هذا النص لتوني جوديت الذي نقدمه مترجما في ثلاث حلقات لقراء الجريدة حول »المتقادم والمتجدد في الاشتراكية الديموقراطية« ،يستعيد بشكل سلس ومكثف أجواء النقاش العام الذي عرفته الاوساط الفكرية والسياسية على امتداد السنتين الاخيرتين على إثر الازمة المالية العاتية التي تفجرت في كبريات البلدان الغربية خريف سنة 2008، وأعادت مجددا الى الواجهة التفكير في ادوار الدولة ووظائفها ،لا فقط من حيث الضبط الاقتصادي ولكن كذلك وبالاساس على مستوى التحكيم والتوجيه الاجتماعي، وذلك طبعا بعد ان عصفت ايديولوجيا التفكيك بلا حدود - او كادت - بمدخرات عشرات الملايين من البسطاء من الناس. النص أيضا إبحار في غاية الافادة في المياه الساخنة والمضطربة للقرن العشرين، ابحار في غاية الافادة في الملابسات الفكرية والايديولوجية، بل والمنطلقات الفلسفية التي قادت الى تبلور منظومة الاشتراكية الديموقراطية ودولة الرعاية الاجتماعية التي كانت اكبر انجاز سياسي - اجتماعي عرفه القرن. يستعيد جوديت النقط الجوهرية في ذلك الصراع الشهير بين فريدريك هايك وجون ماينار كينز في موضوع دور الدولة ومدى ملاءمة ومشروعية تدخلها في المجال الاقتصادي. لقدا نتهى ذلك الخلاف بانتصار الاطروحة الكينزية واكتساحها الشامل، بحيث أضحت الكينزية في العمق وما يرافقها من اختيارات اقتصادية ورؤى اجتماعية بمثابة القاسم المشترك بين كل الديموقراطيات، الاشتراكية منها والليبرالية الاجتماعية الوسطية على حد سواء. يبرز جوديت تلك المفارقة المتمثلة في ان نجاح دولة الرعاية الاجتماعية التي اصبحت جزءا من المشهد السياسي والاجتماعي العادي في الديموقراطيات الغربية هو في ذات الوقت السبب الرئيسي في تقليص النفوذ الايديولوجي للاشتراكية الديموقراطية ضمن الاقطار المتطورة! مؤكدا، والحالة هاته، ان الاحزاب الاشتراكية الديموقراطية مدعوة الى التفكير بعمق في اعادة اكتشاف و تحديد دور الدولة، بعد ان خرجنا من قرن جعل فيه بعض »المصلحين« الاغراء قويا بجعل الدولة تسن بشكل دوغمائي ما يتوجب على الافراد القيام به و مالا يجب. جوديت الذي يذكرنا بآفة الزمن الحالي المتمثلة في كون الاقتصاد والحساب الاقتصادي البارد صار محور الحياة الاجتماعية، يثير الانتباه الى العودة القوية اليوم للاتكافؤ وعودة الفكر الذي يمجد الغنى، وطغيان مشاعر الاحتقار ازاء الفقراء والمحتاجين والمستفيدين من المساعدات العمومية، بما يذكر بما كان قد رصده الروائي الكبير تشارلز ديكنز في رائعته اوليفر تويست في القرن التاسع عشر. ينبه توني جوديت من المخاطر التي قد تترتب عن هدم تلك الحواجز الواقية التي بنتها دولة الرعاية الاجتماعية بعد جهد وعراك وتضحيات طويلة، حواجز واقية ضد الفقر والهشاشة، نقلت المساعدة العمومية من دائرة او منطوق الصدقة الى مفهوم حق المواطن، المعزز للكرامة والضامن للتماسك الاجتماعي. مؤكدا كذلك ان المردودية لا يمكنها ان تنفصل عن حساب الكلفة الاجتماعية، وأن هذه هي المعضلة الكبرى لليبرالية الطامحة الى الانفلات من كل ضبط كما اثبتت مجريات الازمة المالية الأخيرة. ماذا بعد هذا؟ قد يكون نموذج دولة الرعاية الاجتماعية بالشكل الذي نظر له كينز في أربعينيات القرن الماضي ومورست مقتضياته في الميدان لعقود متلاحقة، قد يكون هذا النموذج منهكا بعض الشيء بفعل تطورات مجتمعية تثير الانتباه الى تحدياتها حتى الاحزاب الاشتراكية الديموقراطية ذاتها، كما حدث خلال مؤتمر حزب العمال البريطاني صيف 2010، لكن ماذا عنا نحن في مجتمعاتنا العربية، التي تعيش على مستوى الاختيارات الاجتماعية الحاسمة ما يمكن ان نسميه بنموذج الدولة المتقاعسة (في مقابل نموذج دولة الرعاية الاجتماعية). تذكرنا الهزات القائمة في العالم العربي على كل حال بأن لا مستقبل ممكنا لنموذج الدولة المتقاعسة. كيف نقيم التكاليف؟ لعل الفارق في مستويات الاستثمار يوضح ما أود إبرازه: فلمدة طويلة عامل الفرنسيون والإيطاليون قطاع السكك الحديدية لديهم بمنطق الخدمة العامة. فالاستمرار في تشغيل محطة قطار في منطقة بعيدة، ولو كان تشغيلا غير مربح، يحافظ على تماسك الجماعات والمجموعات المحلية، يؤدي هذا إلى التخفيف من الأثار المدمرة للبيئة بتوفير بديل عن النقل الطرقي. فوجود محطة قطار والخدمة التي تؤديها تصبح علامات ورموز للمجتمع، المجتمع كتطلع جماعي. إنني أؤكد بهذا أن ضمان خدمة قطارات السكة الحديدية لمناطق بعيدة يكتسي أهمية اجتماعية بقطع النظر عن معيار الفعالية الاجتماعية. وهو أمر يستدعي ويطرح مع ذلك مسألة في غاية الأهمية، ذلك أن الاشتراكيين الديمقراطيين لن يذهبوا بعيدا إذا اقترحوا على الناس أهدافا اجتماعية محمودة، يعترفون هم أنفسهم مع ذلك أنها مكلفة أكثر بكثير من حلول أخرى بديلة. سنصل بذلك إلى الاعتراف بفضائل الخدمات العامة جنبا إلى جنب مع التنديد بتكاليفها، ونتجمد بذلك في مكاننا دون أن نقوى على فعل شيء. علينا، إذن، أن نعيد التفكير في المناهج التي نستعملها عند تقييم التكاليف، سواء الاجتماعية منها والاقتصادية. واسمحوا لي هنا أن أقدم مثالا لتوضيح الأمر. إن تقديم عون للفقراء، بصيغة الإسعاف هو أقل تكلفة بالتأكيد من أن يتم ضمان عدد من الحقوق الاجتماعية لهم. وأقصد بصيغة الإسعاف هنا نوعا من الصدقة القائمة على الإيمان والتي يتكلف بها فاعل اجتماعي خاص أو مستقل يقدم أذونات أطعمة وألبسة وسكنا أو مقرات إيواء. ولكن من المؤكد أن المتلقين لهذا النوع من الإعانات الإسعافية سيشعرون في دواخلهم بالمهانة ويتذكر الجيل الأكثر تقدما في السن في بريطانيا، نوعا من الاشمئزاز والغضب مما سمي بالتقصي حول الموارد التي باشرتها السلطات البريطانية بخصوص ضحايا الأزمة الاقتصادية للثلاثينيات من القرن العشرين. وعلى العكس من ذلك تماما، فلن يشعر أحد بأي مركب نقص أو بالمهانة عند استفادته من مقتضيات حق من الحقوق: فإذا كان لك الحق قانونيا في التعويض عن البطالة والتقاعد وتعويض في حالة العجز أو أي شكل آخر من المساعدة العمومية، دون أن تكون معرضا لبحث أو تقصي يحدد فيما إذا كنت قد نزلت فعلا إلى أسفل الدرك لكي تستفيد من المساعد، فلن تجد أية غضاضة في قبول المساعدة، ولكن هذا النوع من الحقوق مكلف بالطبع. لكن لنفكر جيدا في الأمر، ماذا لو اعتبرنا المهانة، والشعور بها في حد ذاتها كلفة وعبئا بالنسبة للمجتمع؟ ماذا لو قررنا أن نقيس الآلام والشرور التي يعانيها الناس الذين يشار إليهم بالأصابع ويتعرضون لمشاعر الاحتقار من قبل مواطنيهم قبل الحصول على ضروريات الحياة؟ وبعبارة أخرى، ماذا لو وضعنا في تقديراتنا لمعايير النجاعة والإنتاجية والفعالية والحالة الجيدة، الفرق الموجود بين مساعدة أو صدقة يتبعها أذى المهانة، وبين موارد متأتات من حق مكرس؟ لو قمنا بهذه المقارنة فسنستخلص، ربما، أن تقديم خدمات اجتماعية مفتوحة للجميع من قبيل التغطية الصحية أو النقل العمومي المدعم، يشكل بكل تأكيد طريقة ناجعة ومربحة للوصول إلى أهدافنا المشتركة. ومن المؤكد أن هذا النوع من التمرين والمقارنة يثير غير قليل من السجال. «كيف لنا أن نقيس كميا وإحصائيا المهانة؟ ماهي التكلفة، القابلة للقياس، التي تترتب عن حرمان مواطنين معزولين من الاستفادة من خدمات المراكز الحضرية الكبرى؟ ما حجم ما نحن مستعدون لأدائه لقاء العيش في المجتمع الجيد؟ ليست المسألة سهلة ولا واضحة. ولكن فقط من خلال طرح هذا الصنف من الأسئلة الأساسية بإمكاننا أن نأمل في إيجاد أجوبة. نقد أخلاقي ماذا نقصد بالمجتمع الجيد؟ في إطار منظور قيمي، بإمكاننا البداية بحكي أخلاقي نموقع بداخله اختياراتنا الجماعية. في هذه الحالة، فإن هذا النمط من الحكي سيعوض ويغير كل الأشكال والحدود الاقتصادية التي تؤثت مناقشاتنا اليوم، لكن تحديد أهدافنا المشتركة، بهذه الطريقة ليست بالمهمة الهينة! ما من شك في أن الحركة السوسيال - ديمقراطية اهتمت في الماضي بقضية الخير والشر، خاصة وأنها ورثت ألفاظا ومفردات ماقبل ماركسية غداها الميراث الديني الذي يمج الغنى والماديات وما يرتبط بهما من ممارسات. لكن هذا النوع من الاعتبارات عادة ماكان مخترقا بتساؤلات ذات طبيعة إيديولوجية من قبيل «هل الرأسمالية مدعوة إلى الزوال؟». وإذا كان الأمر كذلك، هل يكون من شأن سياسات واختيارات معينة التسريع بنهايتها أم المخاطرة بالإبقاء عليها؟ وإذا كانت الرأسمالية غير مهددة، ألا يجب أن أن تخضع الاختيارات السياسية لمنطق آخر ولعقلانية أخرى؟ في الحالتين معا كنا نعتبر أن السؤال الحقيقي والإجرائي كان ينصبّ على مسارات النسق أو المنظومة (هنا النسق أو المنظومة الرأسمالية) وليس على فضائل أو مضار سياسة أو مبادرة معينة. والحقيقة أن ذلك النوع من التساؤلات لم يعد يهمنا اليوم. لقد أصبحنا اليوم وجها لوجه أمام الانعكاسات الأخلاقية لاختياراتنا. ما هو بالتحديد هذا الذي نجده ونعتبره فظيعاً في الرأسمالية المالية أو في «المجتمع المركانتيلي» بالتسمية التي كرسها القرن الثامن عشر؟ ما الذي نعتبره معوجّاً في تنظيماتنا الحالية؟ وماذا بإمكاننا عمله لتصويب هذا الاعوجاج؟ ما الذي نعتبره غير عادل ومستفز لمشاعرنا الأخلاقية، ما الذي يستفر فهمنا لمفهوم التملك الخاص حينما تواجهنا ممارسات اللوبيات بدون حدود التي يستفيد منها الأغنياء على حساب كل الآخرين؟ ماذا، ما الذي خسرناه في خضم كل هذا؟ إن الجواب عن هذه التساؤلات الجوهرية، يجب أن يأخذ صيغة نقد أخلاقي للسوق المتوحش الطليق بدون حدود، نقد ينصب كذلك على ضعف الدولة وعدم كفاءتها. لماذا يستفز كل هذا مشاعرنا ويستفز بدواخلنا قيم العدالة والتكافؤ؟ إننا، بكل بساطة، وفي نهاية المطاف، بحاجة إلى العودة لدنيا الأهداف. وهنا بالذات، تبدو مساهمة الاشتراكية الديمقراطية الأوربية محدودة، لأن الإجابات التي قدمتها حول مآسي ومآزق الرأسمالية لم تكن أكثر من صياغة متأخرة للخطاب الأخلاقي لعصر الأنوار مطبقاً هذه المرة على المسألة الاجتماعية، والحال أن مشاكلنا اليوم مختلفة تماماً عن هذا السياق. مرحلة جديدة لعدم الاستقرار أعتقد أننا، اليوم، بصدد الدخول إلى مرحلة جديدة لعدم الاستقرار والأمن، لقد كانت آخر مرحلة من هذا النوع، والتي حللها كينز في دراسته الشهيرة «الآثار الاقتصادية للسلم» هي تلك التي أعقبت عقوداً متتالية من التطور والرخاء وارتفاعاً ملحوظاً في الارتباطات العالمية المتبادلة وتدويل أساليب الحياة أي نوع من العولمة لم يكن ينقصها سوى الإسم. وكما وصف ذلك كينز، فقد تطور الاقتصاد التجاري وانتشر في العالم بأسره، تطورت التجارة ووسائل الاتصال بشكل غير مسبوق. وهكذا فقبل سنة 1914، جرى الاعتقاد، وسادت القناعة بأن منطق المبادلات الاقتصادية السلمية سيتغلب على الأنانيات القومية، ولم يكن أحد يتوقع قطيعة عنيفة على هذا المستوى، ولكن ذلك هو ما حصل بالضبط. بعد ذلك مررنا بمرحلة استقرار ملأه اليقين، بل والوهم في إمكانية تطور اقتصادي بدون حدود، لكن كل هذا انتهى الآن. وفي المستقبل المتوقع سنكون في وضعية عدم استقرار اقتصادي يزيد من حدتها تهاوي اليقينيات الثقافية، ولم نكن في فترة ما منذ الحرب العالمية الثانية، ضعيفي الثقة في أهدافنا الجماعية وأمننا الشخصي والبيئي مثلما نحن الآن، ليس لدينا أية فكرة عن نوع العالم الذي سيرثه أبناؤها ولا يمكننا أن نطمئن إلى الادعاء بأن هذا العالم سيشبه عالمنا. علينا أن نعيد تحليل وتمثل الطريقة التي أجابت الأجيال السابقة عن التحديات والمخاطر المماثلة، لقد كانت الاشتراكية الديمقراطية في أوربا والنيوديل والمجتمع الكبير، هنا في الولاياتالمتحدة، إجابات صريحة وواعية حيال عدم الاستقرار والأمن واللاتكافؤ التي ميزت تلك المرحلة. فقليلون جدا في الغرب، اليوم، من هم في سن جد متقدمة تجعلهم يعرفون حقا ماذا يعني انهيار عالمنا، إننا نجد صعوبة في تصور تحلل كامل للمؤسسات الليبرالية، وانهيار شامل للتوافق الديمقراطي، لكن علينا أن نتذكر أن ذلك التحلل وذاك الانهيار هو ما أدى إلى ظهور ذلك النقاش الشهير بين كينز وهايك والذي منه ومن ثناياه تبلور التوافق الكينزي والتوافق السوسيال - ديمقراطي، أي ذلك التوافق الذي تربينا عليه وكبرنا في أحضائه والذي كان من نتائج نجاحه الباهر حجب بريقه (يا للمفارقة!). وإذا كان للاشتراكية الديمقراطية من مستقبل، فستكون على شاكلة اشتراكية ديمقراطية تذكرنا باستمرار بمخاوف الماضي، وعوض الانشغال بالبحث في إعادة بعث أو تجديد خطاب التفاؤل حيال فكرة التقدم، علينا أولا أن نستوثق جيدا حول الماضي القريب وأول مهمة ملقاة على عاتق المنشقين الراديكاليين اليوم هي تذكير الناس بمنجزات القرن العشرين وبالنتائج التي قد تترتب عن سعينا المحموم إلى الإجهاز عليها. وحتى نقول الأشياء بشكل مباشر: إن لليسار شيء ذو قيمة كبيرة عليه أن يحافظ عليه. إنه الحق الموروث عن التعطش الطموح المحايث للحداثة، أقصد الحق في الهدم والتجديد باسم مشروع عالمي إنساني. وعلى الاشراكيين الديمقراطيين، أولائك الذين يتوفرون على أسلوب وطموح متواضع أن يتحدثوا بثقة أكبر حول مكاتسب الماضي: تطور الخدمة الاجتماعية العامة، تطور كبير- على امتداد قرن- للمرافق العامة التي صقلت بخدماتها هويتنا الجماعية وأهدافنا المشتركة، إقرار المساعدة الاجتماعية في شكل حق مكرس وخدمات مصاحبة، كالتزام اجتماعي، لا يتعلق الأمر بمكتسبات هيئة كما يمكن أن نرى ونلاحظ. وكون هذه المكتسبات لم تكن أكثر من جزئية، لا يجب أن يقلقنا. وإذا كان علينا أن نأخذ عبرة واحد من مسار القرن العشرين، فهي أن مخاضات هذا المسار الغني والمتشابك جعلتنا نفهم ونقتنع بأنه كلما كانت الإجابة شاملة وادعت الكمال، كلما كانت النتائج كارثية. إن تحسينات جزئية متلاحقة وفي ظروف قد لا تكون مرضية بالكامل هي أحسن ما يمكن أن نؤمله، وبدون شك، أوجب ما جيب أن نبحث عنه. بعض معاصرينا أمضى الثلاثة عقود الماضية في الإجهاز، التفكيك المنهجي لتلك التحسينات الجزئية المتراكمة، وهو ما يجعلنا - أو يجب أن يجعلنا - نشعر بالغضب. ويشكل، في نفس الآن، مصدر انشغال جدي لأسباب تتعلق بواجب الحيطة والحذر: لماذا نبدو مستعجلين على تحطيم تحصينات بنتها الأجيال السابقة بجهد جهيد وعراك اجتماعي سياسي طويل النفس؟ هل نحن متيقنون فعلا من أنه لن تكون هناك فيضانات تلي تحطيم تلك الحواجز والتحصينات؟ يمكننا أن نصارع ونناضل من أجل اشتراكية ديمقراطية تذكر بمخاوف الماضي ومآسيه: إن التخلي عن المهمة الكبيرة التي أنجزت على مدى قرن من الزمن يعني خيانة الأجيال التي سبقتنا والأجيال القادمة. قد يكون جميلا - لكن خاطئا - أن نعتبر أن الاشتراكية الديمقراطية - أو منظومة أخرى تشبهها، تمثل المستقبل الذي قد نرسمه كمستقبل مثالي، إنها لا تمثل حتى الماضي المثالي، ولكن من بين البدائل والخيارات التي نتوفر عليها حاليا، تبقى أحسن بديل وأنجع خيار. هي أحسن من أية منظومة أخرى، وحسب عبارات أورويل في catalunia، حيث كان يقدم تجاربه في برشلونة الثورية «هناك أشياء كثيرة هناك لم أفهمها، والتي بشكل ما لم أكن لأحبها، ولكنني فهمت بسرعة أنها تستحق أن نقاتل من أجلها».. وأعتقد أن الأمر ذاته ينطبق على ما يمكننا حمايته من الاشتراكية الديمقراطية للقرن العشرين (20). انتهى