كثيرون هم المبدعون الشباب في مجالات الفن والأدب من شعر وقصة ورسم تشكيلي وغيرها في المغرب، يشقون طريقهم بثبات ويعملون على تحقيق طموحاتهم بالرغم من العراقيل والمثبطات المختلفة، ومن أبرزها قلة الدعم وندرة من يقدم العون المعنوي والمادي لهم. ويعاني الأدباء والمبدعون الشباب بالمغرب أيضا من «مضايقات وإهمال» بعض الأدباء المخضرمين من الذين ينتمون إلى جيل الكبار، والذين لا يتورعون في دخول صراع غير متكافئ مع هؤلاء المبدعين الشباب، أسماه الكثيرون صراع الأجيال الأدبية في البلاد. مواهب أدبية وبرزت أسماء مغربية شابة في سماء الأدب والشعر والرواية والقصة وفي سماء الفن من غناء وإنشاد ديني وفنون تشكيلية، استطاعت أن تجذب الانتباه لها، بل وتحصل على جوائز عربية ودولية وتحظى باعتراف وتقدير الآخرين لها. في مجال الأدب على سبيل المثال لا الحصر، وجد أدباء شباب لأنفسهم السبيل لنحت الصخر في صبر وتؤدة بالرغم من ضآلة إمكاناتهم المادية التي تعرقل نشر إبداعاتهم في كتب ورقية تتيح للجمهور الواسع التعرف عليهم، فمال بعضهم إلى وسيلة الإنترنت لكونها أيسر وأكثر إتاحة. بالمقابل، اشتهرت أسماء أدبية شابة في المغرب لا يمكن سردها كلها، بعضها فاز بجوائز ثقافية وإبداعية عربية معروفة من قبيل جائزة الشارقة للإبداع العربي التي نالها بعض الأدباء الشباب من قبيل عبد العزيز الراشدي، أو الباحث الشاب محمد تنفو الذي فاز بجائزة الشارقة في دورتها 13 في صنف الدراسات النقدية. ولفتت الانتباه مواهب شابة أخرى مثل الشاعر المغربي محمد عريج الذي توج أخيرا بجائزة البردة في مدح الرسول الكريم، واحتل المركز الأول من بين 170 شاعرا يمثلون مختلف أنحاء العالم، وأيضا القاص الشاب لحسن باكور الذي نال جائزة دبي الثقافية للإبداع في دورتها السادسة، والشاعر الشاب أنس الفيلالي الحائز على جائزة ناجي نعمان للإبداع الدولية بلبنان. ويعتبر مثل هؤلاء وغيرهم كثير نماذج حية ومشرقة لأدباء شباب، بعضهم في عقده الثاني وبعضهم الآخر يلامس عقده الثالث من عمره، استطاعوا أن يجدوا لهم مكانا تحت الشمس في فضاء الإبداع الأدبي، واهتم بهم المشارقة أكثر من بني جلدتهم لاعتبارات عديدة، سواء على مستوى تتبع مسارهم ونشر إنتاجاتهم أو على مستوى التتويج بالجوائز والتقديرات. الإنشاد والرسم وفي مجال الإنشاد الإسلامي، شدت الانتباه مواهب ومبدعون شباب كُثُر استطاعوا أن يشقوا طريقهم في هذا الميدان بعزيمة وصبر قويين، خاصة أن التألق في نمط الإنشاد الإسلامي ليس متاحا للجميع وتعترضه مشاكل عدة لعل أقلها قلة يد المنشد وضعف الدعم المادي والإعلاني للنشيد الإسلامي. وبالرغم من كل المعوقات، برزت أسماء فنية في الإنشاد الديني من قبيل المنشد رشيد غلام الذي تجاوزت شهرته حدود الوطن ليعانق إبداعه سماءات الوطن العربي كله، وبرز بعده جيل شاب في الإنشاد الديني، حيث تألقت أسماء مغربية في مسابقة منشد الشارقة على سبيل المثال، وفاز مروان حاجي بالرتبة الثانية في دورتها الثانية، بينما حصل المنشد الشاب نور الدين شقرون على اللقب في الدورة السادسة التي أجريت خلال رمضان المنصرم. وليس الشعر والرواية والإنشاد المجالات الوحيدة في صنوف الأدب التي تألقت فيها المواهب الشابة بالمغرب، فهناك أيضا مجالات من الصعب اقتحامها من طرف صغار السن، مثل الفن التشكيلي الذي يستوجب تقنيات معينة في مساحات وتوزيع أشكال الضوء والألوان تجعل الإبداع فيه عسيرا على صغار السن. لكن الأختين هبة وغيثة الخمليشي (10 و15 عاما على التوالي) كانتا الاستثناء العجيب في هذا السياق، إذ تستعد الصغيرة غيثة لدخول كتاب غينيس للأرقام العالمية باعتبار العدد الهائل للوحات الفنية، أكثر من ألف لوحة خلال سنتين فقط، والتي رسمتها بإتقان وتقنية تضاهي تقنية أكبر الفنانين في هذا المجال. وشكلت موهبتهما الخارقة في الرسم جدلا داخل الأوساط الفنية بالبلاد، فمن النقاد من نعتهما بالأخوات ويليامز في الرسم بفضل براعتهما المتناهية في الرسم التشكيلي، بينما شكك آخرون في موهبتهما وفي كونهما هما من ينجزان تلك اللوحات بسبب سنهما الصغير. شق الطريق إن هذه المواهب الشابة في شتى المجالات الإبداعية سواء في الأدب أو الفن أو الغناء غالبا ما تصطدم بالكثير من العراقيل والمعوقات الموضوعية والذاتية، تتجلى أكثرها في ضعف الموارد المالية للمبدع الشاب، وقلة من يدله على الطريق ويمده بالعون المعنوي والإرشاد اللازم لشق طريقه بيسر.. وفي الأدب -أنموذجا- يؤكد الشاعر الشاب أنس الفيلالي في حديث «لإسلام أون لاين» أن هناك أقلاماً مبدعة شابة تحاول شق طريقها في النسيج الإبداعي في الشعر والقصة والرواية، وهي تختلف فيما بينها في المستويات والإمكانات الإبداعية كما الحال في أي بلد عربي، وأيضا بالمقارنة مع نظيراتها المشرقية التي تحضر بشكل أبرز في الكتابة والنشر.. ويضيف الفيلالي: هذه الحتمية فرضها بطبيعة الحال الوضع الإبداعي لكل مبدع على حدة، حسب ماهية طاقته الإبداعية، وكذا الوضعية التي فرضتها عليهم الإكراهات الثقافية في المغرب، والتي يلعب الكل فيها دور الممثل والمخرج والخشبة في آن، ويفرض دور المتفرجين على البقية. ويرى الشاعر الشاب أن المؤسسات الحزبية ثقافية، وليس كلها بالنظر إلى منشورات وزارة الثقافة الحالية، تنشر تجارب رصينة بإبداعاتها، ولها حساسيات ورؤى وأنماط حزبية مختلفة، بخلاف تعاملات الوزارة الوصية مع الأشخاص الذين مروا عليها سابقاً بدون استثناء، وأيضاً باقي المؤسسات الأخرى التي لا تتعامل مع المبدعين الشباب الخارجين عن عزف قانونها السياسي، وعن معاملات حساباتها الخاصة بالإبداع». مرض المُجايلة ويتذكر المهتمون والكُتّاب المغاربة حادثة شهيرة حدثت قبل سنوات عديدة بين أديب ينتمي إلى الجيل السابق وهو من طينة الأدباء الكبار في البلاد، وبين شاعر شاب حينها كان ينشر إبداعاته في الصحف المحلية، حيث اتهم الكاتب الكبير الأدباء الشباب بانعدام الاحترام وبالرغبة في حرق المراحل وأسماهم «غلمان الأدب»، بينما لم يقف الشاعر الشاب مكتوف الأيدي، فرد له الصاع صاعين في جدال مثير شهدته صفحات بعض الملاحق الثقافية حينها. وهذا الخلاف وتبادل التهم هو ما يرشح عن علاقة تبدو متوترة في بعض الأحيان يسميها البعض بالمجايلة، وتحدث بين جيل مخضرم وكبير وبين جيل شاب من الكُتاب والأدباء، فلا تستقيم الصلات بين الطرفين ولا ينشأ التعاون المرجو، بل تسود حينها نوع من العداوات المجانية التي لا تخدم الإبداع في أي شيء. وتقول القاصة الشابة منى وفيق في هذا السياق: لو أننا نتوقف عن التفكير في هذه المصطلحات من قبيل المجايلة، وندرك أخيرا أن ثمة جيلا إنسانيا واحدا يولد برؤية جديدة ونضج أكثر اتساعا بعد أن يموت؛ حينذاك فلن يهمّنا غير الإنسان وحسب في مشواره الوجودي الطويل. بين الدعم والوصاية وبالنسبة للشاعر أنس الفيلالي، فإن الأدباء المخضرمين ونظرتهم إلى المبدعين الشباب ينقسمون إلى أنواع؛ النوع الأول وهو قليل جداً في المغرب، والذي لا يخفي تشبثه بالأقلام الشابة التي يصادفها، بل ويقدمون لهم يد المساعدة في أمور شتى تخص الإبداع، وغالباً ما تكون هذه الفئة من أدباء كبار لهم ثقلهم الإبداعي عربياً. ونوع ثانٍ -يضيف الفيلالي- يمثله أولئك الذين يلعبون دور الوصي على الأدب والمبدعين الشباب، ويعملون خفية أو قصداً على عدم إبراز طاقات بعض الشباب للعيان بالشكل الذي يجب أن تكون عليه، وحتى إن تعاملوا فهم يتعاملون مع الذين اعترف بهم دولياً في جهات أخرى من العالم، أو الذين ينضوون في حزبهم أو عشيرتهم أو حديقتهم المختلفة... ويتابع الفيلالي: أما أبرز الأنواع فهو ذاك النوع الثالث الذي يضم أشباه المبدعين المخضرمين وغير المخضرمين، والذين لم ينشروا من قبل أو نشروا عملاً أو اثنين بفضل علاقة حزبية أو شخصية، حيث إن هذا النوع يحب أن يجهض كل مبتدئ في بدايته الإبداعية بإقصائه والتشويش عليه، والضغط عليه بوسائل لا أدبية ولا إنسانية ولا أخلاقية.. واستدل الشاعر الشاب على حديثه بديوانه الأول الذي سيرى النور قريباً، حيث انتقده أولئك المنضوون تحت هذا النوع الثالث من الأدباء، والذين «أزعجتهم كثيراً نصوصي ومقالاتي الأدبية والتاريخية التي تعودت على نشرها في الملاحق الصحفية الثقافية، فانتقدوه في شكله وأسلوبه ومنهجية الكتابة فيه رغم أنهم لم يطلعوا عليه بعد» وفق الفيلالي. بين الشباب والكبار وحول أبرز العراقيل التي تصادف طموح الأدباء الشباب بالمغرب، أفاد الفيلالي أنها كثيرة ومتعددة، فالمؤسسات الثقافية لا تعمل إلا مع المنضوين في حديقتها الحزبية، ولا تخرج حركة النقد والترجمة والمشاركة في الأمسيات عن ذلك. ويستطرد المتحدث أن خيط ضوء الجيل الشاب من المبدعين يمكن إبرازه في حركية النشر في الصحف، وهي حقيقة لا يمكن نكرانها، فمثلاً لا يمكن تصفح بعض الصحف المغربية ك»طنجة الأدبية»، أو الجرائد المغربية الحزبية أو المستقلة، التي تجدها عامرة بمواد للشباب التي تطغى على صفحاتها الثقافية، خصوصاً «الاتحاد الاشتراكي والمنعطف، والصحراء المغربية، وبيان اليوم»، بحكم استقلاليتها بما هو ثقافي محض، حسب تجربة جيل الشباب الذين تنشر لهم موادهم الرصينة أكثر من الكبار في بعض الأحيان. ويسترسل: بخلاف صحف مغربية وطنية أخرى ما زالت تتشبث بمبدأ أن يكون العمر أكثر من 50 سنة كضرورة للنشر، فكيف لا يكون من حق الحركة الثقافية والشعرية المشرقية خصوصاً أن تهيمن على نظيرتها المغربية في الوقت الراهن، وحتى في السنوات القادمة؟! يتساءل الفيلالي. ويصف الأديب الكبير عبد الحميد الغرباوي علاقة الأدباء الشباب بجيل الكبار بكونها طبيعية بالرغم من عنصر الشد والجذب أحيانا بين الطرفين، لكون الشباب يحاولون إثبات ذواتهم وقدراتهم داخل الساحة التي تتسع للجميع. وخلص الغرباوي إلى أن الأمر غير السليم في هذه العلاقة بين الأجيال هو حين ينسف المبدع الشاب كل الأجيال التي سبقته بدعوى أنه لم يتعلم منها شيئا وأنه تأثر فقط بالأدباء والمبدعين الأجانب.