أصوات تنبعث من الخارج لا أتبين فحواها . ربما صراخ أو ما يشبهه.. لغط تختلط فيه نبرات نسائية بأخرى رجالية. إنها السابعة صباحا. العصافير التي بالشرفة لم أسمع زقزقاتها ربما لا تزال نائمة. رفعت ستارة النافذة قليلا بعد أن أغمضت عيني، كالعادة، خوفا من اختراق خيوط الشمس لصفاء عيني بعد ليلة نوم هادئة. ظلام دامس يلف الخارج. تأكدت من المنبه المضبوط على السابعة صباحا . شغلت هاتفي النقال لمزيد من التأكيد. هناك شيء ما يدعو للاستغراب. لم تشرق الشمس هذا الصباح. تساءلت: أيمكن أن يكون خسوفا لم أتابع الاعلان عنه في نشرات الأخبار؟ شغلت جهاز التلفاز. كان المذيع بقناة الجزيرة بصدد الاعلان عن السبق الصحفي وأسفل الشاشة شريط أحمر عريض كتب عليه: عاجل: الشمس لم تشرق بالمغرب هذا الصباح ! إنه لا شك إعلان مغرض كالعادة. انتقلت الى قناتنا الأولى ، كان المذيع يتحدث عن انتعاش صادرات الاركان وعن الاقتصاد التضامني ودوره في التنمية. خمنت أنه ربما تطرق للأمر في بداية الأخبار. لكنه أمر جلل إذا حدث، ولا يمكن المرور عليه مرور الكرام. كان السؤال يقذفني الى سؤال. اتصلت بصديقتي علّ الامر يكون محصورا في مدينتنا فقط. جاء السؤال/ الجواب منها قاطعا: أين اختفت الشمس؟ علقتُ بسخرية لا تخلو من دهشة : أليس لها الحق في الإضراب؟ إنها تشتغل يوميا بدون كلل، بدون تأمين صحي ولا تعويض عن الساعة الاضافية التي فرضتها الحكومة عليها قسرا بدعوى اقتصاد الطاقة، حتى أجهدت طاقتها فنامت دون أن تستيقظ، فماذا هم فاعلون إذن؟ كانت أمي عندما تتوعدني أحيانا تقول: «نهارك ما طلعت فيه شمس». هل تحقق وعيدها إذن؟ وهل هذا هو نهاري وأنا من يتحمل وزر هذا الظلام لوحدي، أم يتحمله معي كل الصامتين؟ فهل أصبحت السماء «سماء جاحدة» الى هذا الحد؟ فبعد أن ضَنّت بضرعها هذه السنة وحبست ماءها، ها هي تحرّض شمسها كي تحتجب اليوم، في ما يشبه مؤامرة جوية ضد الحكومة بعد أن نفدت أسلحة المعارضة الأرض – أرض. تذكرت حكمة قديمة تقول:» إن لكل منا شمسان، شمس تشرق كل صباح، وشمس تشرق في قلبه» وضعت يدي على قلبي وتساءلت: هل ما زال في القلب شمس أو بضع ضياء أنير به يومي هذا؟ قد يحتاج الامر الى جلسة يوغا عميقة كي أعبئ نفسي بطاقة ضوئية تكفيني لهذا اليوم وربما أياما، فمن يدري قد يستمر الظلام لشهور أو سنوات. هي فرصة ثمينة إذن للجلوس وجها لوجه مع النفس، لمخاطبة الحواس وإدراك أنها لا تصلح فقط للوظائف التقليدية التي اعتدناها من مأكل ونظر ولمس وهمس ولغو. وفي جلستي هذه، ولو أنها اضطرارية وبدون تحضير روحاني قبلي، كانت الافكار تتزاحم في قلبي وعقلي... تشع، تسطع... تبعث دفئا فيّ وتجعل الأفق أوضح ، ويكفي أن أحمل شمسي بكفي ...أحرسها من غياب فجائي، كي لا أتعثر في الطريق...أجلس عند سفحها، أمشط جدائلها ولم لا أتفنن في ذلك فأجرب تسريحة « راستا» في ضفائرها الذهبية. رن الهاتف ليقطع كل الجسور والمنافذ التي كنت للتو أبحث عبرها عن شمسي. -ألو ، صباح الخير -ألو سعيد مساء الخير -هل سمعت ما قاله رئيس الحكومة عن لاجدوى الفلسفة والشعر والشعراء؟ اتركني من هذا الهراء الآن، ليقل ما شاء ف»اللسان ما فيه عظم». هل هناك ما هو أقسى أن تعيش في الظلام ؟ قاطعني: دائما متسرعة كعادتك.. كنت سأحدثك عن هذا الامر بالتحديد وما علاقة رئيسهم بالأمر؟ إن الشمس احتجبت اليوم نكاية فيه، ويقال إن القمر والنجوم سيتضامنان معها ولن يظهرا الليلة كذلك إنها حرب النجوم إذن وإن الشعر جيّش فيالقه الشمسية والقمرية في حركة عصيان. ألم يقل الشاعر مجدي يوسف «إن الشمس تنسج من فم الشعراء» وما ذنب العاشقين إذن وكيف سيغازل الحبيب حبيبته؟ أجاب مستفهما وهو يضحك لا بأس، سيقول لها: أضاء وجهك مثل الثريا أو مثل قنديل أم هاشم لترد عليه: اشتقت إليك اشتياقي للبصل رد صديقي بما يشبه الحسرة: «إذا كنت لا تعرف الحب، فما يجديك شروق الشمس أم غروبها».