سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في حوار مع الكاتب والإعلامي التّونسيّ المهاجر كمال العيادي الكينغ (1/2 .. أعرف بلدي جيدا، إنها تحتاج وقتا فقط، ليدرك أن المحافظة على النجاح أهم من النجاح السريع
كمال العيادي " الكينغ" كاتب وصحفي ومترجم وكاتب سيناريو تونسي مقيم بالقاهرة , درس المسرح بتونس ثم السينما بموسكو ، ثم بمونيخ بألمانيا, رئيس تحرير موقع دروب ومن مؤسسيه, وتولى مهمة النائب الأول لاتحاد الكتاب العرب وهو عضو اتحاد الكتاب التونسيين وعضو اتحاد الكتاب بمصر وبألمانيا. نشر بأغلب الصحف العربية والألمانية وأسس عدّة نوادي أدبية وفكرية ومسرحية بتونس ومصر ومونيخ وموسكو رغم كلّ ما أنجزته كمال العيادي الكاتب المتعدد الإبداعات في العالم الرقمي، يبقى حقيقة كائنا وكاتبا ورقيا وبامتياز.وحين يصر على إرفاق صورة كاريكاتورية رائعة مع الحوار أنجزه له صديق الفنان الكاريكاتوري التونسي الرائع (المجدوب)، فإن إصراره على قراءة الحوار والاستمتاع ببياضه ورقيا، لا يعادله شيء، حتما لن نبخل عليك بنسخة من جريدتنا، فلتونس الخضراء في قلوب الاتحاديين شيء من أريج المرزوقي وعبق ثورة الياسمين. بالإضافة إلى إشرافه على موقع دروب وتحضيره لإصدارات دار النشر والتوزيع التي بعثتها في القاهرة, والإشراف اليومي على صفحته بالفيسبوك التي حولها إلى منبر خاص للنشر اليومي..هو كثير النّشاط والحركة. وأكثر ما يُؤذيه هوّ الخمول. الكاتب البرليني حاول أن يبلور كلّ ما نراه مهمّا في الحديث عن تجربته الإبداعية، ليترك لنا هامش تشكيل الرؤية وصياغة موقفنا الثقافي، ما جعل الحوار ثريا ومفيدا، وسيعمل هذا التونسي النزق على نشره لاحقا في كتابه القادم الذي سيفرده للحوارات... بالنسبة لنا لقد وجدنا الوقت والمزاج لنصيغ الأسئلة التي حاصرنا فيها تقريبا كلّ تجربة الإغتراب وخلاصاتها عن روسيا الاشتراكية وحنينها، عن ألمانيا بلد التحولات السوسيوأيديولوجية،عن تونس الشرارة الأولى لكل الثورات بلد 170 حزبا سياسيا ..فكانت الورقة التالية : -ماذا عن تأثير الدراسة الجامعيّة الأولى في روسيا في كتاباتك ؟ + روسيا بالنسبة لي, كانت النّداء المُبكّر الذي كان يلِحُ، وأنا أخوض في لُجّة التحولات السياسيّة والأنطولوجيّة الراديكاليّة، كي أشبع جوعي المعرفيّ وأتأكّد بنفسي ومن عمق المطبخ,، أنّ قناعاتي اليساريّة كانت صحيحة، ولا أخفيك, أنّ الحماسة وفورة الشّباب أيضا, كانا وراء تعجّلي ولهفتي في الخروج من ضيق أسوار القيروان, مدينتي الصارمة, إلى رحاب أرض الله, ومركز مدارات التحركات البُركانيّة الشديدة في عمق قرارة نفسي وتوقي الطبيعي للانفلات من الطوّق الخانق, ومناشدة العدالة الاجتماعية والدعوة بصوت عال, لضرورة إعادة توزيع الثروات بشكل لائق وعادل. فشددتُ الرحال إلى الإتحاد السوفيتي, وقتها, في منتصف الثمانينيات, لأكتشف بسرعة, أنّ كلّ ما آمنت به مجرّد نظريات جوفاء, لا يمكن أن تطبّق في الواقع, وإن طُبّقت, فستحوّل جوهر الكائن البشريّ, والمواطن إلى مسخ مُشوّه وآلة مُتبلّدة تردد كالببغاء مقولات وشعارات تغلي في الظاهر بالحياة, وتمتصّ في الباطن جوهر ومعنى الحياة, كون الله بنى موازنة الحياة أصلا على ثنائية التقابل, الخير والشر, الظلام والنور, السكينة والقلق, الرضا والجموح, الغني والفقر, وانّ أخلاق الكائن البشري ومُدوّنته, لا بد وأن تتخمّر بالتراوح بين البدائل وهي نتاج التجربة كلّها وليس نتاج جزء منها. وحينها, إنسلختُ وأنا على يقين كامل, عن الحزب الشيوعي البائد. وحتى أخفف من جروح صدمتي في قناعاتي, فقد رحتُ أعبّ من منابع الأدب الروسي, بجنون, وجوع جبّار, فكنت أبقى بالأشهر, وأنا أقرض الكتب وأتلمّظ القصائد العظيمة لبوشكين وليرمانتوف وكريلوف والكلاسيكيين خاصة, مبتعدا ما أمكنني عن أيّ أدب روسي تحريضى أو مؤدلج. وبدأت تتشكّل أولّ ملامح مشروعي ككاتب شاب. وعرفتُ بل تيقّنت لأوّل مرّة وبشدّة, أنّ الكتابة ليست تجريف في اللّغة, بقدر ما هيّ حرث في الحياة وعمق النفس البشريّة بالأساس دون إهمال تطوير وتلميع وصيانة آلة اللّغة, التي هيّ المِحراث والعِدّة وجهاز التواصل مع المُتقبّل. - هل للدراسة والإقامة في ألمانيا بعد ذلك, تأثير ماعلي أعمالك الأدبية ؟ + ألمانيا, وألمانيا الغربيّة تحديدا, كانت محطّة ضرورية وهامّة جدا, بالنسبة لي في أوائل التسعينيات, ليس فقط, لأنني آمنت وتيقنت, وأنا أستفرغ آخر رغبة في البقاء أكثر بروسيا, بأنّ المحركّ المركزي لسياسات العالم الجديدة وبؤرة التحولات السيسيوأيدولوجية, سيكون منبعها من جديد من عمق ألمانيا الغربية فقط, ولكن, لأنّه كان بي توق لا يُقاوم, لدراسة اللغّة الألمانية وبالتالي للإطلاع على الفلسفة والآداب الألمانية بلغتها الأمّ. ولا أخفيك, أنني بعد دوستيوفسكي وجوجول وتورجينيف وتشيخوف وتولستوي ومكسيم جوركي وليرمانتوف وبوشكين ودافيدوف وكرليوف وبولجاكوف وباسترناك وغيرهم, من عباقرة النسيج السردي والشعري, كنت في أشد الحاجة, للتعمق والتقاطع مع فولفجانج جوته وأعمال هنري بول وهنري ميللر وجونتر غراس وباتريك زوسكيند وبرتولد برشت في المسرح وغيرهم من عباقرة الألمان. ولم أكن في حاجة, لاختيار فرنسا لأنني مطلع جيد على آدابها وفلسفتها وأتقن لغتها, ولا بريطانيا لأنها لم تكن تغريني كثيرا, ولا أمريكا لأنني كنت ومازلت أعتبرها لقيطة ومجمع ورود وقمامة معا, ولا أصالة حقيقية فيها... فلم يبق لي من مركز عالمي للآداب والفلسفات, غير ألمانيا الغربية كون ألمانيا الشرقية في ذلك الوقت, كانت تبلس من بقايا كدس ملابس روسيا, وكانت صورة مشوهة ورديئة للإتحاد السوفيتي لا غير. لذلك كانت وجهتي إلى ميونيخ, عاصمة بافاريا وعاصمة جنوبألمانيا وأكبر عاصمة صناعية واقتصادية عرفها التاريخ البشري, فمن ميونيخ, تتحرك كلّ بورصات العالم, ومنها تسقط الأنظمة أو تدعّم عبر التحكم في مؤشر البورصة وحده، وهو سلاح جبار ومسكوت عنه, وبتضليل ألماني متعمد. فبورصة فرانكفورت, هي الإسطوانة الأخيرة التي تحرّك بورصة وييل ستريت, وبورصة بيكين وبورصة طوكيو وبورصة لندن وباريس وبقية بلدان العالم. وفي ألمانيا, بدأت كتاباتي تنضج, وتغرف من عالم المهاجرين العرب وتتقاطع معهم وتستحضرهم وتتشكل من ملامحهم ومعاناتهم ونجاحاتهم وإحباطاتهم, وقد صبغت ألمانيا أهم سمات كتاباتي الشعرية والسردية الأولى خصوصا, فنشرت عدة مجموعات قصصية مثل تلك المدن, وغابة الخبز ورحلة إلى الجحيم وغيرها إضافة إلى المجموعات الشعرية والكتب والترجمات, والمقالات والنصوص النقدية. - وربما لتكتمل الدائرة قررتم العيش والإقامة في مصر منذ سبع سنوات؟ + بعد تجربة ربع القرن بين روسياوألمانيا, أحسست بنوع من التشبّع, ولم أعد مهتم كثيرا بمواصلة العيش في أوروبا. اعتراني شعور, بأن أوروبا أفلست ونضب معينها بالنسبة لي، ولا يمكن أن تقدّم لي جديدا أو إضافة ، وبما أنني لم أكن مهاجرا بجسدي, بقدر ما كنت مهاجرا بنصي, فلم أعد أجد المبرر المقنع لبقائي كعربي وشرقي في مجتمع ألماني غريب الملامح والعادات والطقوس والحضارة واللغة والآداب والمنابع عني، ولم يطل تفكيري، لأعرف أن وجهتي ستكون مصر كون تونس لم تعد في الحقيقة تكفيني... معاركهم محلية جدا, وطموحاتهم في اتساع ثقب الأبرة... وكنت في حاجة إلى عالم أرحب وكمّ جبّار من الهواء المشبع برائحة الكتب والأدب والفنّ لأتنفس... فكانت القاهرة محطتي المتوقعة. وفعلا, أنجزت فيها وخلال أربع سنوات فقط, ما لم يكن من الممكن إنجازه في خمسين سنة في تونس أو في المهجر, ونشرت مجموعة" ليس للربيع علامة" التي أثارت ضجة في الأوساط الأدبية, ثم مجموعة أرواح هائمة, التي أثارت ضجة أكبر وتعتبر من أكثر المجموعات القصصية المقروءة في العالم العربي في السنوات العشرين الأخيرة, ونوه بها أغلب كبار نقاد العالم العربي ورشحت للترجمة للصينية والإنجليزية, وستصدر قريبا بالألمانية والفرنسية والإسبانية, كما كتبت أكثر من ألف مقال, حيث إنني أكتب بشكل يومي ومتدفق. وأجريت عشرات الحوارات مع أهم المنابر الورقية والسمعية البصرية بالإذاعات والتلفزيون بألمانيا والمغرب والجزائر وتونس ومصر، ونشرتُ بعضها في مؤلف ضخم بعنوان (المباح في الاستنباح) وأكملت الجزء الأول من ثلاثية رواية وهي رواية (نادي العباقرة الأخيار) التي تجاوز الجزء الأول منها الخمسمائة صفحة, وصدر عن الهيئة العامّة لقصور الثقافة بمصر منذ أربعة أشهر. - كيف يؤثر المشهد السياسي في مصر علي الحراك الثقافي ؟ + المشهد الثقافي العربي كلّه لم يتوضح بعد, كونه في مرحلة مخاض وتحرّك وتكوين, بعد الهزّة والرّجة القاسية التي أحدثتها الثورات العربية, على مستويات محليّة من ناحية وعلى مستويات عربية ومنظومة تفكير وقناعات كاملة من ناحية أخرى, ورغم وجود حراك ثقافي, في مصر, ومصر لا يمكن أن يهدأ فيها الحراك الثقافي ويتنوع ويتلون ويتشكل حسب المرحلة, ولكن لا بدّ وأن يكون هناك حراك ثقافي في مصر, وكلّ الوقت, ويتحوّل مركز الاهتمام فقط ويتراوح بين العام والخاص, بين المحلي والعربي, حسب التوقيت والأحداث, لكن على مستوى تأثير ذلك في المنجز الإبداعي, فأعتقد أن الوقت ما زال مبكرا للحكم على ذلك, فالإبداع لا يتوازى مع الأحداث, وإنما يكون في حالتين, إما سابق كنبوءة أو لاحق كاستشراف وتدوين ومراجعة. هكذا كان الأدب والفن عموما ودائما في مدونة تاريخ الكائن البشري المتطور وهكذا سيكون أبدا. - سؤال عن مدى نجاح الثورة التونسية في اقتناص الحرية؟ + فعلا الثورة التونسية, التي كانت الرائدة والشرارة الأولى لكلّ الثورات العربية استطاعت أن تخلق لنفسها حيّزا من الحرية, لكن مقابل ذلك, أنتجت خمولا فكريا وأدبيا و(بهتة) أو دهشة غير مبررة, ثم إنها أفرزت لنا كل هذه البثور الكريهة التي تتحرك بلؤم وبشكل مشبوه في الساحة, بتمويلات مريبة. ولكنني متفائل, كوني أعرف تونس جيدا, أنها تحتاج وقتا فقط, لتدرك أن المحافظة على النجاح, أهم من النجاح السريع... الشعب التونسي وكُتابه, عانوا كثيرا من القمع وغياب الحرية والآن فإن الحرية على قارعة الطريق, نحتاج فقط إلى بعض القمع... (أمزح طبعا).. ولكنني فعلا أعني أننا نحتاج إلى بعض التوازن, فلا يمكن لبلد صغير مثل تونس أن يكون به أكثر من مائة وسبعين حزبا وكل حزب يشتم الآخر بضراوة ووحشية. لا بد من بعض التوازن... الحرية المطلقة هدية مسمومة للشرق... وقاتلة أحيانا.