في البداية كانت فكرة ترددت لدى أصحابها، منذ سنة ونصف وقرروا في الأخير ترجمتها إلى واقع ملموس، الأمر هنا يتعلق بالاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس مجلة أنفاس، فخلال ثلاثة أيام 7 ، 8 و 9 أبريل، قرر مؤسسو هذه المجلة الثقافية المشرقة في تاريخ المغرب الثقافي المعاصر أن يخلدوا هذه الذكرى الجميلة، وكأنهم يقولون للجيل الحاضر أن مجلة أنفاس لا تموت، لأن اسمها يدل على ذلك، ومرتبطة بالنفس الطويل الثقافي للمغرب، فإليكم المشعل لتحملوه بيدكم. لقد اختار منظمو الذكرى وفي مقدمتهم مؤسسو مجلة أنفاس الشاعر عبد اللطيف اللعبي، مصطفى النيسابوري والفنان لتشكيلي محمد المليحي، فضاء المكتبة الوطنية للمملكة المغربية لما له من رمزية وطنية وثقافية، للاحتفاء بهذه الذكرى التي ترجع بالذاكرة إلى الستينات، وكيف تحركت مجموعة من الشباب المغربي المثقف من أجل وضع بصمات في المشهد الثقافي والأدبي والفني المغربي، وستبقى خالدة وموشومة في ذاكرة الأجيال لما لها من عمق في التفكير والمواضيع التي تناولتها في تلك الفترة. لقد غصت كل جنبات قاعة المكتبة الوطنية يوم مساء يوم الخميس في الجلسة الافتتاحية لهذه الذكرى، بعدد من الفعاليات الفكرية والثقافية والإعلامية من المغرب وخارجه، بالفعل لقد كانت لحظة ثقافية بامتياز إذ حضرت وجوه كبيرة في الإبداع من أجل تخليد هذه الذكرى وفي مقدمة هؤلاء نذكر على سبيل المثال لا الحصر الشاعر العربي الكبير ادونيس، والكاتب المغربي المرموق الطاهر بنحلون، ثم المبدع المتميز التونسي عز الدين المدني، والشاعر الجزائري الحسين الترجاوي، ناهيك عن وجوه كبيرة في عدد من المجالات المغرب كنور الدين الصايل، واسماعيل العلوي. كيف جاءت مبادرة تأسيس مجلة أنفاس التي عرفت إصدار أول عدد لها في شهر مارس 1966 أنفاس؟ يقول اللعبي في كلمة مقتضبة المبادرة جاءت بعد عشر سنوات من استقلال المغرب وسنة بعد اختطاف واغتيال الشهيد المهدي بنبركة، أساسا من مجموعة من الشعراء، من بينهم مصطفى النيسابوري، ومحمد خير الدين، وكذلك فنانين تشكيليين، انتموا جميعا خلال تلك الفترة، إلى المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدارالبيضاء، منهم محمد شبعة، محمد المليحي، فريد بلكاهية، هذه الأسماء شكلت نواة البداية، وبعدها رشح الشعراء، كتابات لأشخاص يعرفونهم، أما تصميم المجلة، فقد أعده المليحي وشبعة، وفيما بعد، سيلتحق بنا، مبدعون آخرون. شيء جميل أن يتم الحفاظ على هذا المنتوح الثقافي المضيء في تاريخ المغرب الثقافي، فالوعي الثاقب بهذه الفكرة ليست غريبة على مؤسسها عبد اللطيف اللعبي، لذلك اهتدى منذ سنة ونصف لتوقيع اتفاقية شراكة ما بين مؤسسة عبد اللطيف اللعبي والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية من أجل العمل على مشروع رقمنة مجلة أنفاس. وبهذه المناسبة أشاد كل من عبد اللطيف اللعبي إدريس حروز مدير المكتبة الوطنية بالعمل الذي أنجز في هذا الإطار من أجل رقمنة كل أعداد مجلة أنفاس لوضعها رهن إشارة مرتادي المكتبة الوطنية من باحثين ومثقفين وطلبة وأكاديمين خدمة للبحث العلمي والثقافة المغربية. لقد كانت جلسة افتتاح هذه الذكرى مناسبة سانحة لعرض شريط من إنتاج القناة الثانية برنامج «grand angle « لرضى بجلون حول تأسيس مجلة أنفاس، وكيف جاءت الفكرة من هم رواد وإبطال هذه المبادرة، حيث عرف الشريط عدد من الشهادات لشخصيات فاعلة في التأسيس كالشاعر عبد اللطيف اللعبي، والتشكيلي محمد لمليحي، والشاعر مصطفى النيسابوري، واسماعيل العلوي لقد أكد اللعبي علىأن مجلة أنفاس كان لها أصدقاء كثر ومن هو حاضر اليوم في هذه الذكرى، سواء من المغرب أو المغرب العربي أو الخارج وكلهم بقوا أوفياء للحلم الذي راود مؤسسي مجلة أنفاس هذا الحلم المتمثل في فجر جميل في هذا العالم. لقد أجمع كل الذين قدموا شهادات في حق المستوى الإبداعي والفكري لمجلة أنفاس على أنها نجحت في اختراق عدد من المواضيع ذات الهم الوطني والعربي والقومي والتقدمي في تلك الفترة وخرج صيتها الى الخارج اذ تجاوزت الحدود بالسمة التي وسمتها في العمق في الفكر والثقافة والإبداع المغربي. لقد تحدث اللعبي كذلك على تجربته خلال كلمته بالمناسبة على مدى تاثير تداخل الثقافي والسياسي في تجربة انفاس معرجا على تجربة الاعتقال والانتماء الحزبي ثم المساهمة في تأسيس منظمة الى الأمام، ومن جهته خلال شهادته كيف كان واضحا الشاعر النيسابوري على أن في مرحلة «تسييس المجلة» لم يجد نفسه آنذاك. سيعرف برنامج هذه الذكرى بعد المعرض التشكيلي الذي عرضت فيه لوحات فنانين تشكلين مؤسسين لمجلة أنفاس الذي كان مساء الخميس، ثم يوم الجمعة باقة من نصوص عدد من صانعي أنفاس ورفاق دربها التي اختارها عبد اللطيف اللعبي، ثم يوم السبت مناظرة «العودىة الى أنفاس» عودة أنفاس وفي المساء قراءة للشاعر العربي الكبير أدونيس وعرض موسيقي.