تعرف العناية الطبية والاجتماعية للأشخاص المصابين بأمراض عقلية في الدول النامية عدة مشاكل، بحيث تشير المنظمة العالمية للصحة إلى أن 85 في المئة من الأشخاص المصابين بأمراض عقلية جسيمة لا يستفيدون من العلاج في الدول ذات الدخل الضعيف و المتوسط. وفي بلادنا كذلك يعاني المريض العقلي في صمت من نقص في العناية الطبية ومن النظرة الاجتماعية القاسية، ومن نقص في الحماية المجتمعية، مما يجعل منه مواطنا مهمّشا في وسط ذويه أو مشردا في الشارع العام. إذ لا تتوفر المستشفيات العقلية والنفسية على الظروف الصحية الملائمة والمناسبة التي من المفروض أن توفرها لنزلائها، وتعرف عدة نقائص من بينها الاكتظاظ ، نقص في الموارد البشرية، نقص في الأدوية، نقص في الظروف المصاحبة لعلاج وشفاء المرضى العقليين، فضلا عن البنيات التحتية المتهالكة، والغرف التي لاتحمل إلا الاسم ولا تستجيب للمعايير الدولية . وقد عرفت الصحة العقلية في المغرب إهمالا شديدا في السياسات العمومية من طرف المسؤولين المتعاقبين على المسؤولية الصحية في بلادنا، فهناك نقص في الموارد البشرية، بحيث لا يتعدى عدد الأطباء النفسيين 172 طبيبا في القطاع العام و 740 ممرضا مختصا في الطب النفسي، مع نقص كذلك في الأطر السيكولوجية والاجتماعية، دون الحديث عن التوزيع الجغرافي للأطر الطبية وشبه الطبية غير العادل ... هذا في الوقت الذي تتجه المقاربة العالمية إلى تخفيض المستشفيات العقلية من النزلاء واستبدالها بمجموعة المنازل المجتمعية، مع العمل على إدماجهم في المجتمع. وفي هذا الإطار وقعت 130 دولة على اتفاقية تنهض بحقوق الأشخاص المصابين بإعاقة، وتنص المعاهدة على إلزامية تمتيع المعاقين بمن فيهم من يعانون من أمراض عقلية، بحقوقهم الشخصية، وعدم احتجازهم بشكل تعسفى، كما توصي المنظمة العالمية للصحة بإنجاز برنامج عام للصحة العقلية يعتمد على الرعاية المجتمعية بدل المستشفيات العقلية المركزية، وبالرفع من النسبة المخصصة للأمراض العقلية والنفسية من الميزانية الصحية للدولة. وفي الختام يجب الاهتمام بهذه الفئة من الساكنة من المواطنين المغاربة التي تتكبد مع أسرها معاناة حقيقية في ظل غياب سياسة فعالة وناجعة، مع ضرورة العمل على القيام بإصلاحات جذرية في المقاربة الصحية للأمراض النفسية والعقلية في بلادنا، تعتمد على الإدماج المجتمعي، مع مراجعة الإطار التشريعي المتقادم، والعمل على إدخال نصوص قانونية لحماية حقوق المرضى العقليين، مع توسيع العرض الاستشفائي بإنشاء وحدات مندمجة في جميع المستشفيات مع أنسنتها، وإحداث مجموعة المنازل الاجتماعية التي أعطت نتائج جد ايجابية في عدة دول ومكنتها من تخفيض نسبة الاستشفاء في المستشفيات المركزية مع إمكانية إدماجهم في المجتمع، بالإضافة إلى إلزامية التفكير في إصلاح القانون الجنائي لتمتيع المرضى العقليين والنفسانيين المرتكبين لجرائم بقضاء المدة الزمنية المحكوم عليهم بها في المستشفيات النفسية المختصة .