من المحقق أن اللقاء الذي احتضنته مدينة مراكش ، حول »الأقليات الدينية في ديار المسلمين«، سيكون له تاريخ ديني وسياسي وثقافي. فمدينة مراكش، بكل رمزيتها وعمقها التاريخي وشحنتها الثقافية والدينية، هي عاصمة مغربية للتدين ، بكل تفرعاته الصوفية والمذهبية والروحية المتعددة، وبالتالي فإن عمقا تاريخيا كان وراء الاختيار، كما أن الحاضنة الحضارية والحضرية للقاء كانت مكانا لتجاور يتجاوز الماضي إلى عمق الراهن. واليوم المغرب، وهو يختار موضوعا ليس بالسهل، يدرك أن الحقوق المكفولة للأقليات، هي من صميم التدين المغربي، الذي ينبني على شرط الاعتدال والوسطية والتعايش والنصيحة، للحاكمين قبل المحكومين. والشرط الإنساني الكامن وراء هذه الخطوة هو وحدة الوجود الإنساني بكل روحانياته، بما يعطي للإسلام الوسطي في المغرب كل أبعاده الكونية. ولعل مقاربة سؤال الأقليات في بلاد إمارة المؤمنين يعطي للبعد الروحي للإنسية المغربية، بعدا عالميا يجعلها قادرة على الانصهار في القيم التي تجمع البشرية وأولها التسامح والتعايش ونبذ الإقصاء والتطرف. والواضح أن سياق اللقاء يكتسب معناه من الأحداث التي عرفتها وتعرفها دول الشرق الإسلامي، سواء في الشرق الأوسط أو في بلدان آسيا، كما تابعها الرأي العام. ولعل التجمع المحتضن من طرف بلادنا هو رسالة قوية عن مضمون التموقع الروحي والديني والقيمي الأخلاقي للمملكة، والتي وضعت على طاولة التأمل الروحي والعقلي ، لأول مرة في التاريخ الإسلامي الحديث ، موضوعا بهذا التعقد ، ماضيا وراهنا ومستقبلا. لقد كانت المناسبة مناسبة تحرر العقل الديني من عوائق التمذهب والتمترس الطائفي والمسبقات التي نلخصها عادة في الهويات القاتلة، شرقا وغربا. إن التجديد في الخطاب الديني لا يمكن أن يتم بدون إدراج بند الحرية في المعتقد ، بما يناسب التجارب الروحية لكل مكونات البشر، ولا سيما في البلدان الإسلامية التي تخضع لتأويل طائفي عنيف وقاتل، يمتح غذاءه من الفهم الخاطيء والحصري للنصوص. لقد كانت الرسالة الملكية واضحة وبليغة عندما ذكرت بالمبدأ العام التالي« أنه لا يجوز لأحد أن يدعي أن الدين يجيز له أن يمس بحقوق الأقليات الدينية في بلاد الأغلبية الإسلامية».. وهو حسم ديني وسياسي وحقوقي ، يحسب لبلادنا، التي كانت دوما فضاء للتعايش ومخصبا تاريخيا للروح الاعتدالية وللتأويل الصحيح والتقدمي لتراثنا الديني وعناصره المشرقة..