تحل الذكرى 103 في 6 ماي 2016 لتأسيس صناعة السينما الهندية، التي تنتج حوالي 1000 فيلم سنويا، مع 14000 ألف قاعة سينمائية و باستثمار في صناعة الترفيه –سينما و تلفزيون- يصل الى 36 مليار دولار. في هذا المقال نستعرض مفاتيح هذا العالم السينمائي الذي يندمج فيه ما هو سياسي بما هو سينمائي. فقد تبوأت السينما الهندية مكانة متميزة في وجدان أجيال متعاقبة من المغاربة منذ الخمسينيات، وأفلامها أول ما دبلج إلى اللسان المغربي الدارج، ولا يزال المغاربة يتذكرون بإعجاب أفلام « مانكالا « و « طريق العمال «و « سانجام « و « الأم الهندية « و « أمنا الأرض « ... وتتابع الأجيال المعاصرة بشغف أفلام: أميتاب باتشان و شاه روخ خان... ومن أهم الأفلام التي لازال لها صيت لدى عشاق السينما فيلم « منكالا « ففي خضم الأحداث التي عاشها المغرب ما بين 1953 – 1956، بعد نفي ملك المغرب المغفور له محمد الخامس، وتأجج كفاح الحركة الوطنية وحركة المقاومة، والانتصار الذي توج بالاستقلال ... عرفت القاعات السينمائية خلال الخمسينيات والستينيات إقبالا متزايدا على الفيلم الهندي بنسختيه المدبلجتين عربيا وفرنسيا. وحدث مرة أن اصطفت طوابير الجمهور خارج القاعات لعشرات الأمتار. لم ينتبه البعض إلى تميز الفيلم الذي حمل عنوان «منكالا «، وظنوا أنه فيلم كجل الأفلام الهندية ميلودراما من الأغاني وقصص الحب التي تنتهي نهاية جميلة، مع أصوات عذبة وموسيقى شجية. إلا أن الفيلم « منكالا « الذي نجح نجاحا هائلا جعل البعض لا يعرف من السينما الهندية غيره، كان لنجاحه سبب آخر هو أنه يروي حكاية شبيهة بالأوضاع المغربية. لقد أضاف فيلم « منكالا « إلى الميلودراما التي هي سر نجاح الفيلم الهندي عموما تميزه اخاص صنع منه فيلما محليا لا يشبه ولا يقلد أي سينما أخرى. فالأدب المحلي هو الأدب العالمي كما أكد يوما مكسيم غوركي. وليس فقط تشابه حكاية الفيلم مع الأوضاع المغربية آنئذ وعشق المغاربة للميلودراما الهندية، بل أيضا الدبلجة التي قام بها السيد إبراهيم السايح، وسمع المغاربة وربما لأول مرة لهجتهم بدهشة ثم بفرح على الشاشة الفضية (= صارت بالألوان ) التي كانت التسلية البريئة، وربما الوحيدة للمغاربة حتى أن المغنية الشعبية أكدت « هدو وليدات اليوم راه الخدمة فالسينما «. وهو أمر راجع إلى سيطرة السينما على المشهد الفني في المغرب، سواء خلال المرحلة الاستعمارية التي ابتدأت بعقد الحماية الفرنسية في 1912، وانتهت في 1956 أو بعدها حتى 1980 عندما بدأ غزو الفيديو والقنوات الخاصة والفضائية وتقلص عدد القاعات السينمائية بشكل رهيب. المدبلج إبراهيم السايح كان السيد إبراهيم السايح الذي تخصص في دبلجة الأفلام الهندية على وجه الخصوص وبعض الأفلام الأجنبية الغربية، يستعين بأصوات ممثلين مغاربيين من المغرب والجزائر خاصة، وظل يقوم بهذا العمل حتى 1977 عندما دبلج فيلم « كبي كبي « وهو فيلم هندي غير له العنوان إلى « الحب هو الحياة «، وفي هذا الفيلم اشتهر النجم الهندي « أميتاب باتشان « في المغرب، وأصبح اسمه عند المغاربة حتى الآن « الشاعر»، لأنه قام بدور شاعر في الفيلم ووصلت شهرة هذا النجم المغربية أعلى مراتب السلطة في المغرب، فعندما زار جلالة الملك محمد السادس الهند في 2001 أوسم « أميتاب باتشان « بوسام رفيع ومن المؤسف أن مسؤولي السفارة المغربية في دلهي نسوا وضع اسم الفنان المسلم « ديليب كومار» ( محمد يوسف خان ) على لائحة الموسمين، وهو بطل « منكالا « وأشهر نجم في تاريخ السينما الهندية، وصاحب دور اجتماعي وتصالحي في الصراعات التي تقوم بين المسلمين والهندوس. إذ كان مع الراحلة الأم « تيريزا « يتدخلان أثناء هذه الصراعات بشكل ثنائي لإصلاح ذات البين. كان إبراهيم السايح قد عدل اسم « كبي كبي « إلى « الحب هو الحياة « وهو من العناوين المباشرة التي تجد قبولا عاما من جمهور السينما، أما فيلم « منكالا « الذي يحمل في الأصل اسم « آن « ويعني « تصميم «. وهو أول فيلم هندي بالألوان، و اشتهر بعد الدبلجة الفرنسية الذي قام بها الفرنسيون ثم الدبلجة المغربية التي قام بها إبراهيم السايح باسم بطلة الفيلم « منكالا «. ولا نعرف بالضبط من أطلق اسم « منكالا «، والأرجح أنه المدبلج الفرنسي الذي أطلق عليه « منكالا بنت الهند «. بينما اكتفى المغاربة باسم «منكالا «. والفيلم يتوفر على كافة الخطوط المعروفة في الهند قصة حب .. صراع الشر والخير .. أغاني المطربين من وراء الستار، وهي من مميزات تقسيم العمل في الفيلم الهندي، فالذي يغني لا يمثل والعكس صحيح، إلا مرات قليلة جدا. وكان «محمد رفيع» المطرب الراحل (توفي عام 1980) و»لاتا» (ولدت في 1929 ) هما مطربا الفيلم، أما الموسيقى والألحان فقد وضعها الموسيقار «علي نوشاد» وهو من كبار الموسقيين الهنود. وزيادة على هذه الميلودراما فالفيلم يروي قصة ملك أرغم بطريقة أو أخرى على الرحيل عن ملكه، وكان يشعر بالمؤامرات تحاك ضده من بعض أفراد عائلته في البلاط، بل حاولوا اغتياله ونام أحد المخلصين في سريره فاعتقد القتلة أنه الملك الذي كان على وشك الترحيل إلى المنفى. ويقوم البطل بحشد الشعب لأجل إعادة الملك إلى عرشه وطرد المغتصب ، وهو أمير من أسرة الملك. وبعد صراعات تعرضت البطلة للاغتصاب من طرف الأمير المغتصب للعرش ينتهي الشريط بانتصار الشعب والبطل وعودة الملك إلى عرشه. كانت هذه قصة الفيلم التي تخللتها الأغاني العذبة والرقصات الجميلة والضحك المتواصل من سنيد الفيلم، أو كما يسميه المغاربة « خورو « وسنيد الفيلم المضحك لم يكن يخلو منه أي شريط غربي أو عربي أو هندي، وكان دوره التخفيف على المتفرج بابتكار مقالب وضحكات تتخلل المشاهد الحزينة أو في خضمها أحيانا، وقد كان عبد السلام النابلسي يقوم بهذا الدور مع فريد الأطرش ومع عبد الحليم حافظ، كما فعل الفنان الهندي محمود مع النجم شامي كبور. ويحكي أنه أثناء دبلجة جملة يقولها سنيد فلم «منكالا « لم يجد إبراهيم السايح الكلمة المناسبة لها، فتطوع سنيد الدبلجة الصوتي فدبلجها بجملة غريبة « بوقال الزنانة « فالكلمة من اللامعقول في الدارجة المغربية وجرى مزجها بهذا الشكل الغريب وهي في الخلاصة تعبير ضاحك يقال حتى لمن لا يعاني أي عيب خلقي وحتى لمن رأسه طبيعي مستدير. وقصة شيخ المدبلجين المغاربة الوحيد المرحوم إبراهيم السايح ( الذي اعتبر الدبلجة أهم شئ في الفيلم حتى من الإخراج ) مع اللغة الهندية تثير التساؤل، فالرجل كان لا يعرف هذه اللغة، والواضح أنه كان يستعين إما بترجمة الفيلم المكتوبة على الشريط التي كانت تقوم بها عادة مؤسسة خوري وعبيد، أو أنيس وعبيد في مصر، أو كان يساعده في كثير من الأحيان أحد الهنود المقيمين بالمغرب، ثم يقوم بوضع الحوار المحكي بالدارجة على ضوء هذه الترجمة مع استغلال بعض الألفاظ مثل « بوقال « أو « كيس كيس النحلة أبو رجيلة وحدة « كما فعل في فيلم الصداقة (= دوستي ) الهندي للتعبير عن سخرية التلاميذ من بطل الفيلم الأعرج، وكان موفقا في ذلك وكما فعل في فيلم غربي للممثل ايدي كنستنتين» سلم لي على مالين الدار « بعد لكمة موفقة في كل مرة. بداية سينما بوليوود في سنة 1913 عرض أول فيلم هندي صامت « راجا هاري شاندرا « لمخرجه « دادا فالكي « المتوفى في 1944. أنجز الفيلم بمجهود هندي صرف من أوله إلى آخره. وكان دادا فالكي يمارس مهنة جديدة في الهند والعالم، هي التصوير الفوتوغرافي وتحول على عجل إلى السينما، ورغم أن الهند كانت مستعمرة بريطانية فإنها كانت تتوفر على صناعة وطنية زراعية وغذائية وصناعة المنسوجات ثم صناعة السينما التي ابتدأت في 1913. ولذلك فإن دعوة غاندي 1869 – 1948 لمقاطعة المواد البريطانية أثناء نضاله السلمي نجحت، لأن الهنود كانت لهم صناعتهم الخاصة والمستقلة في الغذاء والنسيج وحتى الترفيه. لم تكن سنة 1913 بداية السينما الهندية فقط، بل أيضا السنة التي فاز بها أول شرقي بجائزة نوبل، وكانت من نصيب الهندي «رابندرانات طاغور» 1861 – 1941 الموسيقي والشاعر والمسرحي والروائي والرسام الشهير. كل هذه «المصادفات « التاريخية لعبت لصالح السينما الهندية التي تطورت بسرعة من الفيلم الأول الصامت إلى غاية 1931 عندما ظهر أول فيلم ناطق « دموع العالم « الذي أضاف الأغاني إلى الأساطير، وقصص الغرام التي تنتهي نهاية سعيدة. لقد رفض المتفرج الهندي النهاية الحزينة، وعندما عرض الفيلم المستوحى من مسرحية وليم شكسبير « روميو وجوليت « والذي ينتهي فيه البطلان منتحرين. أحرق الجمهور الحاضر القاعة، « إذ كيف نعيش حياة شقية تتبعنا حتى قاعة السينما « كما برر أحد المتفرجين إشعال النار في السينما، فسحب المنتج النسخ وأعيدت كتابة الفيلم بنهاية سعيدة. لقد تم « اتفاق « بين صناع السينما والمتفرجين على جعل سينما بوليوود سينما ترفيه مميزة عن أي سينما أخرى خاصة السينما الغربية – هوليوود -، مع اقتباس الأفلام الناجحة غربيا أو من سينما الأقاليم. (إذ أن السينما الهندية ليست فقط سينما « بوليوود « وهو اسم جاء مقاربة « لهوليوود « مع جعل الحرف يبدأ بحرف الباء أي بومباي، التي تحول إسمها إلى مومباي في 1981). ولايات ولغات تتوفر الهند على لهجات بالمئات ولغات بالعشرات، وقد تم إقرار اللغة الهندية لغة رسمية و 14 لغة وطنية، كما اختارت الهند النظام الفدرالي « 28 ولاية « منذ وضع الدستور الهندي في 26/1/1950 فلكل ولاية حكومتها وبرلمانها المحليان. أما الحكومة المركزية في دلهي فتنبثق من انتخابات وطنية وبرلمان وطني مؤلف من مجلسين. وقد بدأت السينما الإقليمية في كلكتا في 1916، ثم انتقلت إلى باقي الولايات، فهناك سينما البنغال، و التاميل، وكيرالا وغيرها. وهذه الولايات هي التي جعلت السينما الهندية تنتج ما بين 750 إلى 900 فيلم روائي في السنة. أما سينما بومباي أو بوليوود فتنتج سنويا ما بين 100 إلى 200 فيلم، إلا أن العالم لا يشاهد إلا سينما بومباي بلغة الهندي / الأردو، وتكتب لغة الهندي بالسنسيكريتية والأردو بالعربية، وكلتا اللغتين مفهومتان لدى الجميع. وأفلام الولايات الأخرى هي أفلام لا تتجاوز الولاية التي تنتج فيها، باستثناء سينما « ساتياجيت راي « الفائز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان 1956 عن فلمه « آنين الممر « والفائز بالأوسكار الأمريكي في عام 1992 تاريخ وفاته، وأيضا السينما الأخرى أو السينما الواقعية أو سينما المخرج، والتي لا تعرف طريقها إلى القاعات السينمائية على مستوى العالم. إلا عند المهرجانات، وفي نطاق محدود. ومن أهم نجاحات السينما الهندية بالإضافة إلى التميز، والترفيه، والجمالية « تقسيم العمل «، فعندما يتم اختيار القصة أو الفكرة ، تسلم إلى السيناريست ثم إلى واضع الحوار ثم إلى الشاعر ليضع الأغاني المناسبة، ثم إلى الموسيقي ليضع الألحان والموسيقى التصويرية، ثم إلى المطربين، وهم لا يظهرون في السينما الهندية التي تعتمد على نظام Playback أو المغني من وراء الستار، فالممثل يحفظ الأغاني ويحرك الشفاه، فيعتقد المتفرج أن الممثل هو المغني مثل فريد الأطرش، وعبد الحليم، وبلخياط، والحياني. اعتبرت السينما الهندية أن الممثل لا يتمتع بقدرات غنائية، مثل المغني الذي لا يتمتع بقدرات تمثيلية، فتم إسناد الغناء إلى مطربين محترفين مثل «لاتا « بلبل الهند المزدادة في 1929 و « آشا « المزدادة في 1931 ومحمد رفيع المتوفى في 1980، وكيشور كومار المتوفى في 1987 وغيرهم، الذين خلفوا آلاف الأغاني، فمنهم من خلف 26000 أغنية. وتعتبر « لاتا « قيمة اجتماعية، وذات تأثير وطني عام في الهند، وقد بدأت الغناء وعمرها خمس سنوات، وكان جواهر لال نهرو 1889 – 1964 رئيس وزراء الهند 1947 – 1964 وباني نهضتها وواضع دستورها يأخذ معه أحيانا السيدة « لاتا « لافتتاح اجتماعاته الجماهيرية. والأغاني لعبت دورا ترفيهيا وتجاريا دائما في السينما الهندية، إذ أن الفلم يباع « مقسطا « فيباع حق توزيع الأغاني عن طريق الأسطوانات والأشرطة إلى الشركات المختصة، وتباع نفس الأغاني مصورة .. ثم يباع الفيلم ككل داخليا وخارجيا، مع حق إعادة الاستنساخ والترخيص لشريط الفيلم كل 10 سنوات، وتراقب مؤسسة الرقابة على السينما، الأفلام المنتجة، وتحارب هذه المؤسسة الأفلام التي قد تشير إلى الصراع الطائفي بين المسلمين والهندوس، أو إلى الطوائف الهندية الأخرى كالبراهما، والبوذيين، والسيخ، والمنبوذين، إلا أن السينمائيين الهنود نادرا ما يلجأون إلى القصص التي قد تزعج المتفرج الهندي الذي يأتي ليشاهد ما يفرح لا ما يحزن. وتتوفر الهند على 14000 قاعة سينمائية، وتباع فيها 6 مليار تذكرة في السنة، وقبل بداية الشريط يعزف النشيد الوطني ويقف الجمهور في صمت احتراما إلى أن ينتهي. وهناك قاعات سينمائية يمكن الولوج إليها بما يوازي ثلاثة دراهم، وأخرى بمائة درهم. السينما الهندية في المغرب كان أول عرض سينمائي هندي في أواخر الأربعينيات بمدينة طنجة، التي كانت منطقة دولية، وكانت تعرف تواجد جالية هندية ضخمة. إلا أن السينما الهندية لم تعرف انتشارها في المغرب إلا في منتصف الخمسينات عند عرض فيلم « مانكالا « و « الأمير أحمد « و « الأم الهندية «و « طريق العمال» وقد لعب «موتي شاندرا» تاجر الملابس الهندي دورا رائدا في توزيع الأفلام الهندية في المغرب بعد انتقاله من طنجة إلى البيضاء، ثم المرحوم إبراهيم السايح الذي دبلج عشرات الأفلام الهندية، وبعض الأفلام الغربية إلى اللسان الدارج.. و محمد الحسيني المترجم الحالي للأفلام الهندية، والذي يتميز بإتقان لغة الهندي / أردو ، نطقا وكتابة، والذي دبلج ثلاثة أفلام هندية، وترجم حوالي 40 فيلما هنديا كتابة، وهو المترجم المعتمد في الغرفة السينمائية المغربية. أحزاب ومافيات وقد ارتبطت السينما الهندية بالسياسة والأحزاب والانتخابات، فأميتاب باتشان كان عضوا برلمانيا حتى 1989، و»سونيل دات» المتوفى في 2005، كان وزيرا للشباب والرياضة، و»راما تشاندران» النجم الإقليمي لسينما التاميل، كان رئيسا لوزراء ولاية تاميل نادو حتى وفاته، و «رام راو» نجم السينما بولاية أندرا براديش، كان هو الآخر رئيسا لوزراء الولاية، والنجم الراحل « راجيش خانا « كان هو الآخر عضوا برلمانيا، و«شاترو غان سينها « عضو برلماني حاليا، وغيرهم. صدرت للكاتب المؤلفات: العالم الأسيوي ، الإسلام والمسلمون في الهند، السينما الهندية