لا يمر يوم دون أن يطلعنا الإعلام الغربي أو الشبكة العنبوتية على تألق وبزوغ طاقة شابة مغربية في البلدان الأجنبية، في مختلف المجالات العلمية والسياسية والاجتماعية والثقافية، مما يطلق العنان لأسئلة كبرى حول علاقة تلك الكفاءات بالوطن واهتمام المسؤولين بها، فلماذا بلدنا لا يفسح المجال أو يساعد على توفير الشروط الموضوعية لتنمية القدرات الذاتية للمواطنين؟، وكيف نجحت الدول الغربية في استثمار قدرات أبنائنا؟ وأية إستراتيجية وطنية لتسخير الأدمغة المغربية للتنمية الشاملة والتمكين الاقتصادي للطبقات الوسطى والفقيرة؟ فاقتصاديا سوف يتمكن المغرب من القضاء على بطالة الشباب عبر تشجيع المقاولة ودعم التشغيل الذاتي، فإذا تمكن كل مفكر مغربي من تأسيس مقاولة إنتاجية سوف يشغل معه على الأقل 10 شباب، وتشغيل 10 شباب يعني ضمان دخل قار ل 10 أسر، كما أن وفرة ستخلق نوافذ للتصدير، وتلكم مجالات شاسعة لتسويق المنتوج المجالي والثقافة المغربية، مما سينعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني ويرقيه ليصبح ضمن القوى الاقتصادية العالمية. وسياسيا، مجموعة من الأدمغة المغربية تقف وراء نجاح كبرى الدول على مستوى التخطيط الاستراتيجي السياسي، بل تمكنوا من قيادة مؤسسات وزارية حيوية في البناء العام للدولة، فإذا عمل المغرب على تأمين عودتهم والاستفادة من تجاربهم سنتمكن من تجاوز سلبية ومحدودية الخطاب السياسي الحالي، بل سيصبح حقلا لإنتاج التصورات والمواقف والخطط التي تؤسس لثقافة تخليق الحياة العامة، والتي من شأنها تعزيز موقع المملكة ضمن الهندسة الجيوسياسية الدولية. إن الأدمغة التي تصنع أسس ومقومات دول الغرب هي سلاح قوي لتكريس تبعية وتهميش الدول المصدرة لتلك الأدمغة، فلا عيب في تلقي تعليم غربي جيد، لكن العيب هو إهمال تلك الأدمغة والتخلي عنها، فلو فكرت الدولة قليلا لاكتشفت موطن قوة مواردها البشرية، ولنا اليقين أن تلك الكفاءات تنتظر فرصة العودة لتنمية الوطن. * رئيس المركز الوطني للتنمية والوحدة الترابية