لاشك ان ظاهرة الإرهاب اتخذت منحى خطيرا تهدد امن واستقرار عدد من دول العالم وصارت تبرز اكثر وبشكل واضح ومتطور . وقد استأثرت الراي العام الدولي ، واصبحت من أولويات عدد كبير من الحكومات ، لذلك توظف جميع الوسائل المتاحة لديها لمواجهة هذه الظاهرة والتصدي اليها قصد القضاء والحد منها، وفي شأنها تعمد العديد من الدول الى ابرام اتفاقيات فيما بينها حول التنسيق في تبادل المعلومات والخبرات حفاظا على مصالحها الامنية والاقتصادية والاجتماعية كيفما كانت الخلافات السياسية القائمة بينها ،الا ان الخطير في الامر ان كثيرا من المحللين السياسيين والمهتمين بقضية الارهاب في اغلب الامم في الغرب المسيحي والارتودوكسي وكثيرهم بني اسرائيل يروجون لأضاليل وأكاذيب مفادها ان مصدر الارهاب هو الدين الاسلامي الحنيف . وأثاروا اشاعات بواسطة كثير من المرجفين في مختلف الأقطار شرقا وغربا ، وما كان لهؤلاء ان ينسبوا الإرهاب للإسلام لولا جهلهم بما جاءت به احكامه حول درء المفاسد وجلب المصالح للانسان الذي كرمه الله سبحانه على سائر المخلوقات مستخلفا اياه فوق الأرض ، حيث يعيش سعيدا متمتعا بجميع الآلاء والنعم لا تعد ولا تحصى. وما كان لهم ان يثيروا نظرياتهم الا بعد ما اعرض الناس عن الهدى وإتباع الهوى وحب الشهوات، وهو ما أنتج الفكر الاصولي المتطرف المبني على التعصب والكراهية وهو ما تمخض عنه الارهاب المخيف .اما الدين الإسلامي فقد جاء لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ومن يبتغي غيره لن يقبل منه إطلاقا وفضل الأمة الإسلامية على سائر الأمم بقوله سبحانه في سورة ال عمران ( كنتم خير امة اخرجت للناس ) وجاءت سورة المجادلة في الاية 22 لتبين وصف الاقوام المؤمنة بما يلي : "ولا تجد قوما يومنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا اباؤهم وابنائهم واخوانهم و عشيرتهم اولئك كتب الله في قلوبهم الايمان وايديهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون «،هذا ودون الدخول في مفهوم الارهاب عبر التاريخ أشير الى ان اول حركة ارهابية ظهرت في التاريخ هي حركة يهودية في عهد الحكم الروماني في القدس يطلق عليها السيكاري ، وهي حركة سياسية دينية متطرفة تتكون من مجموعة من اليهود وفدوا على فلسطين في القرن الاول قبل الميلاد بعدما كان البابليون شتتوهم ،وكانوا ينفذون عملياتهم في واضحة النهار وفي المناطق المزدحمة وكثيرا ما يستغلون المناسبات والاحتفالات التي تضم عددا من الناس ويضربون عدوهم في وسط هذا الزحام تفاديا لتتبعهم او القبض عليهم .وكانوا يستعلمون السيوف القصيرة المسماة سيكا ، وقامت هذه المنظمة بالعديد من عمليات التخريب و التدمير والاغتيال والتخريب ،وفي نهاية الامر تم القضاء عليها . وفي عهد الجمهوريات اليونانية والرومانية القديمة انتشرت ظاهرة الإرهاب وكانت الأساليب والوسائل الشائعة في تنفيذ العمليات الارهابية هي الاغتيال وإشاعة الرعب والذعر باستعمال الاسلحة المثيرة انذاك كالآلات الجارحة والسيف يتم استخدامها بالأسلوب السري والعلني وكانت الدوافع وراء ذلك شخصيات وأحيانا حكام . اما في العصور الوسطى فلا تخلوا بدورها من ممارسات العنف والإرهاب ، وتشكلت عصابات كان يستخدمها النبلاء للإخلال بالأمن واشاعة الرعب والرهبة في ربوع إقطاعيات خصومهم من النبلاء المنافسين . وفي تلك الحقبة عرفت ثورة العبيد الذين تشكلوا على شكل مجموعات صغيرة للممارسة الإرهابية بالقتل والسرقة واشاعة الرعب والفوضى والفزع ضد مقاطعات سيادتهم نتيجة للظلم والاضطهاد والذي تلقوه على أيديهم وكانت هذه الممارسات من اجل الضغط عليهم لتحقيق مطالبهم الشخصية من الأعمال الإرهابية في هذا العصر .كانت القرصنة البحرية تهدد التجارة والملاحة البحرية واستخدمت هذه المجموعات من قبل بعض الحكومات والإمبراطوريات كالانجليزية والفرنسية والاسبانية لتنفيذ مأربها في القرصنة البحرية واستخدامها في حرب معلنة في المحيطات والبحار وبقيت عمليات القرصنة تمارس بشكل اقرب ما يكون الى الإرهاب في عصرنا الحاضر . وهكذا فان القرصنة البحرية هي جريمة ضد البشرية والعالم اجمع ، ومن هذا المنطلق يرى البعض ان قضية خطف الطائرات هي البديل العصري للقرصنة البحرية ، وفي بداية القرن التاسع عشر كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية ومعظم الدول الغربية مرتعا خصبا وملائما للأنشطة الإرهابية ، فقد ظهرت هناك حركات التحرر وحركات عنصرية هدفها إرهاب الزنوج والملونين ،ومن ابرز هذه المنظمات الإرهابية هي منظمة تدعى كوكلاس كلان الارهابية التي أنشأها المزارعون، كان هدفها قتل المواطنين الزنوج وإرهابهم ، وكانت من أساليبهم الشنق على الأشجار ،هذا وعلى الرغم من هذه العمليات الارهابية الكثيرة الا انها لم تحقق نتائجها المرجوة منها في إحداث تغييرات جذرية سواء في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اوربا، الا انها ساعدت على بلورة سيرة بعض الأحداث الكبرى في تلك الحقبة منها الحرب العالمية الأولى وهكذا لم يتوقف الارهاب بعد ذلك، بل اتخذ بشكل او باخر بعد الحرب العالمية الاولى ، اذ شهدت معظم الدول الاوربية جديدا من اعمال العنف و الارهاب شلت الشوارع والمصانع وعمت الاضطرابات الدموية والقلاقل في أرجاء اوربا . وعليه فجاء القرن العشرين ليعتبر تحول من تاريخ الإرهاب وتوسع نطاقه لما تميز به من هذا القرن من احداث خطيرة كالحربين الاولى والثانية وظهور الكيان الصهيوني في الارض المحتلة في فلسطين وتولى بعض الدكتاتوريات الاستبدادية لمقاليد الحكم مما أدى الى اتساع ظاهرة الإرهاب وتزايد الجماعات الارهابية في معظم دول العالم ، اما في منطقتنا فقد تركز الارهاب في الارض المحتلةوفلسطين ، حيث اتخذت الصهيونية القتل الجماعي والتشريد لتحقيق هدف قيام دولة اسرائيل الكبرى ، وأسست منظمات إرهابية للقيام بهذه المهام ومارست الارهاب ضد الفلسطينيين سواء داخل الارض المحتلة وخارجها ، ومازال متواصل بشكل ابشع الى الان جهارا و نهارا دون حسيب ولا رقيب وفي هذا الصدد فقد اصبحت ظاهرة الارهاب في وقتنا الحاضر تمارس بشكل معقد تديره منظمات تتمتع بقدر عال من التدبير والتنظيم والتسليح والمعرفة الفنية وفي بعض الاحيان تديره مخابرات بعض الدول الكبرى، باساليب السيطرة على المجتمع الدولي ، اما بالنسبة للعالم العربي الاسلامي ، فقد عرف العرب الارهاب قبل الاسلام من خلال ممارسات الصعاليك الذي يتجمعون في شكل عصابات منظمة تغزو وتقطع الطرق ، أما في بداية الإسلام فمع بزوغ شمسه دأب المشركون على صده ومنع انتشاره بكل الوسائل ابتداء من إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم وتعذيب أصحابه ومحاصرتهم اضطروا الى الهجرة من مكة الى المدينة تاركين ديارهم وأموالهم . إلا انه رغم البطش والاضطهاد فإنهم لم يفلحوا وباءت محاولاتهم بالفشل ، وهكذا أخفق الإغراء والارهاب في تعويض الدعوة .وقد انضم الى المشركين في ارهاب المسلمين اليهود الذين امتهنوا هذه الحرفة ، وظهرت في المدينة التي استقر فيها الرسول (ص) بين المهاجرين والأنصار حركة ثورية فكرية انقلابية اتسمت بالعنف على المجتمع وذات أهداف بعيدة المدى و يتعلق الامر بالحد من انتشار الاسلام . اما بالنسبة لما يقع في الظرف الراهن في المشرق العربي الاسلامي من اقتتال بين جماعات تنتسب للاسلام فان اعمالها لا تمت الى الشريعة الاسلامية بصلة. ومن المؤكد ان الصراع الدائر في المنطقة قد حضر فيه الدين بقوة ،وقد نشأت باسم الدين الصراعات الطائفية والمذهبية..، ومما يؤسف له أن هذه الخلافات ،قد اتسمت في أغلب الحالات بالعنف والارهاب وتحمل تلك الطوائف المقتتلة فكرا أصوليا جديدا من أجل كبت الأصوات المعارضة ، وفرض حدود لا ينبغي تجاوزها عند التعبير عن الرأي ، وتحديد نمط معين من الثقافة على عقول المواطنين ،وأصبحت آلة ملوية الإرادة تعمل بعفوية لتنفيذ مخطط أعداء الاسلام والشعوب الاسلامية للإساءة الى الدين الحنيف ونعته بالإرهاب ، وكانت تستخدم لهذه الغاية مختلف وسائل الإعلام والمدارس والمعاهد وغيرها من وسائل لممارسة الضغوط على شخص ما من خلال نشر ستار الأكاذيب والاتهامات بصورة مستمرة حتى تنهار معنوياته ويفقد توازنه ،واعتقد ان لا احد يستطيع ان ينكر ان العالم يشهد حاليا مرحلة انتقالية ، من مرحلة القطب الثنائية الى مرحلة القطب والتفرد القطبي الواحد يتجلى في أمريكا ،بعد انهيار جدار برلين ،وقد ادى هذا التحول السريع والمفاجئ الى اختلال في النظام السياسي الدولي ، حيث تحكمت دولة كبرى في مصائر الدول الصغرى ،وقد نتج عن تلك السياسة الاستفرادية ممارسات استعمارية وبشكل جديد ، لهذا كان من الطبيعي أن يكون الرد الفعلي من قبل الشعوب المتضررة ،وكسلوك طبيعي اتجهت الى العنف والارهاب لدفع العدوان والظلم الدولي الجديد ومواثيقه برمته ، وباتت امريكا تفرض إرادتها في مختلف ميادين الحياة المختلفة للشعوب ، كما حصل في العراق وليبيا والسودان وغيرها .أما الأممالمتحدة فهي أشبه باستعمار جديد تتولى بطريقة او بأخرى شؤون دول العالم ،وتراقب ميزانية من مدخولاتها وتعد خطوات بعض الشخضيات بأسباب واهية ولإرضاء امريكا. وجاء قرار مجلس الامن وللاسف ليعبر وبالملموس عن مصالح الدول الغربية والصهيونية العالمية ، وكانت شريعة الغاب هي السائدة ، وفشلت المنظمة الدولية في تحقيق التعاون بين الدول والسلم الذي يقوم على العدل والمساواة . وخلاصة القول ان هذه الأسباب مجتمعة دفعت الى حروب العنف والإرهاب والفتن في العديد من بقاع العالم ونتيجة لهذا الخلل أصبح الإرهابيون يتلقون الدعم والمساندة من بعض الدول بل قد يعملون لصالح تلك الدول من اجل مكاسب مادية و سياسية. أما بالنسبة للمغرب فقد احتد الصراع بين الدولة والشبكات الإرهابية ، واتضح من مخططات الشبكات الارهابية انها تستهدف شخصيات من رجالات الدولة ورؤساء الأحزاب وتدمير المرافق الحيوية في مختلف المدن ،لهذا يجب على الحكومة أن تعترف ان المغرب يأوي خلايا نائمة تابعة للتنظيمات الارهابية للجماعات التي تزعم انتسابها للاسلام ، كما يجب الاعتراف بان المجتمع قد تم أخونته وهو ما تعبر عنه اصوات الناخبين في الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة ، وسيتضح الامر كذلك في الانتخابات التشريعية المقبلة خلال هذه السنة . وعليه فان تنامي ظاهرة الفكر الأصولي والتكفيري الى جانب الخلايا الارهابية النائمة يتم اكتشافها وتفكيكها بين الفينة والأخرى ،يبدو انه التحدي الاول الذي يجب التصدي له داخل الوطن و خارجه ومواجهة الجهات التي تحتويها وتدعمها ،وكذاك أصبح من اللازم طرح سؤال عريض ومشروع حول العلاقة بين الفكر الذي تتبناه الشبكات الإرهابية التي يتم اكتشافها وبين الفكر التكفيري من شيوخ جماعات اسلاموية متعددة داخل الوطن ، لان المغرب ما زال ينعم بالأمن والاستقرار ،يجب الحفاظ عليه تفاديا لأي منزلق سياسي لا تحمد عقباه . اما السياسة المنتهجة من طرف الحكومات التي تعاقبت على الحكم في البلاد منذ سنوات،والتي كان يعارضها المرحومين المهدي بن بركة وعبد الرحميم بوعبيد وثلة كثيرة من سلفهم المخلصين فهذه السياسة كانت ولازالت تعمل لصالح الطبقات الراقية او البرجوازية تحظي بالصلاحيات الواسعة في تدبير الشأن العام وتستفيد من التسهيلات والامتيازات الاقتصادية ،يعود عليهم بالرفاهية والغنى ، بينما تحرم الفئات الاخرى من الاستفادة من موارد الدولة الأمر الذي سيساهم في حدوث الخلل الاقتصادي والاجتماعي بين طبقات الشعب مما يجعل هذه الطبقات الفقيرة تتذمر وتظهر الاستياء. وعدم الرضى بما يجري من غياب العدل والمساواة وغلاء الأسعار ، والتفقير والبطالة ، انه شكل من أشكال الارهاب الذي تتزعمه الدولة في مواجهة الشعب ،وذلك باتقال كاهلها بالأعباء من فاتورات الضوء والماء وغلاء المعيشة ، وانطلاقا مما ذكر يبدو بوضوح ومما لا شك ان الدين الإسلامي يدحض النظريات والآراء والإشاعات التي تعتبره مصدرا للارهاب ،فقد كرم الله في كتابه العزيز بنى ادم بغض النظر عن جنسه واعتقاده ولونه ويدعوا الى الرحمة والرأفة والتسامح . ويدعو الى العدل والإحسان وحسن التعامل بين الناس بالتي هي أحسن ،ويأمر بالعدل والمساواة لا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى ، لقوله تعالى في سورة الحجرات «كنتم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عن الله اتقاكم « وجاءت السنة لتبين للناس ما نزل اليهم من مكارم الأخلاق والإخوة والإيثار ..، ولم يسبق للنبي صلى الله عليه وسلم أن قاتل المنافقين او المؤلفة قلوبهم رغم علمه بعدم ايمانهمذ، ولم يكن فظا غليظ القلب ، وقد سار على نهجه السلف الصالح الذي يدعو الى الاجتماع على الدين ونبذ التفرقة والخلاف ، والاسلام كما سبق ذكره دين السلام ودين الحق ولا يجوز القتال الا بما جاءت به الاية 29 من سورة التوبة «قاتلو الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الدين ،اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عما يدوهم صاغرون « اما الذين يريدون النيل من الإسلام بافتراءاتهم وأكاذيبهم وطغيانهم فلن يفلحوا أبدا مصداقا لقوله تعالى « يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)»