اليوم 12 فبراير، يوم إختبار بالجزائر يعتبره المراقبون أحد المحطات التي ستحدد مدى قوة وقابلية قطار» التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديموقراطية «في التحرك على سكة الشارع الجزائري. فاليوم السبت هو الموعد الذي ضربته هذه التنسيقية لتنظيم مسيرة بالعاصمة تنطلق من ساحة فاتح ماي إلى ساحة الشهداء ، والهدف المرحلي:المطالبة برفع حالة الطوارئ، وبفتح المجال السياسي و الإعلامي، و الإفراج عن الموقوفين لأسباب التظاهر أو الرأي. «التنسيقية الوطنية من اجل التغيير والديموقراطية»،دعت في بياناتها منذ تأسيسها الشهر الماضي إلى تغيير النظام ورفع حالة الطوارئ التي تهيمن على البلاد منذ 19 عاما، وفتح الفضاء الإعلامي الذي تحتكر فيه الدولة الإعلام المسموع والمرئي، وتحرير الصحف المستقلة من ابتزاز الدولة، التي تسيطر على المطابع وسوق الإعلانات، بالإضافة إلى تكريس استقلالية القضاء واعتماد الأحزاب السياسية والجمعيات الجديدة، وتحديد صلاحيات غرفتي البرلمان وإصلاح النظام البنكي، ما يسمح بتنمية اقتصادية حقيقية. ويتصدر قائمة الداعين لهذه التظاهرة حزب التجمع من اجل الثقافة والديموقراطية والنقابة الوطنية لمستخدمي الوظيف العمومي جناح رشيد معلاوي، بالإضافة إلى الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان جناح مصطفى بوشاشي وعدد من المثقفين، من أبرزهم الإعلامي فضيل بومالة. ووجهت التنسيقية المشكلة من نشطاء حقوقيين، أكاديميين ونقابيين، الدعوة للشعب الجزائري عبر موقع اليوتوب من أجل المشاركة في المسيرة المرتقبة. وظهر في الفيديو علي يحي عبد النور، الرئيس الشرفي للرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهو يدعو الشبان للخروج من أجل التظاهر»ضد النظام» والمشاركة في مسيرة ال12 من فيفري الجاري، وقال «يجيب على كل الشباب رجالا ونساء أن يتجندوا ويجندوا من حولهم من اجل الحضور والمشاركة في مسيرة السبت المقبل». وركزت التنسيقية عبر الفيديو المنشور عبر شبكة الانترنت التأكيد على سلمية مسيرة السبت المقبل، والتي ستكون حسبها نقطة تحول. وبثت التنسيقية دعوات لشاب وشابة من اجل المشاركة في المسيرة وصرح الشبان بأنهم»جيل التغيير والقطيعة «، وقال أحد الشباب «يجب على الشعب أن يخرج من أجل أن يقول كلمته ضد الحقرة وإسقاط النظام السلطات الجزائرية رفضت السماح بتنظيم المسيرة، مقترحة تنظيمها في احدى القاعات الكبرى في العاصمة. وقالت ولاية الجزائر في بيان لها أنه «تطبيقا للنصوص التنظيمية السارية المفعول تم ابلاغ اصحاب هذا الطلب بالرفض». وتابع البيان «يمكن تنظيم هذه التظاهرة باحدى قاعات العاصمة بما فيها القاعة البيضاوية للمركب الرياضي محمد بوضياف التي تتسع ل10000 شخص». .«. ومقابل ذلك أعلنت التنسيقية أول أمس عدم تراجعها عن تنظيم مسيرة، وأكدت في لها، حقها الدستوري في التظاهر السلمي، ورفضت ما وصفته »بسياسة التعتيم التي تريد قتل أي تغيير ديموقراطي في البلاد «. وقد عقدت اللجنة الأمنية لولاية الجزائر، اجتماعا ترأسه والي العاصمة محمد الكبير عدو، وشارك فيه الولاة المنتدبون، رؤساء أمن الدوائر وعدد من المدراء التنفيذيين بالعاصمة، من بينهم مدير النقل للعاصمة، وكذا مسؤولين بأمن ولاية الجزائر، من أجل دراسة سبل إجهاض تنظيم مسيرة السبت 12 فيفري بالعاصمة، والحيلولة دون وصول المتظاهرين من مختلف ولايات البلاد ، خاصة الشرقية منها إلى العاصمة. وتم الاتفاق على ضرورة الانتشار الواسع للأمن عبر الأحياء الشعبية المعروفة، مثل حي محمد بلوزداد، الحراش، باش جراح، باب الوادي، الأبيار، باب الزوار و الدارالبيضاء، وبالقرب من الاقامات الجامعية. أن مصالح الأمن جندت 20 ألف شرطي لمنع المسيرة بالعاصمة. كما أن ساحة أول ماي، وسط العاصمة، ستعلن منطقة مغلقة، حيث يتم غلق جميع المنافذ المؤدية إلى الساحة، لمنع وصول أي متظاهر إليها، كما سيجبر تجار ساحة أول ماي وشارع حسيبة بن بوعلي على غلق محلاتهم التجارية. إضافة إلى هذا، فان حركة النقل الحضري ستعرف توقفا واسعا اليوم، بحيث ستمنع أية حافلة أو وسيلة نقل حضري وحتى حافلات الطلبة وسيارات الأجرة من التنقل إلى العاصمة. ودعت وزارة الداخلية المسؤولين المحليين في بلديات العاصمة الجزائرية إلى محاورة الجمعات لتحديد المطالب الشعبية والاستجابة لها في خطوة استباقية لإضعاف المشاركة في مسيرة السبت، وقالت مصادر اعلامية، نقلاً عن مسؤولين أن وزارة الداخلية راسلت الولاة المنتدبين عن طريق والى العاصمة الجزائرية، وحضّتهم على عقد اجتماعات وجلسات حوار مع ممثلي المجتمع المدني والجمعيات المحلية النشطة، كخطوة استباقية لاحتواء غضب الشارع على خلفية المسيرة المقررة. وقال المصدر إن ولاة العاصمة شرعوا بداية هذا الأسبوع في تكثيف اجتماعاتهم مع ممثلي المجتمع المدني ورؤساء الجمعيات المحلية على مستوى ?57 بلدية، حيث يتناول المسؤولون فيها مختلف المشاكل الاجتماعية والسياسية والانشغالات وتسجيل حجم التذمر والسخط على السلطات العمومية. وأوضحت أن الولاة المنتدبين ملزمون برفع تقارير عن نتائج اجتماعاتهم مع الجمعيات والمنظمات الأهلية إلى والي العاصمة، الذي يقوم بدوره بتحويلها إلى وزارة الداخلية. وأكد المصدر أن التعليمات تهدف إلى »امتصاص الغضب الشعبي، وإضعاف مشاركة المواطنين فيها، خاصة فئة الشباب، على اعتبار أن السلطات العمومية مستعدة لسماع انشغالات المواطنين والتكفل بها«. وقد كثّفت الفاعليات الداعية إلى مسيرة اليوم من حضورها عبر وسائط على شبكة الانترنت، لدعوة الجزائريين إلى التجاوب مع التظاهرة. وشرعت »التنسيقية من أجل التغيير والديموقراطية« في بث تسجيلات على مواقع اجتماعية تحض على التظاهر، بعدما تجاهل الإعلام الحكومي التعاطي معها. كما شرعت »التنسيقية« في استعراض الشعارات التي سترفعها، إذ شاركت في اعتصام حضره عشرات قبل ثلاثة أيام أمام السفارة المصرية في الجزائر، وأعلن المشاركون فيه »دعمهم للشعب المصري في إرادته تغيير النظام«. لكن المعتصمين رفعوا شعارات أخرى ضد النظام الجزائري وهتفوا برحيل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. ويبرز ضمن التشكيلات المنادية ب »التغيير« اسم أحمد بن بيتور، وهو رئيس حكومة سابق في السنوات الأولى من حكم الرئيس بوتفليقة، ومصطفى بوشاشي رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، والنقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية. ومن الأحزاب المعارضة، يشارك التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، فيما اتخذت جبهة القوى الاشتراكية موقفاً رافضاً واعتبرت المسيرة »فخاً تنصبه السلطة وهي التي ستنتفع به في الأخير«. وفي الصف المقابل، تسارع أحزاب سياسية وتشكيلات نقابية في إعلان موقفها من المسيرة. وأصيبت حركة مجتمع السلم بحرج كبير إثر إعلان عبدالرزاق مقري، نائب رئيسها أبو جرة سلطاني، المشاركة في المسيرة، فوزّعت الحركة بياناً قالت فيه »بعدم المشاركة وعدم تحمّل مسؤولية المبادرات الفردية«. دعت حركة المجتمع السلم الجزائرية المحسوبة على تنظيم الإخوان المسلمين الحكومة الجزائرية إلى إصلاحات سياسية سريعة تكون جادة وعميقة، لكنها رفضت المشاركة في مسيرة دعت إليها المعارضة للمطالبة بإصلاحات سياسية واسعة. وقال بيان صادر مساء الأربعاء عن الحركة المشاركة في الائتلاف الحاكم بأربعة وزراء إن الحركة تدعو « الحكومة إلى الإسراع بإطلاق إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية جادة وعميقة تلبي مطالب مختلف القوى السياسية والاجتماعية». وأكدت الحركة تمسكها بمبادرة النقاش الوطني التي أطلقتها بخصوص وضع ورقة إصلاح شامل. من ناحية أخرى، أعلنت الحركة رفضها المشاركة في المسيرة . وقالت إنها لن تتحمل «مسؤولية المبادرات الفردية مع احترام القوى السياسية والاجتماعية في التعبير بمختلف الوسائل الحضارية بما فيها المسيرات بشكل سلمي دون الإخلال بالأمن العام». وأما جبهة القوى الاشتراكية التي يتعزمها حسين آيت أحمد أحد القيادات التاريخية للثورة الجزائرية والتي تعد أقدم حزب معارض، وقادر على حشد الجماهير بالنظر إلى امتداد قاعدته، فأكدت على لسان أمينها الأول كريم طابو، عدم مشاركتها. وتعتبر جبهة القوى الاشتراكية أن المسيرة ليست سوى فخ نصبته السلطة للإيقاع بأحزاب المعارضة، مفضلة بذلك تنظيم تجمعات شعبية داخل القاعات المغلقة. وحسب مصادر صحافية تباينت مواقف النقابات العمالية من المشاركة في المسيرة ، حيث أكدت أنها ليست معنية بها وليست أولوية لها في الوقت الراهن، لكنها ناشدت السلطات العمومية إلى فتح قنوات التواصل الحقيقي مع مختلف الفعاليات دون إقصاء. ويرى المحلل السياسي الجزائري مروان الوناس أن هذه التنظيمات ستنجح في الخروج إلى الشارع، وفي دفع السلطات إلى إعلان حالة التأهب الأمني، لكن نجاحها لن يتخطى مستوى تحقيق الضجة الإعلامية، ويعود ذلك بحسبه، إلى أسباب عدة أهمها أن هذه التنظيمات ليس لها امتداد شعبي، ولا تمثل معارضة حقيقية، كما أن غالبيتها تعاني من الانشقاق وستشارك كأجنحة في هذه المسيرة. ويضيف الوناس »الشارع الجزائري منهك من سنوات الإرهاب، ولا اعتقد أن البسطاء وأنا على احتكاك يومي بهم، مستعدون لتكرار التجربة التونسية، أو المصرية في الجزائر، لقد عانى الجزائريون من اللاستقرار الأمني، ولو سألت أي واحد منهم عن مدى تأثره بحالة الطوارئ المفروضة منذ 19 عاما، لأجابك بأنه لا يعرف عنها شيئا.. هذه المطالب تبرز فقط عند النخبة والطبقة السياسية، وأما الشارع فأهم مطلب له هو الأمن والاستقرار بعد عشرية حمراء قتل فيها نحو 100 ألف جزائري«.