اعتبرت ثلة من المثقفين المغاربة الإصدار الجديد للباحث محمد مفتاح «مفاهيم موسعة لنظرية شعرية: اللغة - الموسيقى - الحركة»، فضلا عن كونه استكمالا لمنجزه النقدي الذي استهله بمؤلف «سيمياء الشعر القديم»، أنه فتح يؤسس لنظرية شعرية تقوم على الموسيقى والحركة. ولم يختلف هؤلاء، في لقاء نظمه المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب بتنسيق مع المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، في أن محمد مفتاح وظف «من جديد وكعادته الأدوات المعرفية والمنهجية التي تضمنتها مؤلفاته السابقة فجاء مؤلفه الأخير على شكل مشتل كبير للأفكار الجديدة والمقاربات المتقدمة في مقاربة الشعر والثقافة الكونية بصفة عامة». وأعمل المشاركون في هذا اللقاء معولهم المفاهيمي والنقدي فسلطوا الضوء على المستند الفلسفي والنظري والمنهاجي الذي لجأ إليه مفتاح «والذي امتد تأثير أبحاثه» حسب عبد الرحيم العلام، عن اتحاد كتاب المغرب، «إلى العديد من الجغرافيات العربية والدولية»، وذلك بانفتاحه على عدة تخصصات ونظريات كفلسفة الدين، واللسانيات، ليكون بذلك قد نحت مفاهيم تأسيسية جديدة. ويقول محمد مفتاح في هذا الكتاب، إنه اعتمد «على تصورات ونظريات ومناهج مستقاة من العلوم المعرفية، بما تحتوي عليه من علم الأعصاب، وعلم تحصيل المعرفة، وتدبيرها، وعلم النفس، واللسانيات، وفلسفة الذهن، (....) فأقمنا التوسيع على ثالوث، هو اللغة، والموسيقى، والحركة». ويضم هذا الكتاب ثلاثة أجزاء، هي «مبادئ ومسارات»، و»نظريات وأنساق» و»أنغام ورموز». من جانبه، سجل الناقد أحمد بوحسن أن المؤلف ينحت مفهوم «البويسيقا»، فكان هذا من مقصديات الكتاب، أي صناعة «نظرية شعرية» موسعة تمتد لتشمل الحركة والموسيقى، اعتمد فيها على «عدة نظريات وقواعد اختبرها في مواقف نصية حتى أصبحت قابلة للاشتغال». وقد انفتح مفتاح، أيضا، يضيف بوحسن، على أهم علم في العصر الحديث، وهو علم الأعصاب والدماغ، لولوج باحات شعرية لم تكن مدركة من قبل, فدرس الشعر في «بعده الحركي وأرجعه إلى أصوله الفطرية». ونحى الباحث محمد المصباحي منحى آخر، فبعد مدخل موجز تطرق فيه إلى أن هذا العصر «عصر النهايات ..نهاية التاريخ...نهاية الشعر»، وبعدما أشار إلى أن العصر الحديث هو «عصر الموسيقى - اللاموسيقى ، والشعر اللاشعر ..» ، قال إن منجز محمد مفتاح يذكره بالفيلم الشهير «تيتانيك» الذي تعزف فيه أرقى المعزوفات الموسيقية غير عابئة بغرق السفينة. وأوضح محمد المصباحي أن «مفاهيم موسعة لنظرية شعرية...» أعلن غرق بحور الفراهيدي بعد أن اصطدمت بجبل الحداثة الجليدي، وتفتيتها إلى عدد لا متناهي من الأنهار والسواقي، حتى أن هذا البحث، في نظره، «يعمم الموسيقى على كل شيء في الوجود ..وهي المفارقة الكبرى فيه». فكان القصد من «مفاهيم موسّعة لنظرية شعرية» هو صنع «آلة جديدة لشعر جديد له موسيقى جديدة»، يقول المصباحي، من خلال طرح العلاقة بين الموسيقى والحركة، وعلاقة العروض بالموسيقى، وعلم الموسيقى بالشعر، مستخلصا، بالرغم من ذلك، أن المنجز النقدي لمفتاح يحمل رسائل مهمة منها، أن «العروض وبحوره ليس صنما»، وأن الموسيقى حق كالحرية. ولم يفوت محمد مفتاح الفرصة دون أن يؤكد أنه حدد في هذه الإصدار الجديد «الإطار» المتمثل في «العلوم المعرفية وبعده الفلسفي الفيتاغوري»، مشيرا إلى أن عالم كبير مثل ابن الخطيب صنف علم الموسيقى مباشرة بعد علم الوجود. وقال إن «العلوم العصبية» التي استند عليها في البحث هي أهم فرع في العلوم المعرفية والتي يهيمن عليها الموسيقى والآداب، فالموسيقى تؤطر الدماغ البشري، وتعد جزءا من العالم، والانسان جزء من هذا العالم. وعن المنطلقات الفلسفية لمحمد مفتاح, يقول الباحث بناصر البعزاتي أن أصحاب المذهب الفيتاغوري الذي اعتمد عليه مفتاح، يذهبون إلى أن «الكون نظام يتحكم فيه العدد والنغم»، لذلك ألح مفتاح على دور الموسيقى واثرها على الإنسان ليخلص إلى أن «أثر الموسيقى على الإنسان أقدم من أثر الخطاب (اللغة)». أما الناقد محمد الداهي فتحدث عن آفاق فتحها هذا المؤلف الذي وسع من نطاق السيميائيات، لتصبح نظرية متجددة، ولتكون في خدمة الخطاب الشعري. هذا الكتاب، يقول الداهي، فتح نطاقا بيداغوجيا عند إشارته إلى محدودية بحور الخليل بتفريعاتها العقيمة، ومن خلال دعوته لإدراج حصص الموسيقى ومعلومات عن علم الأعصاب والتشريح وعلاقتها بالموسيقى ضمن المقررات الدراسية. بدوره ذهب الناقد أنور المرتجي بعيدا في البحث عن «النص الغائب» في هذا الإصدار، الذي يفاجأ القارئ الجاد. فقد طفح البحث بمزيد من «الطفرة المنهجية والمعرفية» المرتبطة بالنص الغائب، الذي حدده المرتجي في «ذلك الصرح المعماري السردي الذي بدأه مفتاح منذ كتابه «في سيمياء الشعر القديم» (1982 ) ليصبح مؤلفه الجديد «تجميع لما تفرق في كتبه». وقال المرتجي إن مفتاح «لا يخلف الموعد مع الاجتهاد النظري»، إذ ولج منطقة جديدة في الشعر هي «الحركة التي تحاكى بالموسيقى وباللغة، أو بهما معا» ، وهكذا يكون الشعر مرتبط ارتباطا وثيقا بالحركة. وسلط المرتجي الضوء على «الثابث المنهجي» لدى مفتاح ، الذي سماه ب»الوطنية النقدية» من خلال حرصه، خلافا لبعض النقاد، على أن يشتغل على المتن المغربي القديم والحديث، وإن أبرز المرتجي غياب الحركة الجسدية عند الشعراء المغاربة عكس المشارقة (أحمد المجاطي ومحمود درويش ). وخلص الناقد في قرائته لهذا البحث إلى أن «عباءة جهاز مفتاح المفاهيمي تغطي على المتن الشعري، كأن هذا المتن لا يستجيب لهذا الإطار المفاهيمي الضخم الذي يستخدمه محمد مفتاح». وفي سياقي «الحركة والجسد»، قال الباحث علي أيت أوشن إن مقاربة مفتاح للشعر تتأسس على الجسد البشري بقصد استدراك «التقصير» الحاصل في دراساته السابقة باقتراحه في «مفاهيم موسعة لنظرية شعرية...» لإطار نظري ومنهجي وفلسفي للشعر (علم وظائف الأعضاء). يذكر أن للناقد المغربي محمد مفتاح مؤلفات تعتبر مرجعا في هذا المجال منها «في سيمياء الشعر القديم» و»تحليل الخطاب الشعري، استراتيجية التناص» و»دينامية النص: تنظير وإنجاز» و»التلقي والتأويل، مقاربة نسقية» و»التشابه والاختلاف نحو منهاجية شمولية» و»المفاهيم معالم» و»مشكاة المفاهيم، النقد المعرفي والمثقافة» و»النص: من القراءة إلى التنظير» و»الشعر وتناغم الكون: التخييل الموسيقى- المحبة». وحصل مفتاح على جوائز مهمة منها جائزة المغرب الكبرى للكتاب في الآداب و الفنون لمرتين، (1987 و1995 ) عن كتابيه «دينامية النص» و»التلقي و التأويل» .