«لست رجل سياسة لأقدم برنامج عمل طويل المدى»، قال عبد اللطيف اللعبي بصفته رئيسا ل»مؤسسة اللعبي من أجل الثقافة» المحدثة في شهر أبريل الماضي والمعلن عن انطلاقتها رسميا يوم الجمعة الماضي. ولذا فالمؤسسة الثقافية التي يترأسها، مؤقتا حسب اعترافه، ستنجز برامجها على مراحل وتعلن عنها تدريجيا. هكذا تحدث الحائز على جائزة غونكور في الشعر عام 2009، في حضرة رفيقة حياته وعطائه الفكري، جوسلين اللعبي، وأمام حضور كثيف ونوعي ضم بعض أبرز أسماء الحقل الثقافي الوطني، خلال لقاء احتضنه معرض البيضاء للنشر والكتاب زوال أول أيام افتتاحه للعموم. اللقاء، الذي أداره بسلاسة يونس أجراي، سلط الضوء أساسا على أول محور سيستقطب اهتمام «مؤسسة اللعبي من أجل الثقافة»: احتفالية الذكرى الخمسين لتأسيس مجلة «أنفاس». خلال اللقاء، كشف اللعبي، مدير المجلة الرائدة التي صدر عددها الأول سنة 1966 والموقوفة عام 1972، ومعه الشاعر مصطفى النيسابوري والتشكيلي محمد المليحي، بدايات التفكير في إنشاء المجلة كصوت متميز ثقافيا في المغرب والعالمين العربي والثالث يحقق المصالحة والتكامل بين البعدين الأدبي والبصري ضمن أفق تحديثي وتحرري وديمقراطي. كما استحضر الثلاثة، باعتبارهم أعضاء المجموعة المؤسسة لتجربة «أنفاس» الفارقة في تاريخ الثقافة المغربية المعاصرة، رفاق درب التأسيس الذين غيبهم جسديا الموت رغم استمرار حضورهم الثقافي: الكاتب والشاعر محمد خير الدين والفنانان التشكيليان محمد شبعة وفريد بلكاهية. وفي نفس السياق، تدخل الروائي الطاهر بن جلون الذي التحق لاحقا بأقلام المجلة مؤكدا أنه مدين بممارسته الكتابة وامتهانها للنسخة الفرنسية من المجلة التي صدر منها 22 عددا ، علما أن منجز «أنفاس» يتضمن أيضا 8 أعداد باللغة العربية، ومضيفا أنه لولاها لكان أصبح مجرد مدرس كما كان يتمنى ذلك في شبابه. واعتبر المشاركون أنه كان لأنفاس « طيلة ستة أعوام من وجودها (مارس 1966 - يناير 1972)، دور حاسم في تعبئة الفكر، وفي تجديد الممارسات الأدبية والفنية، ما مكن من ربط ثقافتنا بقاطرة الحداثة وفتحها على الكونية»، وأن مغامرتها «لا تزال تُسائلنا وتغذي تفكيرنا» اليوم، بعد مرور خمسين سنة على التأسيس. في مارس القادم إذن تحل الذكرى الخمسون لصدور العدد الأول من « أنفاس»، وإعادة طبع أعداد المجلة كاملة، ومعها ملاحقها، في حُلتها الأصلية، أي كما اكتشفها جمهور القراء وقت صدورها، هي الفعالية الأولى ضمن احتفالية «مؤسسة اللعبي» بالذكرى. وبالفعل، فإنه لا يكاد يُعثر على نسخ من أعداد المجلة اليوم. وقليل من الخزانات تستطيع إتاحة الاطلاع على موادها لروادها من القراء والباحثين، إن في البلدان المغاربية، فرنسا أو أي بلد آخر. هذا علما أنه لا غنى عن المجلة لمن انتوى الاشتغال على مواضيع الثقافة الوطنية أو مسألة مَحْو الاستعمار الثقافي، أو أراد دراسة الأجيال الجديدة، في تلك المرحلة، من الكتاب والفنانين المغاربيين، أو سبر المسار الخاص للعديد منهم. كل هذه المعطيات أقنعت منظمي الاحتفالية بالحاجة إلى إعادة نشر أعداد «أنفاس» كاملة (22 عددا بالفرنسية، 8 بالعربية، إضافة إلى الملاحق)، من أجل وضعها في متناول الجامعات والمعاهد الثقافية ومؤسسات الذاكرة والباحثين عموما، وأيضا بين أيدي الجمهور العريض. تنظيم مناظرة دولية حول تجربة «أنفاس»، هو ذا محور الاحتفالية الثاني الذي سينعقد يومي 8 و9 أبريل 2016 بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية في الرباط، مرتكزا على ثلاث تيمات : - المغامرة الأدبية والجمالية لأنفاس: الشعر والأنواع الأدبية الأخرى، التشكيل، القطيعة الإستطيقية، التصميم الغرافيكي للمجلة؛ - أفكار أنفاس بخصوص الثقافة واللغة والهوية والحداثة، مسألة التحرر الوطني، المغرب الكبير، العالم الثالث والأممية، القضية الفلسطينية، الخ. - إرث أنفاس: إشعاعها داخل المغرب الكبير، الأصداء على المستوى الدولي، تأثيرها على الأجيال اللاحقة، استمرار حضور فكرها في نقاشات اليوم وتفاعلات ذلك. وإذا كانت أشغال الندوة ستنشر في كتاب، فإنه من المنتظر أن يساهم فيها أكثر من ثلاثين أكاديميا ومثقفا من عدة بلدان (المغرب الكبير، الولاياتالمتحدةالأمريكية، فرنسا، إسبانيا، ألمانيا ، إيطاليا...). بالإضافة إلى هذه الفعاليات، ستعرف الاحتفالية أنشطة أخرى، من ضمنها: - تنظيم معرضين تشكيليين يتضمن الأول أعمالا لكافة الفنانين الذين شاركوا في مغامرة أنفاس أو رافقوها (المكتبة الوطنية للملكة المغربية بين فاتح و 15 أبريل 2016)، والثاني بالرواق الوطني باب الرواح بالرباط ابتداء من 15 ماي 2016، يبرز الطابع الطليعي للتصميمات التي صدرت بها أعداد المجلة. - تنظيم لقاء يجمع كل من خاضوا أو ساهموا في تجربة المجلة ممن ما زالوا على قيد الحياة، وتكريم ذكرى الراحلين منهم، علما أنه من بين من بصموا بمساهماتهم التجربة بالإضافة إلى كوكبة المؤسسين، هناك: إدريس الشرايبي، وعبد الكبير الخطيبي، وأحمد البوعناني، ومحمد برادة، وماريو دي أندراد، وأبراهام السرفاتي، وتوني ماريني، ومصطفى الأشرف، والجيلالي الغرباوي، وأندري لود، والطاهر بنجلون، ومالك علولة، ومحمد خدة، وأدونيس، وبرنارد جاكوبياك، وإيتيل عدنان، وروني دوبيستر، ودانييل بوكمان... - نصب لوحة تذكارية على واجهة المبنى الذي احتضن مقر المجلة بالرباط. وأكد عبد اللطيف اللعبي، من جهة أخرى، أن المكتب المسير للمؤسسة التي تحمل اسمه يضم، بالإضافة له كرئيس، من يونس أجراي (كاتب عام)، وعبد الهادي السعيد (نائبه)، وعبد الرحمن طنكول (أمين) ومحمد العلوي البلغيثي (مستشار)، وذلك في انتظار تشكيل باقي هياكل المؤسسة العلمية والإدارية، مع إدماج مثقفات وكاتبات ضمنها.