تتجذر تجربة أحمد البوعناني السينمائية كرائد من رواد السينما المغربية من خلال فيلم السراب في بوتقة الحراك الثقافي والسياسي الذي ميز فترة السبعينيات في المغرب بالرغم من اتخاذه لفترة الحماية كإطار زمني للحكاية. يحاول الفيلم استنطاق جملة من الترسبات الذهنية الموروثة والمعبر عنها عبر نظام من العلامات والممارسات المرتبطة بالتفكير الخرافي ورموزه ورواده مرورا بالدراويش والمنجمين والمشعوذين وصولا إلى المواطن البسيط في علاقته المعقدة باليومي. المكونات الفنية والجمالية إن الفيلم يتخذ من التجميع الشذري لمشاهد بصرية بؤرة سردية لا تستقيم على خط كرونولوجي خاضع لمنطق سببي، لكنه يستمد من المتخيل الشعبي في تحرره من القوالب الجاهزة مادته.مادة توظف لخلق خلفية بصرية ناطقة من خلال مجموعة من اللحظات الصوتية المحملة بالموروث الشفهي.لذلك نلمس أن قصة كيس الدقيق مجرد مبرر توازيه قصص فرعية وجانبية قد نتفق وقد نختلف إن كانت تغني الفرش السينمائي أو تضيعه في متاهات متناسلة. أعتقد أن فيلم السراب شق لنفسه طريق التميز سواء من حيث نسج مجموعة من الثيمات لإدانة صورة مجتمعية بأكملها.الفرد فيها يرمز للجماعة، والوهم نقطة تلاقي لإرادة كبرى تتجاوز التفكير الفردي لتعبر عن انشغالات مجتمعية جاءت نتيجة مجموعة من التراكمات الموغلة في الماضي والمنقولة عبر سلسلة من التمثلات التي يختلط فيها الأسطوري بالواقعي والخيالي بالحقيقي. إن تجربة السراب تظهر سلوكا مغربيا بامتياز في التعبير عن الذات المغربية بكل عنفوانها ومأساتها.سلوك سلكه جيل من المخرجين المهمومين بقضايا التحرر وشعارات اليسار . قلقون قلقا وجوديا قد لا يعرفون له تفسيرا نظرا لاختلاط الأمور وتشابكها.ضائعون بين فكر تقدمي وثوري وفكر متخلف ورجعي .مصدومون من جهة بالتراث الذي يشكل جزءا من الهوية ومكونا اثنولوجيا وثقافيا وفكريا، وحائرون بين حداثة حملها الاستعمار وجسدها المعمر المستعمر وأساطير متجذرة في السلوكيات والعقليات المتعفنة. يتحقق غنى الفيلم من خلال كثرة التأويلات والإسقاطات التي بإمكانه تحملها حول مدلول السراب ككناية تتجاوز اللحظة لتصبح تعبيرا عن زمنية تتجاوز حدود المكان والزمان.وهذا ما عبر عنه ملخص الفيلم باعتباره صرخة إنسانية .السراب بالتأكيد ليس وهم شخص لكنه وهم جماعي مؤسس وله حراسه ومن يسهرون على استمراريته وإضفاء الشرعية عليه كحل هروبي من واقع مر. أول ما يثيرا لانتباه تقنيا، ومن حيث لغة الكاميرا هو تلك اللقطات الواسعة والعريضة لفضاء البادية حيث يبدو الإنسان صغيرا لدرجة يتقزم فيها.ويصبح الكادر هنا حاملا لفضاء بدوره مثير نوعا ما. فضاء قاهر وأشخاص مقهورون يراوحون مكانهم باحثين عن لقمة عيش نكد.الكاميرا مقلة في حركاتها إلى حدود الاقتصاد. ترتكز أساسا على اللقطات الشاملة التي تدعو المشاهد للتأمل ولو في غياب أكسيسورات، نماذج لقطات البادية.هذه اللقطات لا تصور شيئا ذو أهمية خاصة. يمكن القول أنها تنقل نوعا من الفراغ القاتل الذي لا شك يحيل على فراغ أنطولوجي ينمحي فيه المعنى ليصبح العالم مقفرا ومرادفا للموت. يمكن القول إن الصور في الفيلم لا تحكي ولا تسرد بقدر ما تكون وعاء بصريا لمضمون تأخذ فيها الكلمة والصوت المساحة الأوفر للتعبير عن محتوى المشهد وكمبرر يربط بين مشهد وآخر .من هنا لا يتخلى المخرج عن سحر الكلمة المأداة بنوع من الإحتفالية الممسرحة ضمن نسق من الأقوال المأثورة، والحكم، والسور القرآنية،وكلمات الأغاني، وأناشيد الأطفال والهذيان. المستوى الشعري والرمزي يبرز هذا وفاء المخرج للقول الشعري.قول يتيح للمتخيل أن ينتج بحرا من الإيحاءات النفسية والشعورية لتكون معادلا موضوعيا يرسم معالم عالم منفلت باستمرار. عالم لا يهب نفسه كما تهب القراءة الأحادية للصورة.وكأنه بذلك يحقق معادلة خلق الفن لأدواته واستقلاليته في نقل الواقع.وذلك بتكسير التشابه التقابلي وخلط الأوراق أمام لغة المشاهد مع وضع معجم بديل يتأسس على عنصر المفاجئة وقلب التركيب الدلالي بتركيب سينمائي متحرر من سلطة اللغة كمعطى تاريخي لا يقبل الاختراق. ينهج البوعناني سبيل الجمع بين لحظات تسجل اليومي وفاءا للسينما الواقعية لكنها ممزوجة بنوع من الغرائبية المطعمة بنظرة تتخذ من الثقافة والفضاء المغربي مسافة مشاهدة.مسافة تتقمص فيها عين المخرج عين أجنبي براني يرى ذاته في مرآة الفيلم بنوع من الانفصال البارد والمحايد والعلمي.إنه يتعامل مع المخزون السينمائي للفيلم باعتباره مادة خام بها ما هو فلكلوري وما هو استشراقي وما هو عجائبي . إن البوعناني وهو ينسج حول المشاهد أبعادا رمزية يشترك فيها الجاهل والعالم، البدوي والمديني، الماضي والحاضر إنما يدفعنا للنظر إلى حقيقة يكون فيها للشاعر دور النبي.دور يستقرأ مستقبل مجتمعه من خلال إشارات تكسر نمطية التفكير العقلاني بتفكير فانطاستيكي فيه نوع من التهكم من الآخر ومن الذات أيضا لكونه جزءا من هذا الخليط المستعصي على الفهم.خليط يمجد الخرافة والتفكير الأسطوري لكنه يقر بتفوق الغرب وتقدمه.تفكير لا مكان له لأنه لا يجد أين يفر من ماضيه كإحالة على سجن جماعي ونفسي في انتظار أفق حالك . من هنا يتأسس الفيلم على حجم الورطة التي يجد فيها الأبطال/ الأشباح أنفسهم لأنهم يحسون بدونيتهم وعدم الجدوى من مجابهة الواقع بكل تجلياته.واقع البطالة والجهل والخرافة.واقع القمع السياسي والعجز عن الهروب ولو إلى المجهول واقع تسخر فيه الزوجة من زوجها لأنه غارق في الحاجة واليأس ويدفعها للعمل كخادمة لدى المستعمر.رجولة مصابة بالعجز وناقصة. يبدو أن العديد من المخرجين سينبهرون بأسلوب البوعناني في تصوير الواقع المغربي/ العربي والإسلامي من منطلق نقدي لم تكن له حرية تعبير كافية فلجئوا للتشبيه والتلميح والرمز للتعبير عن واقع هش. فما كان أمامهم سوى استعارة أقوال المهابيل كعبد الرحمان المجدوب وسيدي رحال البودالي التي وظفت شخصياتهم كجزء من الذاكرة الشعبية .ويمكن الإشارة لكل من أفلام نبيل لحلو ومسرحيات الطيب الصديقي في هذا المجال. ملامح المتخيل الشعبي من هنا يلتزم الفيلم بهذا التوظيف الذكي للقول الشعري الهجين والمهمش كما هو متداول من خلال الأمثال الشعبية والأهازيج،وكلمات ناس الغيوان .يبرز إذن هؤلاء الدراويش كشخصيات هامشية ومحورية في ذات الوقت.تختفي لتعود أكثر قوة وحضورا.وكأنها تشكل وعي النص السينمائي وعمقه الفلسفي وذلك من خلال خطاب التهديد والوعيد الممزوج بنكهة سوداء قاتمة تنتظر كل من سيحق عليه القول الإلهي. ستوظف أذن هذه الرموز أولا ، كرواة يدفعون بالسرد ويعلقون عليه فاتحين أفق السيناريو على نوع من التفاسير القيامية المتشائمة والمنذرة بعقاب جماعي ينتظر الجميع. ثانيا ،كثوار بالمعنى الفوضوي لجماعة لم تخضع لسلطة الواقع كقانون ضابط ولملذات الدنيا بل أخذوا لنفسهم مسافة مكنتهم من إدانة الواقع بحرية مطلقة من خلال حكم وأشعار شكلت انتفاضة تعبيرية ضد كل أشكال الفساد الأخلاقي والقيمي . ثالثا،كظاهرة سينمائية ميزت العديد من الأفلام المغربية من حيث حضور الأحمق كشخصية محمد رزين وهي توازي عوالم أخرى يكون فيها العبث جزءا من المعيش،لكن الأحمق من منظور المالك لنصف الحقيقة إن لم يكن كلها. يمكن القول أيضا أن فترة السبعينيات أنتجت مجموعة من الأفلام التي ظلت حاملة لهموم تلك المرحلة أي لمجتمع كان يعيش مخاضا تجلى من خلال تلك الثنائيات المأزومة كالبادية والمدينة، كالتقليد والتحديث، كقعود المرأة في البيت وخروجها للعمل،كحياة النصارى وحياة المسلمين . فيلم السراب لا يخرج عن هذه القاعدة فالذهاب إلى المدينة يعتبر مولدا لأزمة متباعدة الأطراف.وهي المرحلة الانتقالية من التوازن مع الذات إلى غياب التوازن.وبالتالي يعي الفيلم بروز أزمة الهوية لدى محمد بن محمد كإسم له قدسيته في الموروث الديني والثقافي للمسلمين. من هنا تتجلى تلك الثنائية في بسط عوالم الفيلم بين الوهم والحقيقة لينقلها عبر ثنائيات فضاءات تنتمي للمدينة والقرية أي للمستعمر والمستعمر وتشكل فيها حيطان المدن العتيقة كما لاحظنا في فيلم وشمة نقطا حدودية بين نمط في العيش لكن نمط في التفكير أيضا،حيث دائما يكون الناس في حاجة للانتقال من وضعية إلى أخرى عبر وسائل نقل تارة تكون حافلة وأخرى مركبا ،وكأنهم دائمي البحث عن خلاص مفقود يكون مرة في المدينة ومرة في الشعوذة ومرات في الوهم . جدلية الصوت والصورة فضل الفيلم ملء كل مساحات الصورة بأصوات وموسيقى رافضا الصمت ومائلا نحو الجهر بالقول. مانحا المشاهد مجموعة من القرائن السمعية للتأكيد على الإنصات والفهم والدخول في مغامرة البحث عن المعنى المضمر بين كلمات تلقى أمامنا ونحن مطالبين بفك شفراتها لبناء معالم ناقصة بالرغم من الكلام، لهذا السراب الذي لا يرى أصلا. إنها المعادلة التي حاول الفيلم امتلاك ناصيتها أي كيف السبيل للتعبير عن مفهوم غير قابل للإظهار.إن البوعناني يحمل الآخرين على قول ما يريد إيصاله ليس من خلال حوار هادئ ونمطي تعرف نتائجه وحيثياته ، ولكن من خلال كلمات بها الكثير من الصراخ كمسرح القسوة عند جان أرتو، والاستفهام والتساؤل والسخرية التي لا تقدم أجوبة ،وكأن الأمر يتعلق بمونولوغ داخلي لشخصية واحدة لا تحقق التواصل مع ذاتها وبالأحرى مع العالم من حولها.وذلك ما جسده دور محمد الحبشي الذي لا يعتبر مسؤولا عما حصل بدعوى أنه ليس الوحيد في هذا العالم الكافكاوي بل هناك كل من التقى بهم في الدهليز المظلم الذي يمثل معتقلا جماعيا مثير للشفقة وللتقزز. يبرز الفيلم مدى تشبع المخرج وعشقه لكافة الفنون التعبيرية باعتباره فنانا وشاعرا وعاشقا للصور بشقيها الذهني والبصري.ولكونه شاعر، فقد طوع البوعناني الوسيط البصري ليجعل منه أداة لنقل الأحاسيس والعواطف بشكل لا يقدم نفسه للعيان ولكنه يتطلب نشاطا تفسيريا من جهة المشاهد.وذلك بالرجوع للتجريد المعتمد على اللغة الشعرية والأقوال التي تحتمل أكثر من معنى. كما يحقق الفيلم لنفسه شبكة من العلاقات المتنقلة بين فنون أخرى منها ما هو بصري ومنها ما هو سمعي كفن التمثيل المسرحي والبانتوميم أو من خلال المسرح الفردي كما جسده محمد سعيد عفيفي بشكل يذكر بمسرحيات شكسبير وغيره،والأداء الشعري للمهابيل،وفن السيرك كلعبة حائط الموت التي تتكرر في العديد من الأفلام كباباي السويرتي،ووشمة.ثم الغناء للمطرب الشعبي إبن السلاوي الذي لم يوظف كلحظة تزيينية بل كمعان تأكد على ثيمة الفيلم الكبرى، والفوتوغرافيا من خلال اللقطات الكبيرة للزهور والمزهريات على حائط السيرك،والجذبة كطقس احتفالي،ولغة الأقنعة، وحلقات الذكر، والموسيقى لدى فرق شعبية بلباسها التقليدي المعروف،وحصة الملاكمة والرقص المحيلة على فن الحكواتي أو كما هو معروف عندنا بالحلقة كشكل تعبيري يتداول الموروث بطريقة تشويقية لإبراز تيه فئة عريضة من الموهوبين الذي يمارسون شتى أنواع الحرف دون أن يستطيعوا سد رمقهم . كل هذه النماذج التعبيرية شكلت أرضية مجازية للتعبير عن انشغالات الفيلم وعن هموم الفنان تحديدا.وهو ما سمح للمخرج أن يلعب بطريقة توظيف الفن داخل الفن ليصبح الفيلم السينمائي في علاقة تناص دلالي وسيميائي بين عدد من الأنماط التعبيرية التي تتقاسم مع السينما ذاك الهم الإنساني بامتياز، لكن من خلال طقوس محلية وفية لمرجعيتها وموغلة في جغرافيتها. سوف يتأكد هذا النفس التجريبي بالمعنى التسجيلي لدى البوعناني من خلال رصده لتفاصيل ويوميات الحياة القروية كنموذج لمغرب التخلف والجهل والدافع بقوة نحو السفر وركوب المغامرة في فيلم أليام أليام.هذا الفيلم الذي يستمد من الفيلم الإثنوغرافي مباشرته ونفسه الواقعي حد الشهادة الحية على أمور الحياة وعنفها.ويتأكد هذا الطابع من خلال الصوت المعلق لشاب يحكي عن معاناته وحلمه ورغبته في الحصول على المال ثم السفر بعد الحصول على جواز سفر وعقد عمل. تستمر هيمنة الأوهام كما في فيلم السراب على عقول فئات عريضة من المهمشين والمقصيين في أقاصي البوادي والقرى المغربية،وكأن نوعا من التمييز الحضاري والمجالي قد طالهم بعدما تم رفضهم من طرف أهل المدن الذين بدورهم باتوا يمارسون الإقصاء على بني جلدتهم بعدما كان يمارس من طرف المستعمر لما كان المغرب كله بلد قروي . يستمر البوعناني في توظيف بعض العناصر الهامة في رؤيته الإخراجية ك: سيادة لغة سينمائية إذاعية لهيمنة المسموع على المرئي منح سلطة واسعة للكادرات الثابتة استدعاء وجوه من غير المحترفين مع بعض الاستثناءات للبوح عما تحس به. لذا نحس وكأننا أمام صالة مسرح يحتفى بها بالصوت الإنساني مصحوبا بباقي الأصوات الحيوانية والأدواتية. قد تغيب عنك صورة ولن يتغير مضمون الفيلم، لكن تغيب عنك كلمة وتفقد الشيء الكثير.ولو أن هذا الكم العرمرم من الكلمات والشكاوى والسرد الوصفي والنقل والتبليغ يعيد نفسه باستمرار، إلا أنه يكشف عن نوع من الرغبة الجامحة للحديث والمشاركة في الكلام وكأنه طقس شفائي لمرض مستعص عن العلاج. عندها لا تقتصر الكاميرا على تسجيل الحركة والصور والألوان والأبعاد لأنها تصبح بمثابة جهاز تسجيل صوتي بكل المقاييس.ويمكن فهم هذا التشبت بالشريط الصوتي الممتلئ عن آخره بكل أنواع الضجيج والكلام كمحاولة لإمساك لحظات وحدها قادرة على نقل أبسط جزئيات اليومي في حيويته وسخونته،وهي رغبة كل الفنون في أن تكون أقوى أو على الأقل تضاهي الزمان أي الحياة في توهجها وحيويتها. استنتاج تأويلي إننا أمام عمل سينمائي أعطى فيه المخرج لنفسه مشروعية هتك الوسيط الصوري كما هو متعارف عليه كحبكة ونقل لواقع، وكحوار واصف إلى تثوير اللغة السينمائية كإطار وإنارة وفضاء وأداء لجعلها ذات نفس شاعري كثيف بدلالاته، مجازي بإحالاته، وفانطاستيكي بتخيلاته.إن البوعناني يكتب السيناريو على طريقة البيت الشعري الذي له استقلاليته وصورته وإيقاعه. قد يظل قائما بذاته كما الصورة الفوتوغرافية وقد يدخل في علاقة تغدي وتأطر المبنى العام للفيلم،بالرغم من كونه لا يتأسس ضمن هيكل سردي أو حكائي معين لكنه متشظ بنوع هستيري ومهووس. لذا نتفهم هذا التيه السردي الذي عمل الفيلم من خلال مفاصله على السقوط فيه. تيه قد يعكس حالة من الفوضى في عالم القرية. تيه يتقاطع مع الشعراء الجوالين الباحثين دوما عن الحقيقة، لكنه تيه ينتهي ليبدأ من جديد في حلقة مفرغة لا يمكن الجزم أنها كتابة سينمائية بالمعنى المعروف، لكنها ربما كتابة تستفيد من الأدبيات التوثيقية والريبورتاج في جوهرها كشهادة على واقع واقعي أكثر من اللازم.فيه المكان للحلم بمعنى الانتقام والهروب وليس بمعنى انتظار ما هو جميل ووردي. يبدو لي أن تجربة البوعناني من خلال فيلم السراب جاءت كمحطة انتقالية لجيل اتخذ من السينما وسيلة تعبير فني ونضالي.وسيلة تقف إلى جانب المقهورين من الطبقات المسحوقة بمخلفات نظام سياسي فيه يد لأهل البلد لما آلت إليه الأوضاع .إن المخرج لكونه شاهد على عصره ومتفاعل واع مع الحياة، يحاول أن يرصد هذا العصر ويكون مندمجا فيه لرسم وثيقة تاريخية من منطلق إبداعي على الوضع الاجتماعي والسياسي بالمعنى السوسيولوجي. الفيلم يندمج إذن ضمن رؤية جمالية خاصة بالبوعناني تمتزج فيها رؤيا شاعر تحت هول مجتمع على آفة الفاجعة.يبقى لنا كمنتمين لهذه الحساسية المعينة ولهذا الموروث الثقافي والشعبي أن نحكم إلى أي مدى كانت هذا الرؤية الكابوسية قريبة من التحقق أو بعيدة عنه؟