تعتبر الحياة المدرسية بمثابة المناخ الذي يمكن من خلاله لكل الفاعلين المفترضين في المدرسة، العيش فيه و هم ينعمون بالسلام و الأمن و التعاون و الإندماج، بدء بالإدارة التربوية، مرورا بالمدرس (ة)، وصولا إلى المتعلم (ة) الذي من حقه أن يحس بكون المدرسة لا تختلف عن البيت و عن الحي أو الدوار الذي يقطنه، إن لم نقل أفضل من كل هذه الأمكنة. الحياة المدرسية بأدق التفاصيل، هي الحياة الإعتيادية اليومية للمتعلمين و المتعلمات، التي يعيشونها داخل الفضاءات المدرسية وفق نسق منظم، و هي بيئة منظمة تحكمها ضوابط إدارية و تربوية. و تتشكل هذه الحياة من مجموع العوامل الزمنية و المكانية و التنظيمية و العلائقية و التواصلية و الثقافية و التنشيطية.(1) و لابد للحياة المدرسية من دعامات و مرتكزات و متدخلين و فضاءات و مرافق، و كذا مناهج و برامج و أنشطة متنوعة و إيقاعات منظمة. إن المتتبع للشأن التربوي ببلادنا يقف أحيانا على مظاهر سلبية بفضاءات المؤسسات التربوية، أبرزها الفوضى و الإرتجالية في التدبير و التسيير ببعض هذه المرافق الحيوية، مما ينم عن أزمة بنيوية تتخبط فيها هذه المؤسسات التي تعتبر مشتلا لزرع قيم المواطنة و التسامح و احترام الآخر و قبول الإختلاف، و مصنعا لصقل و تأهيل العقول البشرية التي هي أساس كل تنمية.(2) و حسب اعتقادي فأبرز مشكل تواجهه المدرسة/الحياة التربوية حاليا يتجسد في فقدان الثقة فيها من قبل فئات عريضة من مجتمعنا إضافة إلى التطاول على مرتفقيها أحيانا، و انتهاك حرمتها و «قدسيتها» في أحايين أخرى، أما باقي الإختلالات الأخرى فبإمكان بلادنا تجاوزها، و ذلك باستحضار الإرادة الوطنية و إشراك جميع الأطراف في الإصلاح ارتكازا على مقاربات شمولية تروم النهوض بأوضاع العنصر البشري أولا و أخيرا. الحقيقة المرة أن الأطراف المتعايشة داخل مدارسنا العمومية تريد أن تقود – بعضها – بنفسها نموذج الحياة الذي تراه مفيدا لها و خادما لطموحها، إن لم نقل لطموحات المتحكمين في دواليب التربية و التكوين : (إعادة الإنتاج الإجتماعي عل حد تعبير : «بيير بورديو»)، و لا يهمها التفاعل مع المتغيرات الإجتماعية و التطورات السياسية و إشاعة القيم النبيلة و الأخلاق الحسنة التي قال بشأنها «إدغار موران» : (يجب ترسيخ الأخلاق في العقول) أو ما يصطلح عليه : «تخليق الحياة العامة». و تظل الرتابة التي تطال فضاءات المؤسسات التعليمية نقطة سوداء فهندسة البنايات التربوية تغيب فيها الجمالية و المجالات الخضراء مما يولد النفور لدى المتعلمين، ينضاف إلى هذا كله تأزم العلاقات أحيانا و كثافة المواد الدراسية و الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية و داخل المؤسسات التعليمية ككل. و هذه المشاكل المختلفة في جوانبها الذاتية و الموضوعية تساهم في خلق نظام تربوي غير سليم لتأطير فعلي التعليم و التعلم و في تعثر مستوى التحصيل الدراسي لدى المتعلمات و المتعلمين، الذين يتحول بعضهم إلى عناصر سلبية للمؤسسة بانفلات سلوكاتهم و تمردهم على القيم و النظم التربوية، و تحولهم إلى مشاغبين همهم الوحيد تخريب ممتلكات مرفقهم العمومي و إذاية القائمين عليه و رواده. إن المفهوم الجديد للمدرسة العمومية يجعل وظيفتها لا تنحصر فقط في تحصيل المعارف و السلوكات، بل تتعداه إلى ضمان القواعد الضرورية لاندماج النشء في المحيط الاجتماعي و الثقافي و السياسي ... و التفاعل الإيجابي مع المكتسبات الدستورية ببلادنا. و هنا لابد من اعتماد مقاربة العمل بمشروع المؤسسة كآلية ناجعة لتجاوز مشاكل الحياة التربوية و لتحسين جودة التربية و التكوين بها، فالعمل ببيداغوجيا/مقاربة المشروع تشخيصا و تخطيطا و تنفيذا و تتبعا قمين بتفعيل أدوار الحياة المدرسية و الرقي بها إلى مصاف الفضاءات التربوية الجذابة التي تستجيب لحاجات و ميولات المتعلمات و المتلعمين (التعلم – التربية – الأمن – اللعب – حب الإستطلاع – تأكيد الذات – الحرية و الإستقلالية ...). إن العلاقة التربوية تعامل و تفاعل إنساني يتم بين أفراد يوجدون في وضعية جماعة كما قال : «جون كلود فليو» لذلك على المسؤولين التربويين و جميع الشركاء العمل على ترسيخ الممارسة الديمقراطية في الفضاءات التعليمية و التكوينية و التدبيرية، سواء في الفصل الدراسي أو في مجالس المؤسسات التربوية، و ذلك لكون استمرارية توطيد البناء الديمقراطي ببلادنا، بقدر ما تتم من خلال الإصلاحات الجارية، بقدر ما تقع على عاتق نخب الغد، التي تمثلها الناشئة المتعلمة اليوم.(3) بناء على ما سبق يتبين أن الحياة المدرسية هي الركيزة الأساس في أي إصلاح تربوي مرتقب، لاعتبارها قاعدة تشكيل و بناء منظومة القيم و الهوية المشتركة لأفراد المجتمع. من هذا المنطلق يبدو أن الإصلاح التربوي الصحيح، الذي يستطيع الصمود و الاستمرارية حتى تحقيق الغايات المجتمعية المنشودة، هو الذي ينطلق من تحت، بمعنى آخر هو الذي ينطلق من الواقع المعيش الذي تعرفه المؤسسات التعليمية، و لن يتأتى ذلك ما لم نأخذ بعين الإعتبار مكونات فضاءات المدرسة.(4) *باحث تربوي و ممارس بيداغوجي الثانوية الإعدادية سيدي المدني بن الحسني عين عودة نيابة الصخيرات تمارة