الحديث عن تجربة مغني الفنية لا يستقيم إلا في سياق ارتباط الفن بتربته وجغرافيته البدوية والقبلية الأصيلتين ...فخلافا لمحمد رويشة الذي نجح في توسيع دائرة معجبيه من خلال المزاوجة بين الأغنية الأمازيغية والعامية المغربية.. سنلاحظ أن جمهور محمد مغني ظل محصورا في نخبة محددة من الجمهور (أعيان المنطقة وفئة مخصوصة من متذوقي الشعر الغنائي) وضمن رقعة جغرافية وثقافية لا تتعدى مناطق الأطلس المتوسط ومناطق زمور ... وهذا لا يؤشر على محدودية التجربة الفنية عند "مغني " أو على قلة جودة منتجه الغنائي.. بقدر ما يؤشر على التزام مغني بالاشتغال أساسا في إطار الغناء بالأمازيغية بقليل من الهواجس التجديدية ، والعمل المستمر على ترسيخ أصالتها والارتقاء بجماليتها الشعرية لغة ودلالات وقيما ... ولعل نشأة هذا الفنان المرتبطة بالبيئة الرعوية، وقلة تأثره بالروافد الغنائية الشرقية والمغربية في شقها العربي لهما أثر بالغ الأهمية في تفرده بأسلوبه الخاص في العزف والغناء .... ومن هنا ، نلمس عند مغني حرصا شديدا على عدم اجترار الأغاني المتداولة بين كل الفنانين بالأطلس المتوسط ، والبحث دائما عن أغان ذات جودة عالية في الكلام الشعري وقابلية مناسبة لتفجير طاقته الصوتية الباهرة ... ونتيجة لهذا النزوع الإبداعي الذي ينم عن طبع فني أصيل ونقي، سنجد أن مغني يركز كثيرا على الكلمة الراقية، الإيحائية والمشحونة بالمعاني والصور ذات الصلة الوطيدة بالبيئة الرعوية بالأطلس المتوسط ...فترتب عن ذلك اعتناء شديد بالأداء الصوتي على حساب الأداء الموسيقي. بمعنى آخر، مغني استهوته الكلمة الشفيفة الدافئة أكثر مما استهواه العزف على آلة لوتار، الأمر الذي يفسر عدم اعتنائه بالاستهلالات والتقاسيم المتنوعة والتوشيات ذات التلوينات المتعددة.. كما هو الحال عند محمد رويشة ... فجاء عزفه تلقائيا وبسيطا يمكن أن ندرجه ضمن ما يعرف بالسهل الممتنع ...عزف لا يستقر على طابع ثابت ذي ملامح صارمة ، بل يتغير بحسب السياقات المحيطة بتخلقه بحيث إن المستمع المتتبع لأعمال هذا الفنان المقتدر تارة يصاب بقمة الانتشاء أمام روعة العزف ، وتارة أخرى يستبد به شعور بافتقار العزف إلى الحرارة والإتقان اللازمين حتى ينسجم الأداء اللحني مع الأداء الصوتي البديع والمدهش لدى محمد مغني ... ونظرا لخاصية السهولة الممتنعة في العزف عند مغني ، وعدم احتفائه - كما قلت - بمتطلبات الصنعة الموسيقية قدر احتفائه بالإطراب ، سنجد أن أتباعه نادرون أذكر منهم "أوخابا" بخنيفرة، وعبد الله زرزوقي والمرحوم عبد النبي الكاس" بمريرت . عموما ، تبقى تجربة الفنان محمد مغني التي انطلقت شرارتها مع بداية السبعينيات وامتدت لما يناهز أربعة عقود، تبقى هذه التجربة الثرية محطة مفصلية أساسية في مسار الأغنة الأمازيغية بالأطلس المتوسط ، نظرا لدورها القوي والمتميز في صيانة الشعر الغنائي الأمازيغي من الابتذالية والتجارية ، والتزامها بخدمة الفن الموسيقي الأمازيغي والمغربي بعيدا عن مأزق استنساخ القوالب الغنائية المستوردة أو الهجينة أيضا ...بهذا التوجه الأصيل والباذخ نجح مغني في توثيق الصلة بين الفن وبين جذوره الثقافية دون أن يجني من وراء ذلك غير الفقر والتهميش وعدم الاعتراف...أستعمل لفظة "تهميش"لأنه تعرض للنصب واستغلال اسمه وإبداعاته السامقة تجاريا ،وظل يشتغل في صمت دونما دعم مادي أو معنوي يحفزه على المزيد من العطاء والاجتهاد ... فأملنا أن تلتفت الجهات الوصية على الشأن الثقافي والفني والإعلامي إلى هذه القامة الأطلسية الشماء والأبية عبر إيلائها ما يليق بها من اهتمام وتشجيع حتى تسترد بعضا من اعتبارها الرمزي الذي طوته سنوات الجحود والنكران. فاعل ثقافي من خنيفرة + مرفقات/ / صورة/ / محمد مغني