أود في البداية أن أستغل هذه الفرصة لأوجه باسمي وباسم أعضاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان وطاقمه الإداري بالشكر الجزيل لحركة الطفولة الشعبية على تشريفنا بهذه الدعوة التي تفاعلنا معها بكل ايجابية، لأنها مرتبطة بموضوع نعتبره من أولوياتنا من جهة، ولأنها تعكس العلاقة الخاصة التي تربط المجلس الوطني لحقوق الإنسان بفعاليات المجتمع المدني الفاعلة في ميدان الطفولة من جهة ثانية. نشارك اليوم في الذكرى الستينية لإنشاء حركة الطفولة الشعبية التي تعتبر من رواد تربية الطفولة والشباب بالمغرب- لأنها ساهمت بشكل مهم في تنمية روح العمل الجماعي والتطوعي للشباب والأطفال وفي بناء علاقة منفتحة لهاتين الفئتين بالثقافة بكل تجلياتها، وهي العلاقة التي تحتاج الى عمل خاص، اذ لا يمكن بناء مغرب الحريات والديمقراطية والمواطنة دونما الاستثمار في الميدان الثقافي وضمان ولوج المواطن الى الحياة الثقافية. اذا كان الانسان ببلوغه سن ستين سنة يصل غالبا الى مستوى من النضج المعرفي والنفسي والروحي يؤهله لبناء علاقة ايجابية مع الواقع، فان أي منظمة فاعلة في ميدان الطفولة بوصولها ستين سنة، غالبا ما تصل الى نضج تدبيري يمكنها من الانتقال من جماعة ملتئمة حول أهداف نبيلة على أساس قيم مشتركة، الى بنية تنظيمية تعمل بأدوات ومناهج تدبيرية لخلق قيمة مضافة عبر علاقة تفاعل وتعاون مع الفاعلين. وما يميز حركة الطفولة الشعبية هو أنها وصلت الى نضج تدبيري تنظيمي مهم، مع الاحتفاظ بالمبادئ والقيم النبيلة التي انشأت من أجلها. وهنا لا أجد بدا من أن أحييكم أصدق تحية على عملكم المهم مع الاطفال في سياق وطني يعرف مجموعة تحولات. عندما طلب مني في هذه المداخلة استعراض الرصيد الفكري الذي أنتجه المجلس الوطني لحقوق الانسان في موضوع حقوق الطفل بعد إحداثه في صيغته الجديدة، طرحت سؤالا منهجيا حول الجدوى من تقديم مداخلة وصفية، خاصة وأنني أتيت ومعي قرص مدمج يضم كل إصدارات المجلس الوطني منذ شهر مارس 2011 وهو موجود لدى سكرتارية الندوة. وبالتالي أخذت المبادرة في انجاز تغيير طفيف ليس على جوهر المداخلة بل على شكلها في اطار تفاعلي مع الحضور يبعدنا نسبيا عن السقوط في رتابة كلمة افتتاحية نمطية. اذن سأحاول أن أجيب عن سؤال بسيط : ما هي القيمة المضافة التي قدمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان في ميدان حقوق الطفل على المستوى الوطني ؟ يصعب حصر هذه القيمة المضافة في الزمن، لأنها مرتبطة بسيرورة مؤسساتية لحماية حقوق الطفل والنهوض بهاو اثراء النقاش في هذا الموضوع، على اعتبار أن المجلس الوطني لحقوق الانسان قد راكم تجارب مؤسساتية سابقة تم الارتقاء بها ليصبح مؤسسة دستورية وفق مقتضيات الفصل 161 من الدستور الحالي. كما أنه لا يمكن اختزال هذه القيمة المضافة فقط في الاصدارات لأن هناك عمل يومي من أجل الأطفال مع الأطفال والى الأطفال (توجيه، استشارة، استقبال، زيارات دورية لمؤسسات الرعاية، اعداد تقارير، اثراء الحوار...). في هذا السياق المؤسساتي، بلور المجلس الوطني لحقوق الانسان استراتيجية عمل لحماية حقوق الطفل والنهوض بها من خلال مقاربة نسقية تنسجم والرهانات الجديدة وتتماشى وخطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. غايتنا هي تتبع وضعية حقوق الطفل وتمحيص مدى انسجام الواقع المؤسساتي الوطني بكل تجلياته مع المعايير الدولية، اعتمادا على مؤشرات معيارية. وقد سارت كل تقاريرنا وآرائنا ومذكراتنا في هذا المنحى التمحيصي الذي ينسجم وروح الوثيقة الدستورية التي جعلت من واجب الدولة توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية. هذه هي الاشكالية التي طرحناها للتحليل عند دراستنا لمدى ملاءمة طرق ايداع الأطفال في مراكز حماية الطفولة والتكفل بهم مع المعايير الدولية، وكذا في تحليل مدى نجاعة أجوبة المؤسسات الوطنية على العنف الجنسي اتجاه الأطفال في تقريرنا حول العنف الجنسي اتجاه الأطفال، حيث وقفنا على مدى نجاعة نقل الحماية الدستورية للطفل من مستوى مجرد دستوري الى سياسة ومشاريع وبرامج عمومية مشخصة. بالإضافة الى التقارير الموضوعاتية، تفاعل المجلس الوطني لحقوق الانسان مع لجنة حقوق الطفل، حيث قام خلال سيرورة افتحاص التقريرين الدوريين الثالث والرابع شهر شتنبر 2014، بإعداد تقرير تحليلي لواقع الطفولة استنادا على المقاربة الحقوقية ومبادئ اتفاقية حقوق الطفل. وبعد توصل المملكة بالتوصيات النهائية للجنة حقوق الطفل، نظم المجلس لقاء وطنيا شهر مايو 2015 لتقديم هذه التوصيات وبلورة مقاربة تشاركية للتتبع وذلك بتعاون مع المندوبية الوزارية لحقوق الانسان ومنظمة اليونيسيف. كما ساهم المجلس الوطني لحقوق الانسان شهر مارس 2015 في اطار النقاش السنوي للجنة حقوق الطفل، في سيرورة بلورة ملاحظة عامة حول مسألة الميزانية وحقوق الطفل. وللإشارة فان الملاحظات العامة هي بمثابة قراءات تفسيرية تقوم بها لجنة حقوق الطفل لتيسير عمل الملاءمة على الدول الأعضاء. عل مستوى نشر ثقافة حقوق الطفل والنهوض بها، فان العمل التحسيسي والاشراكي المهم الذي يقوم به المجلس من خلال أندية التربية على المواطنة وحقوق الانسان، قد أعطى ثمارا مهمة، حيث كلل هذا المشروع بانجاز مجموعة من الأدوات والأدلة المنهجية التي تروم كلها الى نشر ثقافة حقوق الانسان في الوسط المدرسي وجعل التلاميذ فاعلين في محيطهم الحقوقي. فيما يخص الأطفال ضحايا انتهاكات حقوقهم، فان المجلس الوطني هو بصدد الاعداد لوضع آلية وطنية للتظلم تنسجم وتوجيهات الملاحظة العامة رقم 2 للجنة حقوق الطفل المتعلقة بدور المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان في حماية حقوق الطفل والنهوض بها وهي الآلية التي ستتكفل بدراسة وتتبع الشكايات المتعلقة بانتهاك حقوق الأطفال في اطار ديناميكية جديدة لتدبير التظلم تتوافق والمعايير الدولية. لقد أظهرت لنا هذه التجربة المتواضعة أن هناك كفاءات وطاقات مهمة بالساحة الوطنية، وأن هناك ارادة سياسية ومجتمعية للنهوض بحقوق الطفل، كما أظهرت لنا بأن التفاعل مع الأطفال ضحايا انتهاكات حقوقهم يتطلب مقاربة نسقية خاصة. وبالتالي فان الساحة الوطنية تحتاج الى مهننة أكثر وتوحيد الممارسات وأدوات العمل عبر وسائل معيارية. هذه التشخيص حذا بالمجلس الوطني لحقوق الانسان الى المساهمة في اطار مجموعة العمل الفرنكوفونية حول حقوق الطفل في انجاز دليل استماع ومواكبة الأطفال ضحايا العنف، وذلك بشراكة مع المنظمة العالمية للفرانكفونية والذي سيكون في القريب العاجل رهن اشارة كل الشركاء الوطنيين. أظهرت لنا هذه التجربة كذلك ان معرفتنا بالطفل مازالت تحتاج الى الدراسة والبحث، للابتعاد عن بعض الأفكار النمطية الجاهزة التي تصور الطفل بالمغرب على أساس أنه طفل مغربي من أسرة تتشكل من أم وأب ويتكلم العربية ويتابع دراسته الابتدائية، الخ. الأطفال هم مجموعة اجتماعية وفئة عمرية تعرف مجموعة من التحولات العميقة وتعرف تنوعا فئويا كبيرا خاصة الأطفال في وضعية هشاشة. وتحليل وضعية كل طفل يتطلب تحليلا عميقا ثلاثي الأبعاد. (طفل، أسرة ، محيط). بالنسبة للانتهاكات، فانها كثيرة بعضها يمكن أن نكشف عليه ونتدخل لوقفه، وهو يطال غالبا الأطفال في مؤسسات الرعاية والأطفال في وضعية هشاشة بما فيهم الأطفال الاجانب الغير مرفقين. ولكن هناك مسألة أساسية تتعلق بالأنماط السلوكية والتمثلات المجتمعية، لمجتمع ليست له تجربة كبيرة في اشراك الأطفال في النقاش العمومي؛ مجتمع يتسامح نسبيا مع ظاهرة العنف اتجاه الأطفال وهو العنف الذي يتجسد في بعض الممارسات التي مازلنا نشاهدها : تشغيل الاطفال(...)، زواج القاصرات (...)، الهدر المدرسي(...) وكذا في بعض الأقوال المأثورة «اللي تسحر مع الدراري الصغار يصبح فاطر، هذا كلام الدراري، غادي نوليو دراري...». الاشتغال على هذا الورش لا يحتاج فقط المؤسسات والجمعيات بل كذلك الأسر وباقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية، فكما تعلمون فان الأسرة هي أول مؤسسة حمائية وهي التي تقوي الحماية الذاتية للطفل ويمكنها أن تكسبه روح المشاركة التي نعتبرها أساس كل تحول قيمي في التعامل مع الطفل. شكرا على انتباهكم. عبد الاله حسنين الكاتب العام للطفولة الشعبية: أي حماية قانونية واجتماعية يوفرها الدستور للطفل؟ أحرز ميدان الطفولة تطورات أساسية ومكتسبا هامة، منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الطفل ، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة رسميا يوم 20 نونبر 1959، والذي كان بمثابة الضوء الذي أثار الطريق أمام الكثير من الدول والشعوب، وزاد من وعيها المستوى اللائق والمكانة الذين يجب أن ترقاهما الطفولة مبكرا داخل مجتمعاتنا. كما شجعها لفتح هذا الملف على مصراعيه لمعرفة حاجيات الطفل الخصوصية ورغباته وطموحاته المشروعة. وفي هذا الإطار لابد من التذكير بأن حركة الطفولة الشعبية أولت وبشكل فعلي على الساحة الوطنية بذل مجهودات متميزة قبل هذا التاريخ وعده إلى الآن، في مساعدة الأطفال والمساهمة في تطور الشعب والرفع من مستواه. وكانت المنظمة الوحيدة التي ساهمت في تعميم إعلان حقوق الطفل آنذاك، من خلال ترجمته إلى اللغة العربية ونشره في الصحافة في الأوساط المعنية والمهتمة قضايا الطفولة... وإننا داخل حركة الطفولة الشعبية ونحن نحتفل بمرور ستون سنة على تأسيس هذا الإطار التربوي النزيه الذي ضل ولا زال يدافع عن مكانة وحقوق الطفولة بلادنا، لننوه بالدور الفعال والقيم الذي أنجزته عدة منظمات غير حكومية ببلادنا، لاسيما تلك التي ما فتأت منذ تأسيسها تناضل وتعمل جاهدة من أجل إسماع صوت الطفولة عاليا والمناداة بتخصيص المكانة اللائقة بها في البرامج التربوية والاجتماعية، وضمن الخطط الاقتصادية والتنموية، ودون شك فإن لهذه المجهودات إسهام في لإقدام المغرب بالتصديق على الاتفاقية في سنة 1993. ومنذ ذلك التاريخ والمجهودات تلو الأخرى سواء من طرف الحكومات المتعاقبة أو من طرف المنظمات غير الحكومية الحقوقية والتربوية، وقد سجلنا العديد من التحولات المجتمعية المهمة خاصة في المجالات السياسية والتربوية والتنموية، معززة بالأوراش الوطنية التي تسعى لترسيخ هذه التحولات. وهكذا عرفت بلادنا مشاريع إصلاحية كبيرة همت بالأساس النهوض بحقوق المرأة من خلال مدونة الأسرة، والنهوض بحقوق الطفل من خلال الاعتراف بحقوق هذه الفئة دوليا، وإصلاح منظومة التعليم، بتعميم التمدرس وتحسين المردودية الداخلية للنظام التعليمي من خلال ميثاق وطني للتربية والتكوين، ومحاربة الإقصاء الاجتماعي من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. غير أننا نلاحظ أن هناك عدم المساواة بين ما تحظى به السياسات المخصصة للأسرة والمدرسة وما تحظى به تحديات إشكاليات الاندماج الاجتماعي للأطفال، والعناية بتنشئتهم للتعويض عن حالات عدم المساواة، التي لا تزال موجودة في الوصول إلى الحق في الولوج إلى مؤهلات التعلم والتكوين والخدمات التربوية والثقافية والترفيهية، وتوزيع الأدوار بين مكونات المجتمع (الأسرة المدرسة والمؤسسات الأخرى التي بينها مؤسسة الوقت الحر المنظم والعشوائي، وأهمية تنظيمه ومأسسته) مما يمكن أن نعبر عنه بغياب سياسة واضحة وممأسسة على مستوى تدبير الوقت الحر. ايها الحضور الكريم .الاساتذةالذين لبوا دعوة الطفولة الشعبية للمشاركة في هذه الندوة. ضيوف حركتنا ومحتضنو نشاطها هذا .لكم تحية صادقة من مسؤولي وابناء هذه الجمعية التي تخلد طيلة السنة الجارية الذكرى ال 60 لتاسيسها كإطار تربوي يهتم بقضايا الطفولة والشباب. لقد اخترنا كمحور لهذه الندوة :»الطفل كموضوع دستوري» ونسعى الى تناوله من نوافذ عدة .من طرف المؤسسات المعنية بحقوق الانسان ومن طرف منظمات فاعلة في حقل المجتمع المدني ومن نوافذ خبراء وفاعلين يشهد لهم مجال البحث الحقوقي بعمق العطاء ومصداقية الانتاج الفكري. ايها الحضور الكريم. بعد خمسة أشهر ستمر خمس سنوات على اعتماد بلادنا لدستور جديد يختلف سواء في مبناه ومضامينه و مقاربة إعداده عن الخمسة دساتير التي عرفها المغرب منذ استقلاله . ومن بين مميزاته أنه أفرد حيزا واسعا للحقوق والحريات من بينها تلك التي تتعلق بالطفل . وكما تعلمون ايتها السيدات ايها السادة فإن الممارسة وترسانةالقوانين التنظيمية والعادية وبناء المؤسسات التي نص عليها القانون الأسمى هي الوجه الثاني للوثيقة الدستورية الذي يبرز ما مدى الحفاظ عن تلك الروح الوهاجة التي واكبت ميلاد الدستور من مطالب شعبية وخطاب ملكي ومذكرات أحزاب ومجتمع مدني ونقاش عمومي ومداولات اللجنة التي انيط بها الصياغة ومضامين فصوله التي صادق عليها المغاربة في فاتح يوليوز من سنة 2011 . اليوم ونحن على مسافة خمس سنوات من إعمال الدستور نطرح السؤال : أي مكانة لحقوق الطفل وكيف تم تصريف القوانين وبناء المؤسسات المتعلقة به ؟أية حماية قانونية وفرتها التشريعات في مجال التشغيل هل تم احترام سن ال 18 سنة الذي تنص عليه المواثيق الدولية ؟ وفي محاربة الهدر المدرسي وإدماج الأطفال في وضعية إعاقة وتكريس المساواة ومناهضة كل أشكال التمييز وفي التغطية الصحية الشاملة ؟وماذا عن المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة وإختصاصاته واستقلاليته وعضويته ؟ ايتها السيدات ايها السادة . ساهمت حركة الطفولة الشعبية بمذكرة قدمتها للجنة إعداد الدستور كان هاجس إعدادها هذه الأسئلة وركزنا فيها على أن التربية على حقوق الإنسان تعد أحد أبرز مفاتيح بناء مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة .وأن تربية الأطفال على قيم حقوق الإنسان ومبادئها قمينة بأن تحصن المستقبل ضد كل أشكال الكراهية والحقد والعنصرية . وأن استثمار الوقت الثالث داخل دور الشباب والمخيمات وغيرها و بوسائل تأطير ومضامين تنشيط وغنى برامج نسجم ومتطلبات بناء مجتمع حداثي يعد ا ليوم واكثر من أي وقت مضى ضرورة ملحة ومطلبا مستعجلا. والطفولة الشعبية التي تشتغل مع الاطفال والشباب منذ ستة عقود تستند في عملها على هذه القيم المبادئ المقاربات. وتجعل من اتفاقية حقوق الطفل أحد مراجع ممارستها وتكين اطرها.وتجدون في الملف الذي قدمناه لكم ورقة تأطيرية تبين بإسهاب تصوراتنا للموضوع موضوع الندوة هاته. في الأخير نوجه الشكر الجزيل للمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان على دعمها للندوة وللأصدقاء في الجمعيةالإقليمية للشؤون الثقافية بالجديدة على توفيرهم كل شروط نجاح هذ ا النشاط . الحقوقي التربوي .وإلى عميد كلية الاداب بالجديدة على استضافتنا هنا في هذا الفضاء الرائع. مرة أخرى نرحب بكم ونتمنى أن تتظافر جهودنا من أجل طفولتنا .من أجل مستقبل مشرق لوطننا المغرب. عبد المجيد المكني الدستور و حقوق الطفل في وضعية اعاقة تقديم يعتبر موضوع «حقوق الطفل « من أهم القضايا المتداولة على الصعيدين الدولي والوطني، إذ أصبحت حماية حقوق هاته الفئة تشكل هدفا تسعى كل الدول إلى تحقيقه، و يعتبر المغرب من بين الدول التي ساهمت في تعزيز مسيرة إصلاح وتطوير منظومة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، وعلى الخصوص المساهمة في تطوير القوانين المرتبطة بحقوق الطفل والدفاع عنها، مستندا في ذلك على تراكمات ذات مرجعيات مختلفة، منها ما هو كوني عالمي تشمل الاتفاقيات الدولية ذات الصلة والبروتوكولات الملحقة بها، ومنها ما هو خصوصي محلي بدءا من الخطابات الملكية ومرورا بالنصوص الدستورية وصولا إلى القوانين العادية، وهذا المزيج من المرجعيات ذات الصلة بحقوق الطفل شكل مسارا متميزا لحقوق الطفل بالمغرب . أولا: المرجعية الكونية المؤسًسة لحقوق الطفل بالمغرب : 1/ اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 التي صادق عليها المغرب سنة 1993. ان اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 رغم أهميتها، إلا أنها لم تكن هي الأولى في هذا الصدد، حيث سبقتها مجموعة من الإعلانات التي تعنى بحق الطفل ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر «إعلان جنيف بشأن الأطفال» الصادر عن عصبة الأمم سنة 1924، ثم «إعلان حقوق الطفل» الذي تم اعتماده في 20 نونبر 1959، والذي شكل أرضية رئيسية لبلورة اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 التي تعالج بشكل متكامل ومفصل وملزم حقوق الطفل المختلفة، وقد شكلت هذه الأخيرة نقطة تحول في مجال حماية الطفولة، وإن كان ومن بين أهم الحقوق التي كفلتها هذه الاتفاقية للطفولة ، حقهم في المساواة وعدم التمييز، وتحقيق المصلحة الفضلى للطفل، والمحافظة على حق الطفل في البقاء والنماء واحترام أرائه وحماية عقيدته... 2/ إعلان الأممالمتحدة بشأن «الألفية» لسنة 2000 وإعلان «عالم جدير بأطفاله» لسنة 2002 مصحوبا بخطة عمل لتنفيذه، ومن أهم ما جاءا به ضمان مستقبل أفضل لكل طفل، وإزالة المعيقات أمامه خاصة في البلدان النامية، وحقه في الصحة والتعليم... 3/ البروتوكول الاختياري الملحق لاتفاقية حقوق الطفل الخاص ببيع ودعارة الأطفال واستغلالهم في الصور الإباحية(): تم اعتماد هذا البروتوكول بموجب قرار رقم 263 الذي تم اتخاذه في الدورة الرابعة والخمسون للجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 25 ماي 2000 والذي دخل حيز التنفيذ في 18 يناير 2002. 4/ البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل الخاص بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة: وتم اعتماده في نفس اليوم الذي اعتٌمد فيه البرتوكول السابق، ودخل حيز التطبيق بتاريخ 22 يونيو 2002، وقد شكل محاولة لتعزيز حماية الطفولة خاصة في النزاعات المسلحة من خلال إلزام الدول باتخاذ كافة التدابير الممكنة لضمان عدم إشراك قواتها المسلحة الأطفال دون سن الثامنة عشرة في الأعمال الحربية وكل النزاعات المسلحة. 5/ البروتوكول الاختياري الثالث الملحق لاتفاقية حقوق الطفل المتعلق بإجراء تقديم البلاغات لسنة 2011: وقد اعتمد بموجب قرار 17/18 بتاريخ 17 يونيو 2011، وقد وقع عليه المغرب بتاريخ 2 فبراير 2012 على هامش أشغال الدورة 19 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، ويسمح هذا البروتوكول للأطفال بتقديم بلاغات فردية حول انتهاكات محددة لحقوقهم المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولات الاختيارية الملحقة بها. ثانيا : حقوق الأطفال في وضعية اعاقة من خلال اتفاقية حقوق الطفل الدولية تتألف الاتفاقية من 54 مادة تمثل « شرعة حقوق » الطفل. و نظرا لما يحتاجه الطفل المعاق من رعاية خاصة, و ما يتطلبه ذلك من إجراءات قادرة على ضمان مشاركته الفعلية و الفعالة في التنمية المجتمعية. فقد خصصت الاتفاقية المادة(23) لهذه الشريحة من الأطفال, مضيفة بذلك الصفة الإلزامية على ما سبقها من إعلانات و مواثيق, تعرضت بشكل أو آخر, لحقوق الطفل. و لابد من الإشارة إلى أن اتفاقية حقوق الطفل لم تستثن الطفل المعاق من أحكامها, بل أقرت المادة الثانية منها مبدأ عدم التمييز لأي سبب من الأسباب, و قد نصت على ضرورة احترام الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية. و ضمانها لكل طفل يخضع لولايتها. دون أي أنواع التمييز بغض النظر عن عنصر الطفل, أو والديه أو الوصي القانوني عليه, أو لونهم, أو جنسهم, أو أي وضع آخر. كما عرفت هذه الاتفاقية بالدور الأساسي للأسرة و الوالدين في رعاية الأطفال و حمايتهم, و ما يجب أن تقوم به الدولة من أعمال المساعدة و التوجيه اللازمين للقيام بهذه المهام, و هكذا نصت المادة الخامسة من الاتفاقية على ضرورة احترام الدول الأطراف مسؤوليتها و حقوق و واجبات الوالدين أو عند الاقتضاء, أعضاء الأسرة الموسعة, أو الجماعة حسبما ينص عليه العرف المحلي, في أن يوفروا, بطريقة تتفق مع قدرات الطفل المتطورة, التوجيه و الإرشاد الملائمين عند ممارسة الطفل للحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية, و بالإضافة إلى هذا المقتضى, حرصت الاتفاقية من خلال مجموعة من المواد (19-20-9-10-14-16-17-18) على ضمان مصالح الطفل في علاقته بمحيطه الأسري, كعدم فصل الطفل عن والديه إلا طبقا للقوانين و الأنظمة الجاري بها العمل ضمانا لمصالحه و رفاهه, أو إجراءات تسهيل جمع شمل الأسرة. أو التأكيد على مسؤولية الأبوين في تربية الطفل, أو توفير رعاية بديلة مناسبة في حالة عدم وجودها. ثالثا: حقوق الطفل و المقتضيات الدستورية دأب المغرب منذ الاستقلال على الانخراط في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها حقوق الطفل، وفي سبيل ذلك أقر المغرب في كافة دساتيره التزامه بالمواثيق الدولية التي تعنى بالطفولة، ويشكل دستور 2011 تحولا كبيرا في مجال حماية حقوق الإنسان عامة والطفل خاصة؛ و انطلاقا من الحقوق والحريات والمبادئ التي أقرها الدستور بالنسبة لجميع المواطنين و المواطنات ، وكذا المبادئ الأساسية، وخاصة سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية، نص الدستور الجديد على مجموعة من المقتضيات ذات الصلة بحقوق الطفل باعتباره إنسانا ومن أهمها: التنصيص على عدم جواز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف ومن قبل أية جهة كانت خاصة أو عامة وكذا على عدم جواز معاملة الغير معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية مع تجريم التعذيب بكافة أشكاله طبقا ملقتضيات الفصل 22 من الدستور؛ التنصيص في الفصول من 154 إلى 160 على قواعد الحكامة الجيدة ومستلزماتها وعلى وجوب مراعاة مبدأ المساواة بين االمواطنين، وتوخي الجودة والشفافية، وإعمال المحاسبة والمسوؤولية، والخضوع للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور؛ إحداث مؤسسات وهيئات لحماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة و دسترتها (الفصول من 161 إلى 170)؛ والحق في الحياة وحرية التفكير والرأي والتعبير؛ الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعمل كما ينص على ذلك الفصل 31 ، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: - العلاج والعناية الصحية؛ - الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛ - الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة؛ - التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة؛ - التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية؛ - السكن اللائق؛ - الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي؛ - الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة؛ كما احتلت الأسرة والطفولة أهمية خاصة في الدستور المغربي: في هذا الإطار نص الفصل 32 على أن: الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع؛ تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها؛ تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية؛ التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة. كما أقر الفصل 34 على أن السلطات العمومية تقوم بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة. ولهذا الغرض، تسهر خصوصا على ما يلي: معالجة الأوضاع الهشة لفئات من النساء والأمهات، وللأطفال والأشخاص المسنين والوقاية منها؛ إعادة تأهيل الأشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية، أو حسية حركية، أو عقلية، وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية، وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع. فيما يتعلق بالجانب المتعلق بالمؤسسات: الفصل 32 نص على على إحداث المجلس الاستشاري للأسرة و الطفولة يضطلع بمهمة تتبع وضعية الأسرة والطفولة ؛