تؤكد منظمة الصحة العالمية على أن الاضطرابات النفسية العصبية تشكل نسبة 15.8 في المئة من الثقل العام المرضي، ويعتبر الانتحار السبب الثالث للوفاة عند الشباب أقل من 25 سنة في العالم. وحسب آخر بحث وطني أنجز في المغرب، فإن 40 في المئة من المواطنين الذين يبلغ سنهم 15 سنة فأكثر، هم يعانون أو سبق أن عانوا من اضطراب عقلي، 26.5 عانوا من اضطرابات كآبية، 9 في المئة من قلق شامل، و 5.6 من اضطرابات نفسية. وضعية تحيلنا كذلك للإشارة إلى معطى بالغ الأهمية والمتمثل قصور تشريعي يجعل مرضى نفسيين يعاقبون بالسجن، إذ أن ثلث المحكومين بأحكام قاسية هم يعانون من اختلالات نفسية، وقرابة نصف السجناء المحكومين بالإعدام والقابعين في السجن المركزي بالقنيطرة يعانون من اختلالات في صحتهم النفسية، وفقا لنتائج الدراسة التي سبق أن أنجزتها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان حول عينة من السجناء المغاربة، والتي وقفت عند دور الطبيب النفسي في تقدير المسؤولية الجنائية للمريض، وعند عدم التنصيص على إجبارية القيام بالخبرة النفسية، والمعطى المتعلق بتحديد الطبيب النفسي لدرجة المسؤولية الجنائية إذا كان الجاني لحظة ارتكابه لجنايته مدركا لما يفعله، وما إذا كان في درجة من الخطورة تستوجب عدم رجوعه إلى المجتمع نهائيا. وتعرف العناية الطبية والاجتماعية للأشخاص المصابين بأمراض عقلية في الدول النامية عدة مشاكل، بحيث تشير المنظمة العالمية للصحة أن 85 في المئة من الأشخاص المصابين بأمراض عقلية جسيمة لا يستفيدون من العلاج في الدول ذات الدخل الضعيف والمتوسط. وفي بلادنا يعاني كذلك المريض العقلي في صمت من التشرد، ونقص في العناية الطبية، ومن النظرة الاجتماعية القاسية، ومن نقص في الحماية المجتمعية، كما لا تتوفر المستشفيات العقلية والنفسية على الظروف الملائمة والمناسبة لنزلائها وتعرف عدة نقائص، من بينها الاكتظاظ، نقص في الموارد البشرية, نقص في الأدوية، وفي الظروف المصاحبة لشفاء المرضى العقليين، البنيات التحتية المتهالكة، ووضعية الأجنحة والغرف التي لا تستجيب للمعايير الدولية. وقد عرفت الصحة العقلية في المغرب إهمالا شديدا في السياسات العمومية من طرف المسؤولين المتعاقبين على المسؤولية الصحية في بلادنا، بالنظر إلى النقص الكبير في الموارد البشرية، إذ لا يتعدى عدد الأطباء النفسيين 172 طبيبا في القطاع العام، و 740 ممرضا مختصا في الطب النفسي، مع نقص كذلك في الأطر السيكولوجية والاجتماعية، مع توزيع جغرافي غير عادل للأطر الطبية وشبه الطبية.