إن الوضعية الدقيقة التي تجتازها بلادنا في هذه المرحلة التاريخية، الحبلى بالعديد من المخاطر والمتغيرات أصبحت تملي على الجميع، هيآت وأفرادا، استحضار الروح الوطنية الصادقة التي طبعت ووجهت مسار الحركة الوطنية المغربية ساعة الشدائد، وفي مقدمة ذلك التحلي بالإرادة القوية والشجاعة السياسية اللازمة للإعلان عما تتخبط فيه بلادنا من أزمة عامة ، أخطر سماتها الهوة الكبيرة التي أصبحت تفصل بين المجتمع المغربي وعالم السياسة، وهكذا قسم المشهد السياسي إلى عالمين، عالم متحكم يمارس تدبير الشأن العام، وعالم من فرط عدم إشراكه وفقدانه للمبادرة، أصبح يتفرج على الهامش، وأصبحت السياسة تمثل فيه بأبهت الأدوار. بل لن نغالي إذا قلنا إننا أمام عمل شبه منظم لنسف مشروع المجتمع الحداثي الديمقراطي الذي ما فتئنا نبشر به، لدرجة أصبحنا معها أمام مشهد سياسي يوحي بتوزيع الأدوار. لذلك نرى اليوم أن من واجبنا ومن صميم وطنيتنا ومن نبل عملنا السياسي، بل ومن حق شعبنا والذي كبرت انتظاراته وطال أمدها، من حقه علينا أن نقر بأن هناك أزمة سياسية وأن معالجتها تتطلب إرادة شجاعة لقيادة إصلاحات سياسية ودستورية لم تعد قابلة للتأجيل، وإن المهمة المركزية المستعجلة في الظرفية السياسية الراهنة هي إعادة الاعتبار للعمل السياسي النبيل. هي زرع الثقة من جديد في نفوس الجماهير وإذكاء حماسها، واستنفار قدراتها كي يتسنى لها تفجير طاقاتها في ميادين بناء وطنها، وهذا لن يتم إلا إذا شعرت هذه الجماهير بأنها المعنية أولا وأخيرا بهذا الإصلاح، والذي هو في ذات الوقت المدخل الرئيسي لبناء وطن المؤسسات. لقد كثر اللغط عندما قلنا ذلك في مؤتمرنا الثامن وازداد عندما رفعنا مذكرة إلى جلالة الملك حول الإصلاحات السياسية والدستورية ، والتي كنا نأمل أن تتم قبل إجراء الانتخابات الجماعية، والتي كنا نرى أنها سترهن البلاد لفترة ست سنوات، بل كنا نأمل أن تأتي تلك الانتخابات كتتويج لعملية الإصلاح في إطار مخطط يروم وضع حد لاقتصاد الريع ومنح الامتيازات، ومحاربة الفساد وهدر المال العام ومحاربة الرشوة. مع التصريح الواضح والعلني بالممتلكات قبل وبعد تحمل المسؤوليات. إننا اليوم عندما نذكر بذلك لا نركب موجة أو نتبع تقليدا أو نحن إلى ماض، وأن الجهر بهذا لا يعني البتة العودة إلى منطق القطيعة أو الدخول في باب تأزيم الأوضاع. بل هو ببساطة، المطالبة بأن تكشف بلادنا عن ملامحها بوضوح لتصير دولة مؤسسات حقيقية لا دولة أهواء، دولة تنتمي إلى عصرها ومنخرطة في ظرفه.