أو الجماعة الإسلامية المقاتلة التنظيم الذي بايع أسامة بن لادن والقاعدة. هذا البعد الدولي الأممي للجهاديين بالمغرب هو أحد خصائص هذا الوافد الجديد على ساحة الإسلام السياسي بالمغرب، والتي ظلت حتى الآن محلية ووطنية. إن تورط عناصر من مغاربة العالم في أهم بؤر الجهاد الإسلامي اليوم في أفغانستان في العراق وفي سوريا على الخصوص، أو في أهم العمليات الإرهابية لهذه العشرية الأولى من القرن 21 عبر العالم في الولاياتالمتحدة 11 شتنبر 2001 في مدريد 11 مارس 2004 في السعوديةالظهران وغيرها من العمليات يؤثر على هذا الجانب «الفوق وطني» للجهاديين المغاربة. ويعتبر المغرب اليوم من الدول التي ترسل المرشحين للجهاد في العراق، بعد أن كان كذلك بالنسبة لأفغانستان البوسنة أو الشيشان. ومابين 2006و 2007 فككت السلطات الأمنية 12 خلية تجنيد شبان مغاربة للجهاد في العراق. شبان مغاربة أو من أصول مغربية تورطوا كذلك في أعمال إرهاب دولية نفذتها القاعدة عبر العالم الولاياتالمتحدة، مدريد، العربية السعودية الخ وسبق للقاضي الاسباني المكلف بمكافحة الإرهاب بالتازار غارسون «أن المغرب يضم ما لا يقل عن 100 خلية إرهابية مرتبطة بالقاعدة قادرة على قيادة عمليات انتحارية، وتشكل أسوأ تهديد إرهابي لأوربا». وفي شهادته أمام اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في هجمات 11 مارس 2004 بمدريد، أوضح القاضي الإسباني، استنادا لمصالح الاستخبارات «أن كل خلية تضم من 5 إلى 10 أفراد، وهو ما يمثل حوالي 900 إلى 1000 شخص يمكن أن يكونوا متابعين من طرف الشرطة المغربية اليوم»». من جانبها تعتبر أجهزة المخابرات الأمريكية مدينة تطوان كواحدة من قواعد تجنيد الانتحاريين المغاربة في العراق. والمغاربة الخمسة المتهمين بالمشاركة في 11 مارس 2004 بمدريد، والذين انتحروا بعد ثلاثة أسابيع بالمنزل الذي كانوا يختبئون فيه في مدينة ليغانيس بعد أن حاصرتهم الشرطة الاسبانية، كلهم ينحدرون من حي مسجد مزواق بضواحي تطوان، والعديد من الشباب المغاربة شاركوا في الهجمات ضد القوات الأمريكية المنتشرة في العراق سيرا على نهج وخطى من سبقوهم في أفغانستان والشيشان أو البوسنة، وعودتهم إلى المغرب تشكل تهديدا تأخذه السلطات على محمل الجد. الإيديولوجية الوهابية تشكل العنصر الثاني المميز لهذه الحركات الجهادية. والوهابية، ذات المرجعية الفقهية الحنبلية تتميز بصرامتها وقراءتها النصية للمتن القرآني، هذه الإيديولوجية التي كانت هامشية في المغرب،وتتميز بزهدها وابتعادها عن السياسة في سنوات 50 و 60 من القرن الماضي حالة الشيخ المغربي تقي الدين الهلالي، ستتغلغل بقوة في المغرب لا سيما من خلال إنشاء شبكة من المدارس لتعليم القرآن تنشطها شبكة من الجمعيات الموالية للوهابية على شاكلة جمعية الدعوة للقرآن والسنة بزعامة الشيخ المعزاوي تأسست سنة1976 هذا الشيخ الوهابي المقرب من العربية السعودية واستفاد من أموالها الكثيرة، أسس شبكة تفوق 100 مدرسة قرآنية منتشرة عبر مختلف المدن المغربية في نهاية القرن 20، أغلبية هذه المدارس أغلقت من طرف السلطات سنة 2008 في سياق الفتوى التي أطلقها الشيخ المغراوي، والتي سمح فيها بتزويج البنت في سن 9 سنوات بينما قانون مدونة الأسرة يحدد سن الزواج بالنسبة للجنسين في 18 سنة، ومع ذلك أعيد فتح تلك المدارس تم أعيد إغلاقها من جديد سنة 2013. هذه الوهابية الزاهدة واللاسياسية في بداياتها، سيتم تسييسها وستصبح متطرفة في أواسط سنوات 90 مع ميلاد الوهابية الجهادية في أعقاب الانقسام الذي حصل داخل الحركة الوهابية والمواجهة بين شيخين وتيارين داخل الوهابية، الشيخ محمد بن عبد الرحمان المغراوي والوهابية التقليدية من جهة، والشيخ محمد الفيزازي والوهابية الجهادية من جهة أخرى، هذا الانقسام داخل الحركة الوهابية بالمغرب هو ترجمة محلية للصراعات داخل الحركة الوهابية السعودية، بين الوهابية التقليدية للعائلة الحاكمة، والوهابية المتمردة التي كان يتزعمها أسامة بن لادن وأتباعه. الوهابية استعملت كمرجع مذهبي لشبكة من المجموعات التكفيرية النشيطة في سنوات 90 و 2000 لاسيما في الأحياء الهامشية لمدينة الدارالبيضاء وفي المدينة العتيقة بفاس و سلا وسيدي الطيبي ومكناس وطنجة وتطوان وفي أماكن متفرقة من البلاد حيث ينعدم الأمن ويتفشى الانحراف.